وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جدران الفصل: تنامي شعبية الجدران الحدودية

international Affairs- Border Barriers

“بناء الجدار،” كان هذا واحداً من الوعود الانتخابية الرئيسية لدونالد ترامب وشعاراً بات يُعرف اليوم في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، وفي حين سلط هذا الأضواء العالمية على الحدود الأمريكية المكسيكية، إلا أنّ الحواجز الحدودية لم تكن بأي حالٍ من الأحوال مجرد هاجسٍ أمريكي.

فمنذ سقوط جدار برلين والستار الحديدي في عام 1989، احتل “جدار الفصل” الذي بنته إسرائيل على طول حدودها المتنازع عليها مع الضفة الغربية مكانةً لا تبعث السرور في النفس لكونه الجدار الأسوء سمعةً في العالم، بل كان بمثابة مصدر إلهامٍ لترامب.

واستشهد ترامب بـ”جدار” إسرائيل كنموذجٍ للحدود الملموسة التي يأمل في إقامتها على طول الحدود مع المكسيك. فقد بدأ بناء جدار الفصل الاسرائيلي فى عام 2002 خلال الانتفاضة الثانية عندما كان الفلسطينيون يستهدفون المدن الاسرائيلية. وقد وصِف باعتباره تدبيراً أمنياً، وكان أرييل شارون، رئيس الوزراء آنذاك، حريصاً على ألا ينظر إليه باعتباره حدوداً لإسرائيل؛ إذ كانت رؤيته لأرض إسرائيل الشرعية أكثر اتساعاً بكثير.

International Affairs-separation wall
فلسطينيون يستخدمون سلماً ليتسلقوا الجدار الإسرائيلي، شمال القدس. Photo Flickr

ومنذ ذلك الحين، قوّضت الأنفاق ثقة إسرائيل التي كانت تملكها يوماً ما بالجدران الحدودية. ففي حرب عام 2014 بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، دمر الجيش الاسرائيلي حوالي 32 نفقاً استخدمها المقاتلون الفلسطينيون لاختراق الدفاعات الإسرائيلية. وبعد انتهاء القتال، بدأت إسرائيل العمل على حاجزٍ تحت الأرض يبلغ طوله 60 كيلومتراً، لتنقل الجدار الحدودي إلى عوالم سُفلية. يكمّل هذا الحاجز الجديد الجدار الذي عزل غزة منذ إجلاء المستوطنين في عام 2005.

غير أن إسرائيل ليست أول بلدٍ استخدم مثل هذه التدابير. ففي عام 2010، استكملت مصر بناء جدارها الخاص الذي يبلغ طوله 11 كيلومتراً مع غزة والذي امتد لأمتار تحت الأرض في محاولة لإحباط تشييد أنفاق التهريب إلى غزة. ومع ذلك، في عام 2016، كان المصريون لا يزالون يكتشفون المزيد من الأنفاق؛ إذ يبدو أن جدارها أجبر المهربين على الحفر لأعماقٍ أكبر فحسب تحت الأرض.

الحماية ضد “الآخر” هو الموضوع المشترك لجميع جدران الحدود في الشرق الأوسط، إلا أن معظمها تتمتع بالتزامٍ أكثر حزماً بترسيم الحدود. وفي مايو 2017، أفادت صحيفة تركية أن أنقرة تخطط لبناء جدارٍ حدودي على طول جزءٍ، ولربما على طول كامل حدودها مع إيران، لتقييد حركة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. كما وعد الرئيس أردوغان ببناء حاجزٍ مماثل على طول الحدود العراقية، التي لطالما استخدمها مسلحو حزب العمال الكردستاني للتسلل إلى تركيا. وعلى طول الحدود الإيرانية، سيتم إغلاق 70 كلم بالقرب من مدينتي آغري – أيقدير بجدارٍ، في حين ستتم مراقبة ما تبقى بأبراج المراقبة وسياجٍ حديدي.

