وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا تقدم للسلام بعد في ليبيا

Libya- Fayez al-sarraj and Haftar in UAE
رئيس الوزراء الليبي فايز السراج وخليفة حفتر أثناء اجتماعهما لمناقشة حلٍ ممكن للصراع في ليبيا، في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، 2 مايو 2017. Photo AP

اجتمع رئيس الوزراء الليبي، فايز السراج، مع الجنرال خليفة حفتر في 2 مايو2017، وهي أول محادثاتٍ مباشرة بين الخصوم منذ أكثر من عامٍ لإنهاء الحرب الأهلية الليبية المستمرة منذ ست سنوات.

فقد كان من المتوقع أن يجتمع سراج، رئيس الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في ليبيا، وحفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في فبراير 2017 في القاهرة. لكن حفتر رفض ذلك، مما أغضب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وعلى صعيدٍ متصل، قام سراج وحفتر مؤخراً بزياراتٍ منفصلة لموسكو، مستمعين لمقترحات المسؤولين الروس حول السلام. كما أجرى الجانبان أيضاً جولات في عواصم أخرى، مثل الجزائر وعمّان، للنظر في خطط سلامٍ أخرى، منها على سبيل المثال آخر خطةٍ توسطت فيها الجزائر وتونس ومصر.

وهذه المرة، التقى سراج وحفتر في أبو ظبي، الداعم الرئيسي لكلٍ من حفتر والسيسي. ووفقاً للتقارير، اتفق الرجلان على اصلاح المجلس الرئاسي، وهى خطة تتضمن حفتر فضلاً عن ممثلٍ عن حكومة شرق ليبيا. كما تم التطرق إلى قضية إجراء الانتخابات في عام 2018. ومن السابق لأوانه أن نستنتج ما إذا كان الاجتماع يُمثل انفراجاً في الصراع الذي مزق ليبيا أم لا. فقد لا يستطيع السراج، المبعوث السياسي الذي يحاول توحيد البلاد، تحقيق ذلك دون دعم حفتر، القائد العسكري الأقوى في ليبيا.

وقال يوسف شريف، وهو محلل سياسي يعيش في تونس، أن طريق السلام المسدود في ليبيا ضحية للاضطرابات السياسية الدولية. إن وسطاء السلطة التقليديون في ليبيا هم المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا. فالبريطانيون، الذين يصارعون مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قابعون في نمط العزلة. بينما يترنح الايطاليون في سلسلةٍ من الأزمات السياسية، فضلاً عن تقلّد رئيس وزرائهم منصبه منذ ستة أشهرٍ فحسب. كما أنّ الرئيس الفرنسي تسلم سلطاته منذ فترةٍ أقل، في أعقاب أحد أهم الانتخابات التي شهدتها البلاد. كما أن اللاعب الرئيسي الآخر، الولايات المتحدة، تبدو في الغالب مهتمة بشؤونها الداخلية فحسب. فعلى سبيل المثال، حين طلب رئيس الوزراء الايطالي من دونالد ترامب الانخراط في الشأن الليبي، أجاب ترامب “لا أرى دوراً فى ليبيا.”

إن تعبير ترامب الصريح بعدم الاهتمام لا يمكن سوى أن يُضعف مهمة الأمم المتحدة في ليبيا. في واقع الأمر، إن ولاية مارتن كوبلر، الذي عيّن في أواخر عام 2015 رئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على وشك الانتهاء. ولم تُعيّن الأمم المتحدة بعد خليفةً لكوبلر. ينبع هذا التأخير من سلوك الولايات المتحدة البطيء والخلاف المتنامي مع روسيا، على حد سواء. فروسيا، التي باتت تلعب دوراً متنامياً في الأشهر الأخيرة، قد ترغب في أن تصبح وسيطاً للسلطة مع انسحاب جميع هذه البلدان.

