وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن أفول النظام السياسي الفلسطيني

النظام السياسي الفلسطيني
صورة تم التقاطها يوم ١٨ أغسطس ٢٠٢٠ للرئيس محمود عباس أثناء اجتماع للقيادة الفلسطينية لمناقشة صفقة تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل بمدينة رام الله في الضفة الغربية. المصدر: MOHAMAD TOROKMAN / POOL / AFP.

ماجد كيالي

بات النظام السياسي الفلسطيني متقادماً ومتكلساً وآيلا للأفول، إذ ما زالت الطبقة المسيطرة، والكيانات الفصائلية، وطرق العمل، هي ذاتها منذ عقود. هذا الأمر ما زال واقعاً ملموساً على الأقل منذ إقامة الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، أي منذ ثلاثة عقود.

هذا النظام يتّسم بالتآكل. وهذا يشمل مجمل الكيانات الجمعية، أي منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل والمنظمات الشعبية (والسلطة). كلّ هذه الكيانات باتت مستهلكة، ولم يعد لها تلك المكانة في مجتمعات الفلسطينيين. كما أنها فقدت الدور الكفاحي الذي كانت أخذته على عاتقها قبل التحول من حركة تحرر إلى سلطة، وبخاصة مع إخفاق الخيارات السياسية أو النضالية التي كانت انتهجتها أو ادّعتها.

ولا تتوقف إشكالية النظام السياسي الفلسطيني على التقادم والتآكل، فهذا النظام يتّسم بالعطل والجمود. وتبدو الطبقة السياسية السائدة «محافظة» جداً من الناحية السياسية، وقد استمرأت العيش على الواقع. كما أن هذه الطبقة لم تفكّر قط بتغيير خياراتها، على رغم إقرارها بإفشال إسرائيل لخيار أوسلو على سبيل المثال.

هذه الخيارات لم تتغير على رغم قرارات المجلس المركزي التي نصّت على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والمضي في إجراءات المقاطعة الاقتصادية لها، ووقف المفاوضات معها، وبذل الجهود لعزلها ومحاكمتها دولياً.

كما يتمثل عطل النظام في احتكار القرار السياسي، والحد من آليات المشاركة، وتقييد ديناميات تطوير النظام الفلسطيني. وعلى هذا النحو، لم يعد لدى الطبقة القيادية، على شيخوختها، ما تقدمه أو تضيفه. وباتت هذه الطبقة عقبة أمام تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، وعبئاً عليها. ولنا أن نتصور حجم الكارثة مع معرفتنا بحيوية المجتمع الفلسطيني، وارتفاع نسبة التحصيل العلمي عنده، والتجربة الكفاحية المختزنة لديه منذ عقود.

السؤال هنا يدور حول شرعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، علماً بأن آخر انعقاد للمجلس الوطني في دورة عادية يعود إلى عام ١٩٩٦، وعام ٢٠١٨، بفارق ٢٢ عاما بين الدورتين!

يذكر أن الاجتماع الأول حصل في الداخل الفلسطيني بعد قيام السلطة بثلاثة أعوام، استجابة للطلب الأمريكي بتعديل الميثاق الوطني. وتم ذلك بغالبية 504 أصوات ومعارضة 54 صوتاً فقط وامتناع 12 عن التصويت.

بيد أن القصة لم تنته هنا، إذ أُقِرّت التعديلات باجتماع هيئة غير معروفة ولا قانونية هي المؤتمر الشعبي الفلسطيني في غزة أواخر ١٩٩٨. واجتمع المؤتمر لهذا الغرض بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وبالتصويت برفع الأيدي.

هذا يفيد أيضاً أن اتفاق أوسلو (1993) لم يستمد شرعيته من الهيئة الشرعية للمنظمة (ولا من مؤتمر فتح، الذي عقد داخل فلسطين عام 2009) بعد ١٥ عاما على إقامة السلطة.

ومعلوم أن هذا الاتفاق المجحف والناقص اختزل قضية فلسطين بالأراضي المحتلة 67 وجزّأ شعب فلسطين، وحوّل حركته الوطنية إلى مجرد سلطة، تم تمريره من خلف الأطر الشرعية ذاتها.

فوق كلّ ذلك، فإنّ هذه الأوضاع تثير الأسئلة حول شرعية النظام الفلسطيني القائم على قاعدة المحاصصة مع فصائل لم يعد لها وجود من الناحية العملية. فنحن نتحدث الآن عن فصائل لم يعد لوجودها أي مبرر تاريخي أو نظري أو نضالي.

أضف إلى ذلك أن الطبقة السياسية التي تتحكّم بالمجلس الوطني وتهيمن على فتح ومنظمة التحرير تقوم بذلك منذ الستينات. كما أن معظم هؤلاء في الثمانينات والسبعينات من العمر.

ثمة ثلاثة استنتاجات هنا.

أولها، أن الكيانات الفلسطينية التي انطلقت في الستينات وصلت إلى نهايتها. وهذا ما تؤكده خطاباتها وبناها وأشكال عملها ووسائل كفاحها. كما أنّ الطين ازداد بلّة منذ التحول من حركة تحرر إلى سلطة في الضفة والقطاع، وهو ما يضعنا إزاء جسم آخر مختلف كلياً عن طبيعته الأولى.

ثاني الاستنتاجات يكمن في أن القيادة الفلسطينية غير معنية بالالتزام بمصالح شعبها بسبب موازين القوى المختلة لصالح إسرائيل، ولعدم تواجد المجتمع الفلسطيني في إطار إقليمي موحد، ولأن الطبقة السياسية الفلسطينية لا تعتمد في مكانتها ونفوذها على شعبها.

ثالث الاستنتاجات يتمثل في عدم تعلّق مشكلة الفلسطينيين بالمضي قدماً نحو هذا الخيار أو ذاك فقط، وإنما بحالة الترهل والتآكل التي تعاني منها بناهم. أضف إلى ذلك أن هذه البنى تفتقد الروح المؤسسية والنضالية وعلاقات الديمقراطية والتمثيل. كما أنها تفتقد تقاليد المساءلة والمحاسبة.

والواقع أنّ وجود بنى حية وعلاقات ديمقراطية وكوادر تمتلك الحد الأدنى من المسؤولية كان سيحد من إمكانية الخروج عن المسار الوطني. ويمكن القول إن تواجد هذه العوامل كان على الأقل من شأنه أن يساهم في تدارك مخاطر الخروج عن هذا المسار أو أقلّه حافظ على البيت الفلسطيني.

وعلى ذلك، فإن كل العوامل السابقة أدت بدنا لأن نكون أمام حركة وطنية فلسطينية أو نظام سياسي يعاني من حالة خمول أو أفول. ولا أحد يستطيع التكهن إلى أين سيذهب الفلسطينيون بعد ذلك أو لتلافي ذلك، في ظل خلافاتهم وانقساماتهم وترهّل كياناتهم السياسية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.