ولطالما اتهمت تركيا إيران بإيواء تابعين لحزب العمال الكردستاني وغض الطرف عن أنشطة الحزب ذاته، إذ تُعرف مدينة ماكو الحدودية الإيرانية من قبل السكان المحليين كمركزٍ لنشاط حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، أثيرت شكوكٌ حول إمكانية بناء حاجزٍ على طول الحدود التركية الإيرانية، نظراً للتضاريس الشاهقة والأراضي التي يتعذر الوصول إليها إلى حدٍ كبير. وعلى الرغم من كون الجدار الحدودي المناهض لحزب العمال الكردستاني أداة خطابية ملائمة للحكومة التركية، فإن الحدود الشرقية الجبلية تتناقض بشكلٍ صارخ مع السهول المسطحة التي يمر بها الجدار الحدودي التركي الآخر. وعلى أي حال، رحبت إيران بهذه الخطوة، حيث تأمل طهران أن يخفف الجدار من تهريب المشروبات الكحولية وغيرها من السلع، وهي تجارة غير مشروعة تقول طهران أنها تقدر بـ2 مليار دولار سنوياً.

من جهةٍ أخرى، كانت الحرب في سوريا أحد أهم محركات بناء الجدران في السنوات الأخيرة. فمع ازدياد تعقيد النزاع وزيادة أعداد الجماعات المسلحة، أصبح جيران سوريا ينظرون بصورةٍ متزايدة إلى الجدران الحدودية كوسيلةٍ لعزل أنفسهم من انتقال العدوى إلى بلدانهم.

ففي أوائل عام 2017، أعلنت تركيا الانتهاء من بناء نصف الجدار المخطط له بطول 511 كيلومتر على طول ما يقرب من الـ900 كيلومتر على الحدود مع سوريا. ظاهرياً، بُني الجدار، المصنوع من كتلٍ خرسانية مغطاة بأسلاك شائكة، لوقف حركة مقاتلي حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية عبر الحدود، ويمكن إزالته في حال تحسن الوضع الأمني.

ومع ذلك، أعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها من أن يعلق المدنيون السوريون الفارون من الحرب على الجانب السوري من الحدود. ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، شارك حرس الحدود الأتراك في ضرب وإطلاق النار على المدنيين الذين يحاولون عبور الحدود. ومن المفارقات، أنه على الرغم من السبب المزعوم لبناء الجدار، اتُهمت الحكومة التركية في الماضي بالتواطؤ مع الجهاديين في سوريا.

وفي عام 2015، كشفت المملكة العربية السعودية أنها تعمل على بناء حوالي 1000 كيلومتر على شكل جدار وخنادق على طول حدودها مع العراق لمنع تسلل المقاتلين المسلحين، وعزل البلاد عن الاضطرابات التي تجتاح جيرانها. وتشمل المنطقة الحدودية خمس طبقات من الأسيجة المزودة بكاميراتٍ للرؤية الليلية، وكاميرات الرادار وأبراج المراقبة، التي هاجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعضها.

وعلى الرغم من أن خطط بناء الجدار بدأت في عام 2006، إلا أن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من الأراضي في العراق منح المشروع زخماً إضافياً. وفي محاولةٍ مماثلة، تقوم المملكة العربية السعودية أيضا ببناء جدارٍ يبلغ طوله 1800 كيلومتر على طول الحدود الجنوبية مع اليمن، حيث بدأ البناء هناك عام 2003.

أما في العراق، فتحمل الجدران الأكثر وضوحاً بصماتٍ أمريكية. فبعد الغزو الأمريكي عام 2003، ظهرت حواجز خرسانية في العاصمة بغداد، لتعزل المنطقة الخضراء التي يسكنها الأمريكيون. وفي السنوات اللاحقة، انتشرت هذه الجدران في جميع أنحاء المدينة، والتي عمدت إلى تعزيز الانقسامات العرقية الملموسة في محاولةٍ لإنهاء الحرب الأهلية المتنامية.

وعلى النقيض من ذلك، أدى الخوف من داعش إلى تحفيز هذه الموجة الأخيرة من بناء الحدود. ففي أوائل عام 2016، بدأ العراق العمل على خندقٍ وشبكة دفاع على امتداد 100 كلم من الطرق إلى بغداد، حيث لا يزال تهديد داعش بدخول المدينة يلوح في الأفق. كما أعرب الكثيرون عن أملهم في أن يحدّ نقل الدفاعات خارج المدينة من الازدحام الخانق الذي تسببه نقاط التفتيش الأمنية داخل بغداد.

