وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مسيرات الفلسطينيين السلمية تُقابل بلامبالاةٍ دولية

حذر تقريرٌ صدر عام 2015 عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بشأن تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني من أن قطاع غزة قد يصبح “غير قابلٍ للسكن” بحلول عام 2020 إذا ما استمرت الاتجاهات الاقتصادية الحالية. ويبدو أن مسيرة العودة الكبرى ما هي إلا بداية الصرخة الأخيرة للغزيين من أجل مساعدتهم قبل أن يصبحوا طي النسيان.

Palestine- Palestinian in Gaza
شبان فلسطينيون يمارسون رياضة الباركور حيث يتم نصب الخيام دعماً لحق العودة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من الحدود مع إسرائيل، شرق رفح في جنوب قطاع غزة. 10 أبريل 2018. Photo AFP

عادت المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مجدداً، حيث يتظاهر أحد الطرفين من أجل الحرية والاستقلال، بينما يفتح الطرف الآخر النار بشكلٍ عشوائي على المتظاهرين. وفي هذه المرة، تمتلك الإحتجاجات المكونات اللازمة لتغيير قواعد اللعبة، ولكن يبدو أن المجتمع الدولي غير مكترث، سواء فيما يتعلق بتدهور الأوضاع على أرض الواقع أو حتى ببرميل البارود القابل للإنفجار في أي لحظة، ألا وهو قطاع غزة.

ففي 30 مارس 2018، أطلق الفلسطينيون “مسيرة العودة الكبرى.” وقد شهد هذا اليوم بداية ستة أسابيع من الاحتجاجات المخطط لها والتي يأمل سكان غزة الاستمرار بها حتى منتصف مايو، للدعوة إلى رفع الحصار المفروض منذ عقدٍ من الزمان والذي تفرضه إسرائيل على القطاع، فضلاً عن تنفيذ حق الفلسطينيين في العودة.

لمَ 30 مارس؟

كما شرح سام بحور وفدى جريس في مقالٍ للرأي نُشر في صحيفة هآرتس، “في كل عامٍ منذ عام 1976، يُحيي الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم في 30 مارس ذكرى يوم الأرض. وعلى الرغم من أنه قد يبدو احتفالاً بيئياً، إلا أن يوم الأرض يُمثل يوماً دموياً في إسرائيل عندما قتلت قوات الأمن ستة فلسطينيين احتجوا على مصادرة إسرائيل للأراضي المملوكة للعرب في شمال البلاد لبناء مستوطنات يهودية فقط… واليوم، مع عدم وجود حلٍ يلوح في الأفق للظلم التاريخي الذي لحق بهم، يستخدم الفلسطينيون في إسرائيل وفي أماكن أخرى هذا اليوم للتذكر ومضاعفة جهودهم من أجل التحرر.”

رد فعل العالم

كان رد الفعل الإسرائيلي جريئاً وعلنياً، إذ أعلنوا أنهم قرروا استخدام القوة. ففي تقريرٍ صدر في أبريل 2018 بعنوان “إذا القلب لم يكن أصمّاً: عن إطلاق النار المخالف للقانون على المتظاهرين العزّل في قطاع غزة،” الصادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسليم)، وهي منظمة إسرائيلية مستقلة غير ربحية هدفها توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، أكد بتسليم إنه “منذ ابتدأت موجة التظاهر عند الشريط الحدوديّ في قطاع غزة قتل الجيش 32 فلسطينيًّا في قطاع غزة بينهم 26 متظاهراً. إضافة إليهم فقد جُرح أكثر من ألف فلسطينيّ جرّاء إطلاق الرّصاص الحيّ.” ويذكر التقرير السياسة العسكرية الإسرائيلية الرسمية تجاه المتظاهرين بالإضافة إلى إدراج شهادات شهود عيانٍ فلسطينيين حول التصرفات الإسرائيلية في غزة. وكلاهما مرعبٌ ويشيران إلى أيام أكثر صعوبة في المستقبل.

أما على الجانب الفلسطيني، فقد أصدر العديد من المسؤولين تصريحاتٍ نموذجية مألوفة، فضلاً عن الإدانات، والدعوات للأمم المتحدة للتدخل، وما شابه ذلك. إلا أنه لم يكن هناك أي شعورٍ حقيقي بأن أياً من القيادة يدعمون أي عصيانٍ مدني على الأرض.

