وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحسابات السياسية للتنبؤ بنهاية إغلاق مطار السليمانية

Specials- Erdogan and Salih
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) والرئيس العراقي برهم صالح (يسار) يتصافحان خلال مؤتمرٍ صحفي مشترك أقيم في المجمع الرئاسي في أنقرة، في 3 يناير 2019. Photo AFP

هل سيتم إعادة فتح مطار السليمانية، في إقليم كردستان العراق، في وقتٍ لاحق من شهر يناير الجاري؟ بدأ تداول الشائعات. سيكون هذا القرار المحتمل نتيجةً للاجتماع الذي عُقد في 3 يناير 2019 بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره العراقي والكردي الجديد، برهم صالح. ومن المحتمل أن يُنهي ذلك الحصار الجوي الذي تفرضه تركيا على المدينة منذ خمسة عشر شهراً، وإحياء الاقتصاد المتضرر في منطقة السليمانية.

وبحسب هفال أبو بكر، محافظ السليمانية، وصلت الأضرار التي لحقت بالمطار لوحده إلى 20 ألف دولارٍ في اليوم. وأضاف “هذا بالطبع ليس الضرر الاقتصادي الوحيد الذي تعاني منه المدينة والمنطقة بسبب إغلاق المطار. فالأسعار ارتفعت على المستهلكين، فضلاً عن انخفاض معدلات السياحة.”

ففي ديسمبر 2018، تم الإعلان عن تمديد الإغلاق لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى، تنتهي في مارس 2019. وفي هذا الصدد، صرّح أبو بكر، “الإغلاق غير قانوني بالمجمل، فلا يجب أن يسمح لأي بلد بإغلاق مطارٍ في بلدٍ آخر.”

يعود تاريخ إغلاق مطار السليمانية الدولي إلى أكتوبر 2017، عندما فرضت السلطات في بغداد حظراً دولياً على الرحلات الجوية على كلا المطارين الدوليين في إقليم كردستان، مطاري أربيل والسليمانية. تم رفع هذا الحظر في مارس 2018، إلا أن هذا لم يعني إنتهاء الأوقات العصيبة لمطار السليمانية: فقد قررت تركيا بعد ذلك إغلاق مجالها الجوي في وجه رحلات الطيران من وإلى المدينة. وبما أن الرحلات الجوية الدولية يجب أن تعبر المجال الجوي التركي للوصول إلى المطار، ففي واقع الأمر، يمنع هذا القرار غالبية الرحلات الجوية الدولية من الإقلاع والهبوط هناك. وحالياً، لا يُسمح سوى لرحلاتٍ جوية محددة من وجهاتٍ شرق أوسيطة، مثل بغداد وبيروت ودبي، بالإقلاع والهبوط في المطار.

أسباب إغلاق المطار سياسية بحتة: إذ ترتبط بشكلٍ مباشر بالحركة المسلحة الكردية، حزب العمال الكردستاني، الذي يمتلك قواعد في الجبال الواقعة في إقليم كردستان في العراق. ومن الجدير بالذكر أن منطقة السليمانية، بما في ذلك مدن مثل حلبجة ورانية وجمجمال، يحكمها الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تعتبرته تركياً حليفاً مقرباً جداً من حزب العمال الكردستاني. بينما أن الجزء الشمالي من إقليم كردستان، بما في ذلك مدن مثل دهوك وزاخو، والعاصمة أربيل، يحكمها الحزب الديمقراطي الكردستاني، إذ تتمتع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعلاقاتٍ ودية مع تركيا أكثر من الاتحاد الوطني الكردستاني ويُمّكن الأول تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني. فعلى سبيل المثال، تمتلك تركيا عدداً متزايداً من القواعد العسكرية في المناطق الخاضعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وبالكاد تخرج أي احتجاجاتٍ، أو لا تحدث على الإطلاق، عندما تنفذ طائرات إف 16 التركية غاراتها على أراضيها، حتى وإن أدت في بعض الأحيان إلى خسائر في صفوف المدنيين.

ومن خلال إغلاق مجالها الجوي في وجه الرحلات الجوية المتوجهة من وإلى مطار السليمانية، تحاول تركيا الضغط على الاتحاد الوطني الكردستاني لقمع حزب العمال الكردستاني بشكلٍ أكبر في مناطق التي يحكمها داخل المنطقة. ومع ذلك، فإن تعريف تركيا لـ”حزب العمال الكردستاني” و”الإرهاب” واسع النطاق، إذ لا تعني تركيا فقط الحركة المسلحة، التي لا يملك الاتحاد الوطني الكردستاني أي سيطرة عسكرية عليها، بل أيضاً المجتمع المدني والمنظمات الإعلامية المرتبطة بالحركة الكردية الأوسع. فهم يمتلكون مساحة عملٍ أكبر في السليمانية من تلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني. فقد كانت حركة الحرية، إحدى المنظمات التي استهدفت الشهر الماضي. وعلى الرغم من أن الحزب ملتزمٌ بإيديولوجية عبد الله أوجلان، الذي أسس حزب العمال الكردستاني في تركيا عام 1978، إلا أن حركة الحرية غير مسلحة وتعمل في الغالب على حقوق المرأة وتمكين الشباب وإرساء الديمقراطية. ولكن قبل عدة أسابيع مضت، أي في نوفمبر 2018، تم إغلاق مكاتب الحركة في ست مدنٍ مختلفة في منطقة السليمانية.

