وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السياسة الاسرائيلية تتحول إلى اليمين

السياسة تتحول اليمين activists Tel Aviv March 2016
نشطاء يمينيين إسرائيليين خلال مظاهرة في تل أبيب،31 مارس 2016 لدعم الجندي الذي تم تصويره يطلق النار على مهاجم فلسطيني في الضفة الغربية Photo Sebastian Scheiner/ AP.

طوال العقد الماضي، كان المجتمع الاسرائيلي يتحول ببطء، ولكن بتعنت، إلى اليمين. فمنذ الانتخابات الأخيرة في مارس 2015، تسارع هذا الاتجاه البطيء بشكلٍ كبير، وبخاصة في أروقة الائتلاف الحاكم. فمعظم المناصب الرئيسية في الوزارات الاسرائيلية، بما في ذلك العدل والثقافة والتعليم والدفاع، يشغلها سياسون من اليمين المتطرف أو القوميين المتشددين. فقد بات المجتمع الاسرائيلي بشكلٍ عام أقل تسامحاً مع الأقليات، وأقل ديمقراطية، وأقل احتراماً للحقوق المدنية، وأقل انفتاحاً على الحوار؛ و بات معسكر السلام ضعيفاً.

جاء أحدث الأدلة على هذا الاتجاه في مايو 2016، عندما استقال وزير الدفاع موشيه يعالون، مشيراً إلى “انعدام الثقة” برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد جاءت استقالته بعد أن سعى نتنياهو إلى تعزيز أغلبية مقعده الوحيد في الكنيست، البرلمان الاسرائيلي، مقابل ضم المتشدد افيغدور ليبرمان الى الائتلاف. ومع تعيين ليبرمان، وهو شخصية مثيرة للخلاف دون أي خلفية أمنية مهمة، وزيراً للدفاع، ينقل نتنياهو ائتلافه من ائتلاف محافظ يتجنب المخاطر إلى يميني متطرف. ففي مارس 2014، حث ليبرمان إسرائيل على استعادة السيطرة على قطاع غزة وقصف سد أسوان في مصر، كما وصف أعضاء الكنيست العرب بالخونة. فقد تمثلت إحدى شروطه للعودة إلى الحكومة، التي استقال منها في عام 2012 بعد التحقيق معه بتهم خيانة الأمانة، بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام “للإرهابيين العرب” بحيث لا تنطبق ذات العقوبة على اليهود المدانين بنفس الجريمة.

ولكن حتى قبل تعيين ليبرمان، أصبح جدول الأعمال اليميني في الحكومة واضحاً بشكلٍ متزايد. ففي يناير 2016، قامت وزيرة العدل ايليت شاكيد، وهي عضو في الحزب القومي المتطرف- البيت اليهودي، بتقديم مشروع قانون المنظمات غير الحكومية والذي تطلب بموجبه من المنظمات غير الحكومية التي تتلقي أكثر من 50% من تمويلها من الخارج بتقديم تفاصيل علنية عن الأموال التي تتلقاها. وعلى الرغم من أن شاكيد ومؤيدي مشروع القانون يدعون أنه معدّ لزيادة الشفافية، إلا أن مشروع القانون يستهدف في الواقع المنظمات اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان، ذلك أن اليمين وجماعات المستوطنين غالباً ما يتم تمويلهم من قبِل الأفراد. وبالمثل، أعربت شاكيد عن رغبتها في تعزيز وجود المزيد من القضاة المحافظين في المحكمة العُليا في المستقبل.

وأيضاً في يناير من العام الجاري، قدمت وزيرة الثقافة ميري ريغيف، العميد السابق في جيش الدفاع الاسرائيلي والمتحدثة الرسمية للجيش خلال الانسحاب من غزة، مشروع قانونٍ للكنيست، باسم قانون الولاء، والذي يقترح سحب التمويل الحكومي للأنشطة الثقافية التي تعتبرها “غير وطنية.” وهذه هي المرة الأولى التي يُقيّد مشروع قانون ربط المحتوى الفني بتلقي التمويل، وفي حال تطبيقه، سيضر بشكل أكبر المسارح المهمشة والمؤسسات الثقافية ذات التوجهات اليسارية.

وبعد فترة وجيزة، قدّم نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي ووزير التعليم الحالي، كتاب تربية مدنية جديد للمرحلة الثانوية الذي تعرض لانتقادات لتعزيزه النظرة الصهيونية وتجاهل دور الأقلية العربية. كما منع إدراج رواية “Borderlife” من منهج القراءة في التعليم الثانوي، وهي قصة حب بين اسرائيلية وفلسطيني. ومن المفارقات، أن مبيعات الكتاب ارتفعت بشكل كبير بعد الحظر، والذي يعدّ مثالاً آخر على محاولة التعرض لوجهات النظر البديلة في المدارس الثانوية.

وأخيراً، فقد تولى نتيناهو بنفسه مسؤوليات وزير الاتصالات، مما منحه قوة كبيرة في تشكيل المشهد الإعلامي في البلاد. فقد باتت القنوات التلفزيونية تخشى إنتاج برامج تنتقد رئيس الوزراء، نظراً لتمتعه بسلطة فرض سياسات التراخيص في المستقبل. كما اتهم نتنياهو بإعلانه الحرب على الحياة الفكرية في البلاد بعد أن تدخل في “جائزة إسرائيل” المرموقة، حيث أقصى ثلاثة من أعضاء لجنة التحكيم لمعارضته سياساته.

وعلى صعيدٍ آخر، فقد تعرضت منظمات مثل كسر الصمت، التي تم إنشاؤها لجمع شهادات الجنود حول أهوال خدمتهم العسكرية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية، للتهديد بصمت. كما نزعت الحكومة شرعية منظمة كسر الصمت ومُنعت من إقامة فعالياتٍ في المدارس أو المؤسسات الوطنية مثل الجيش الاسرائيلي، الأمر الذي اعتبرته بعض الشرائح في المجتمع “تكميماً” للرأي. ومع ذلك، فإن غالبية الجمهور يحركهم الغضب والإحباط والخوف والفزع من الأحداث الجارية، مثل الثورات العربية وعنف الدولة الإسلامية، من أن يدُّق بابهم. أما السياسيون فيعيدون التأقلم مع الوضع الجديد وحتى أن الأحزاب الوسطية التي تتبع قيادة الحكومة، لا تريد أن تبدو بمظهر “غير الوطنية” في ظل المناخ الحالي. فضلاً عن ذلك، فقد أدلى اسحق هرتسوغ (الاتحاد الصهيوني) بتصريحاتٍ متزايدة تميل إلى اليمين، معلناً في مؤتمر العمل، على سبيل المثال، أن حل الدولتين ليس خياراً واقعياً.

مع عدم وجود تحدٍ حقيقي لسُلطته، يبدو أن منصب نتنياهو في مأمن. ومع وجود القادة الحاليين في مناصبهم، فمن المتوقع أن يتم تعيين المزيد من القضاة المتحفظين في المحكمة العليا، والمزيد من الصهاينة المتدينين لشغل مناصب حكومية وأكاديمية رئيسية. وبالتالي، فإن بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وفرض المزيد من القيود على الأصوات اليسارية، وزيادة التوترات مع الإسرائليين العرب، بات بالتأكيد مجرد مسألة وقت لا أكثر.

user placeholder
written by
Ahmad Kamal
المزيد Ahmad Kamal articles