ومن جهته، عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن قلقه العميق إزاء الأحداث الجارية في غزة ودعا إلى إجراء تحقيقٍ مستقل في العنف. وأوضح الأمين العام “أن هذه المأساة تؤكد على الحاجة الملحة لإحياء عملية السلام التي تهدف إلى تهيئة الظروف للعودة إلى مفاوضات هادفة من أجل التوصل إلى حل يسمح للفلسطينيين والإسرائيليين بالعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمان.” وبعد ذلك، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً في نيويورك، بيد أنه فشل في تبني أي بيانٍ ذو معنى بسبب المعارضة الشديدة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.

كما حذت المفوضة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، حذو غوتيريس من خلال الدعوة إلى “تحقيقٍ مستقلٍ وشفاف في استخدام القوة غير المتناسبة من قبل الجيش الإسرائيلي خلال المظاهرات الجارية على الحدود بين غزة وإسرائيل.” وفي بيانها الرسمي، أضافت موغيريني “التجمع وحرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان ويجب أن يحترم”. كما حثت فرنسا إسرائيل على التحلي بضبط النفس وذكّرت حكومة نتنياهو بـ”واجبها في حماية المدنيين” واحترام “حق الفلسطينيين في التظاهر السلمي.” كما تردد الصوت الأخلاقي للفاتيكان من خلال دعوة البابا فرنسيس في عظته بمناسبة عيد الفصح “إلى المصالحة في الأراضي المقدسة” مضيفاً “نلتمس ثمار المصالحة من أجل الأراضي المقدسة التي تعاني هذه الأيام أيضاً من جراح الصراع الراهن الذي لا يرحم العُزَّل”.

بينما كان البيت الأبيض، والكونغرس بأجمعه، داعماً لإسرائيل، في حين هاجم جيسون جرينبلات المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، حماس.

فقد غرّد على تويتر بقوله “حماس تشجع مسيرة معادية على الحدود بين إسرائيل وغزة، ويجب على حماس التركيز على التحسينات المطلوبة بشدة على حياة الفلسطينيين في غزة بدلاً من التحريض على العنف ضد إسرائيل والذي يزيد من المشقة ويقوض فرص السلام.”

ولكن في 12 أبريل 2018، ظهر صوت مفاجىء وغير متوقع، عندما أصدر العديد من أعضاء الكونغرس بياناً حول الاحتجاجات في غزة. وحثوا المحتجين على مواصلة حقهم في التجمع السلمي بينما ناشدوا الجيش الاسرائيلي ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في استخدام القوة المميتة والامتثال الكامل للقانون الدولي.

وأشار أعضاء الكونغرس أيضاً إلى “أنهم يشعرون بالانزعاج الشديد من الخسائر الفادحة في الأرواح على مدى الأسبوعين الماضيين من الاحتجاجات التي جرت داخل أراضي غزة، حيث قتل أكثر من 12 فلسطينياً بنيران القناصة – بما في ذلك مراهق غير مسلح ومصور صحفي محترم – والعديد من المئات من الإصابات بالذخيرة الحية.” كما رفض الممثلون بشدة “الإدعاءات الخطيرة” التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في 8 أبريل بأنه “لا يوجد أبرياء في قطاع غزة.”

المزيد من المأساة؟

حذر تقريرٌ صدر عام 2015 عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بشأن تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني من أن قطاع غزة قد يصبح “غير قابلٍ للسكن” بحلول عام 2020 إذا ما استمرت الاتجاهات الاقتصادية الحالية. ويبدو أن مسيرة العودة الكبرى ما هي إلا بداية الصرخة الأخيرة للغزيين من أجل مساعدتهم قبل أن يصبحوا طي النسيان.

وفي الأسابيع المقبلة، المؤدية إلى 15 مايو، وهو اليوم الذي يشهد إحياء إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 وسلب الأراضي الفلسطينية، والمعروفة أيضاً بالنكبة، تدل المؤشرات على أن الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذلك أولئك المقيمون داخل إسرائيل، قد ينضمون إلى “مسيرة العودة الكبرى.” وهذا من شأنه أن يخلق قوى محرّكة مختلفة جداً، ستشكل تحدياً لإسرائيل والمجتمع المقصود.