كما سعى لبنان أيضاً إلى اعتماد الحدود المادية لوقف تمدد داعش. ويوجد في البلاد 12 تحصيناً تم بناؤها بمساعدة بريطانية على طول حدودها الشمالية الشرقية مع سوريا، وهي المنطقة التي اجتاحها مسلحون من تنظيم داعش في عام 2014. وقد سمحت هذه الدفاعات لقوات الأمن اللبنانية بمراقبة الحدود بشكلٍ فعالٍ للمرة الأولى تقريباً في تاريخ البلاد.

ولم يقتصر هذا الحماس لبناء الجدران على الحدود اللبنانية. ففي عام 2016، بدأت الحكومة في بناء جدارٍ خرساني حول مخيم عين الحلوة للاجئين، موطن 70 ألف لاجىء فلسطيني، والذي شهد لفترةٍ طويلة اشتباكاتٍ مسلحة بين مختلف الجماعات المسلحة. ومع ذلك، خلافاً لمعظم الحواجز المذكورة هنا، كان هذا الجدار في وسط البلاد وظاهراً للعيان، مما يعزز الاتهامات الفلسطينية للحكومة اللبنانية بالعنصرية. وبعد اشتعال غضبٍ جماهري، توقف بناء الجدار، الذي يشبه، إلى حدٍ كبير، جدار الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، في نوفمبر 2016.

ومع تدفق اللاجئين السوريين وبوجود حدود صحراوية طويلة يسهل اختراقها مع سوريا، أولى الأردن اهتماماً أكبر لحماية حدوده منذ عام 2011. ومع ذلك، بدأ الأردن برنامجه لبناء جداره الخاص في عام 2008، كجزءٍ من الجهود المبذولة لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل. ومنذ ذلك الحين، توسع المشروع البالغ تكلفته 20 مليون دولار لإقامة سلسلةٍ من أبراج المراقبة على امتداد 50 كلم من الحدود، إلى برنامجٍ لمنع تسلل مقاتلي داعش وتهريب الأسلحة، بتكلفةٍ وصلت إلى نصف مليار دولار، ليسدد دافعي الضرائب الأمريكيين الفاتورة.

وبالمثل، أعربت تونس عن قلقها إزاء ردع المسلحين، لتعلن في فبراير 2016 عن الانتهاء من الجزء الأول من حاجز يبلغ طوله 200 كلم من الرمال وخنادق المياه على طول حدودها مع ليبيا. وقد أعلن عن الشروع ببناء هذا الحاجز الصيف الماضي بعد أن لقيّ 38 شخصاً مصرعهم فى منتجع شاطئيّ على يد مسلحٍ يعتقد أنه تلقى تدريباً في ليبيا.

ومع ذلك، يكاد يكون أقدم وأطول جدار حدودي في المنطقة أقلها شهرة. فـ”الساتر” (كما هو معروفٌ محلياً)، الذي استكمل بناؤه في عام 1987، هو جدارٌ رملي يبلغ طوله 2800 كلم وارتفاعه 3 أمتار، ويشطر أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها، التي ضمها المغرب في عام 1979.

فمنذ عام 1981، تم وضع الأسلاك الشائكة والأسوار الكهربائية ونشر آلاف الجنود وما يقدر بـ7 ملايين لغم أرضي، لإقصاء مقاتلي حرب العصابات واللاجئين من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وعلى الرغم من انتهاء الأعمال العدائية رسمياً في عام 1991، لا يزال الجدار يتمتع بحراسةٍ مشددة بالرادارات ومعدات المراقبة الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، تمكن المقاتلون الذين يعملون من الجزائر، في بعض الأحيان، من التسلل أسفل الجدار، مما يثير تساؤلاتٍ حول ما إذا كان من الممكن حقاً أن تكون الحدود غير قابلةٍ للاختراق.