كما يتعين على ليبيا التصدي لصراعٍ دولي آخر – الصراع بين دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤيدوا حفتر، وقطر وتركيا، مؤيدوا الإسلاميين في ليبيا والقوات من مدينة مصراتة، وإلى حدٍ ما، حكومة سراج. وقد وردت تقاريرٌ عن تصعيدٍ عسكري على عدة جبهات في جميع أنحاء ليبيا. ففي طرابلس، العاصمة، طبول الحرب تقرع منذ أسابيع الآن، ومن المرجح أنها انعكاسٌ للتقارب بين سراج وحفتر.

كما أن جنوب ليبيا، الذي كان يتمتع بهدوء نسبي حتى الآن، على وشك أن يصبح ساحةً معركة جديدة مُفضلة للفصائل المتحاربة في البلاد. فقد اشتدت حدة الاشتباكات بين الميليشيات التابعة لحفتر وأخرى قريبة من الإسلاميين في طرابلس وحكم الأقلية في مصراتة منذ مارس، مما يزيد نزيف ليبيا وانقساماتها.

بدأ التصعيد عندما قصفت طائرة مقاتلة تابعة لحفتر مقر القوة الثالثة، وهو مطارٌ تسيطر عليه قوات تابعة للمجلس العسكري في مصراتة بالقرب من سبها، عاصمة الجنوب. أدى ذلك إلى أعمال انتقامية وتعبئة قوات من كلا الجانبين في سبها والمدن الرئيسية الأخرى في الجنوب. وبسرعةٍ كبيرة، أعلنت قوات التحالف مع الإسلاميين في طرابلس- في الواقع تلك المتحالفة مع حكومة حافظ الغويل التي عينت نفسها من تلقاء نفسها – عن تضامنها مع القوة الثالثة وأرسلت قواتها.

دفعت هذه الأحداث أكبر قليبتين في المنطقة، التبو وأولاد سليمان، على استئناف القتال. ومن الطبيعي أن تقف قبيلة التابو، الذين كانوا في السابق يتبعون لنظام الزعيم الليبي المخلوع، معمر القذافي، في صف حفتر. ومن الطبيعي أن ينضم أولاد سليمان إلى القوات المناهضة لحفتر. ففي المواجهات الأخيرة التي جمعت بين الطرفين، في عام 2015، قتل حوالي 400 شخص.

إن تجدد العنف لن يؤدي سوى إلى تعميق الخسائر البشرية والاقتصادية في ليبيا. وعلاوةً على ذلك، يعتبر الجزء الجنوبي من ليبيا أسهل الأماكن لعبور الجماعات المتطرفة. وفي حال زعزعة استقرار المنطقة، قد تستغل الجماعات المتطرفة الفراغ للاستيلاء على السلطة. وينطبق الشيء نفسه على العصابات الإجرامية والمتاجرين بالبشر.

ومنذ منتصف القرن العشرين، كانت منطقة جنوب ليبيا، التي تدعى فزان، منطقة نفوذ فرنسية. كما يحتفظ الأمريكيون والأوروبيون والقوى الإقليمية الأخرى بعلاقاتٍ قوية في المنطقة. فالمنطقة الصحراوية النائية في ليبيا هي موطن إلى ممر سلفادور؛ أشهر الممرات سيئة السمعة للإتجار بالمخدرات في العالم. كما يحتفظ الفرنسيون والأمريكيون بقواعد عسكرية في فزان وحولها، سيما في النيجر وتشاد. كما تقوم ألمانيا ببناء قاعدةٍ عسكرية فى النيجر بالقرب من الحدود الليبية.

كما أن الجزائريون حذرون أيضاً من التطورات في فزان. فقد شنت قواتها عدة عمليات اقتحامٍ في الأراضي الليبية مؤخراً، لمطاردة الجماعات المتطرفة. فالجزائريون يشعرون بالقلق من وصول الحرب إلى داخل بلادهم، التي تعاني من وضعٍ هش بسبب الضغوط الاقتصادية وإغراء التطرف بين شبابها، فضلاً عن تصلب نظامها السياسي. كما أن المزيد من التصعيد في الجنوب يعني أن جميع مناطق ليبيا الثلاث – الشرق والغرب والجنوب – ستصبح في حالة حرب. وبدوره، سيشجع هذا أولئك الذين يسعون إلى تقسيم البلاد لمناطق ثلاث، ويعمق الأزمته فحسب.