وأثناء لقائنا في فَنَك مع نائبة الحركة والمتحدثة بإسمها، تارا حسين، في حديقة مكتب حركة الحرية، شاهدنا البوابة التي تؤدي إلى الشارع، المُغلقة وفقاً لتارا، منذ وصول رجال الأمن إلى المبنى وإغلاقه في نوفمبر الماضي. فقد توافد حوالي مائتي عضو من أعضاء الحركة والمتعاطفين معها إلى المبنى عندما قامت الشرطة بزيارةٍ مفاجئة، حيث رفض الرجال والنساء البالغ عددهم المائتين تقريباً مغادرة المكان، وبحسب تارا: “أمرونا بمغادرة المكتب وأزالوا علمنا واللوحة في الخارج. لا يمكنك إغلاق مكتب لمنظمة قانونية على هذا النحو، يجب أن يتم ذلك عن طريق المحكمة. كل ما يمكنهم فعله هو إغلاق البوابة الأمامية. لذا، ندخل المبنى عبر المدخل الجانبي.”

لم تنزعج حركة الحرية من الضغوط السياسية، بشكلٍ خاص، على الأقل ليس عميلاً، إذ تقول تارا: “نحن لسنا بحاجة إلى مكتبٍ للعمل. نحن نعمل بشكلٍ مباشر مع الناس، إذ نقوم بزياراتٍ منزلية، ونعمل على تثقيف الناس، وإظهار التضامن عند الحاجة.” فعلى سبيل المثال، ذهب وفدٌ من حركة الحرية إلى جمجمال الأسبوع الماضي، في زيارةٍ تضامنية قاموا خلالها بزيارة قبور امرأة و ثلاثة أطفال ماتوا بسبب العنف المنزلي.

وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، قامت قوات الأمن بتفريق مظاهرةٍ مناهضة، في مدينة السليمانية، للحبس الانفرادي لأوجلان، حيث اعتُقل عشرات الأشخاص. تم نظيم الاحتجاج من قِبل شبانٍ ومجموعة نسائية مُستلهمة من أوجلان – التي تعتبر “منظماتٍ إرهابية” في المراجع المتعلقة بالإرهاب في تركيا. كان برهم لطيف أحد الأشخاص المحتجزين، رغم أنه جاء كصحفي في قناة روج نيوز، وليس كمتظاهر. وفي مقابلةٍ في مكتب روج نيوز، قال: “إن الضغط الممارس على هذه الحركات ليس بالأمر الجديد، ولكن في ضوء استمرار إغلاق المطار، فإن الضغط يتزايد.”

ولكن على ما يبدو، لم يُقدم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني – الذي يمتلك بعض السلطة في السليمانية، حيث أن العاصمة أربيل تستطيع تنفيذ الأوامر التي تتمتع بالصلاحية في المنطقة بأكملها – ما يكفي لمواجهة “الإرهاب،” ففي 24 ديسمبر 2018، قررت تركيا تمديد الحظر لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى.

ويأمل المحافظ أبو بكر في أن يؤدي الاجتماع الدبلوماسي بين أردوغان وصالح إلى النتائج المرجوة. فصالح كردي وتم ترشيحه للرئاسة العراقية من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ قال أبو بكر: “من المحزن أن تعبر الطائرات العسكرية التركية حدودنا لقصف كردستان والقرى الكردية، بينما لا تستطيع الطائرات مغادرة مطارنا. ومع ذلك، أنا لا أشعر بالغضب، فالغضب لن يُفيدنا. العاطفة ما تجعل تركيا تتصرف على هذا النحو. كل ما نريده هو علاقاتٍ جيدة مع جيراننا.”

وفي إشارةٍ إلى الحرب الدائرة بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، التي أشار إليها على أنها سبب المشاكل التي تعاني منها مدينته والمنطقة، قال: “نأمل أن تؤدي المفاوضات السلمية إلى الاستقرار.” وأضاف، أما فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية الأليمة، تجد السليمانية نفسها اليوم معلقةً في خضم هذه التوترات: “نعتقد أن العلاقات السياسية الجيدة مبنية على روابط اقتصادية جيدة، وليس العكس.”

من جهته، لا يعتقد سياسيٌ من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن اجتماع صالح وأردوغان سيغير أي شيء بالنسبة لمنطقة السليمانية واقتصادها. كما يعتقد أن المطار سيفتح مرةً أخرى قبل انتهاء فترة الثلاثة أشهر في أواخر مارس، على الرغم من أنه يعتقد أن هذا سيحدث لأسباب تهكمية، إذ قال: “أنا أعتمد على شهر فبراير، عندما من المفترض أن يتم تشكيل حكومةٍ جديدة، حيث سيتم تنصيب رئيس وزراء جديد لإقليم كردستان، مسرور بارزاني. وبعدها، ستتم دعوته إلى تركيا، وسيتم فتح المطار مرةً أخرى. وبهذه الطريقة، يريد الحزب الديموقراطي الكردستاني أن يظهر نفسه كبطل لشعب السليمانية، وهي أيضاً وسيلة لتحصل تركيا على المزيد من النفوذ في هذه المنطقة. في النهاية، هذه هي القصة برمتها.”