وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عدن.. افتتاحية عهد فوضى ما بعد الحرب

عدن
سيارة محافظ عدن، جعفر محمد سعد، بعد الانفجار الذي قتل فيه وثمانية أشخاص آخرين في هجوم تبناه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عدن، اليمن, 6 ديسمبر 2015. Photo Stringer

عد اعلان حكومة المنفى اليمنية مدينة عدن مدينة “محررة” من الحوثيين يوم 17 يوليو 2015، لم تتمكن من العودة لممارسة مهامها سوى بعد قرابة شهرين. ولكن في أكتوبر من العام الجاري، تم تفجير مقر الحكومة في عدن بصواريخ، مما حذى بغالبية الوزراء إلى العودة مجدداً إلى المنفى في الرياض. وفي نوفمبر، عادوا مجدداً إلى عاصمتهم البديلة، عدن، ولكن بحلول ديسمبر 2015، عجزت الحكومة حتى الآن عن إعادة الحياة إلى طبيعتها في المدينة، ناهيك عن اعادة النظام والأمن.

عودة الحكومة إلى عدن لم يكن أمراً سهلاً بسبب الدمار الهائل الناجم عن القتال بين المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، من جهة، وقوى المقاومة الجنوبية المتحالفة مع قوات التحالف التي تقودها السعودية، من جهة أخرى، الأمر الذي حول أجزاء واسعة من المدينة إلى أنقاض. ولم يتبقى مبنى مؤهل تقيم فيه الحكومة سوى فندق القصر الذي ضربته صواريخ انطلقت من وسط المدينة عدن.

أدت محاولات المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس السابق صالح السيطرة على المدينة إلى اندلاع مقاومة مسلحة في عاصمة دولة اليمن الجنوبي قبل الوحدة اليمنية عام 1990. ومنذ مغادرة الحوثيين للمدينة، باتت عدن تعاني من فوضى القتال بين مختلف الجماعات المسلحة. كما ابتليت المدينة أيضاً بالاغتيالات والتفجيرات شبه اليومية.

ومنذ عام 2007، شهد جنوب اليمن احتجاجاتٍ تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، حيث ينحدر صالح والحوثيين، وبالتالي تشكل ما صار يسمى بفصائل المقاومة الجنوبية. وفي ظل الحرب ضد الحوثيين، كانت معظم فصائل المقاومة من تيارات الحراك الجنوبي والسلفيين. وفي خضم فوضى التسلح بدأت تظهر فصائل مسلحة دينية متشددة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية “داعش،” التي لم يكن لها وجود سابق في اليمن. وهذه الجماعات المختلفة كان يتلقى بعضها اسلحة متطورة من قوات التحالف بقيادة السعودية في محاولة لحسم المعركة ضد الحوثي- صالح. ووصلت هذه الأسلحة إلى جميع فصائل المقاومة الجنوبية، والتي تشتمل على بعض الأعضاء من القاعدة وداعش.

ومنذ خروج الحوثيين من عدن، تحولت المدينة لغابة سلاح تشهد مواجهات مسلحة بين فصائل المقاومة والقاعدة، وهذه مواجهات محدودة قياساً بالمواجهات الأكبر التي شهدتها بين فصائل المقاومة وفصائل مسلحة تابعة للرئيس عبدربه منصور هادي، وهذا غير عمليات الاغتيال التي تستهدف بشكل اساسي قيادات الأمن وكذلك بعض قيادات المقاومة.

وعلى الرغم من أن القوات الإماراتية تحاول استعادة بعض النظام في المدينة، لازالت المدينة بلا قوات أمن نظامية حتى الآن، كما لم تتحقق وعود الحكومة بدمج مسلحي المقاومة في الأمن أو الجيش. وفي 6 ديسمبر، تم اغتيال محافظ عدن، وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المسؤولية عنه. فضلاً عن ذلك، فإن قادة عدة فصائل مقاومة على خلاف، وبما أن حكومة المنفى تلكأت كثيراً قبل عودتها القصيرة إلى المدينة، حاولت القوى المسلحة المختلفة، من تيارات المقاومة والقاعدة وداعش، التنافس لملء الفراغ الأمني والسياسي وفرض الأمر الواقع في اليمن. وبحلول ديسمبر 2015، لم ينجح حتى الآن أي فصيل في السيطرة فعلياً على اجزاء من المدينة، ومعظمها لا تنجح سوى في اظهار وجودها برفع اعلام دولة اليمن الجنوبي أو القاعدة وداعش.

ولا يمكن اغفال حقيقة إن وصول الحكومة لم يكن مرحباً به، فمعظم فصائل المقاومة تطالب بالانفصال عن الشمال ويعتبر هذه الحكومة امتداد للوحدة اليمنية التي يرفضها وبالطبع تحاول القاعدة وداعش تقويض وجودها لتحل محلها. ضعف الكفاءة أيضا مشكلة أخرى وتتجلى في حالة الانقسام التي تعاني منها الحكومة وتستدعي اتهام الشارع لها باللامسؤولية والتهافت. ومن ناحية أخرى، صار ما يتداوله الإعلام من خلافات بين الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه ورئيس الوزراء خالد بحاح محل سخرية وتندر وليس انقسام في الشارع الذي يعاني بدون حضور للدولة شمالاً أو جنوباً. فالرئيس عبدربه منصور هادي يمثل تيار السعودية المتشدد والميال للحسم العسكري التابع لوزير الدفاع وولي العهد الثاني محمد بن سلمان، ويمثل خالد بحاح التيار الإماراتي وبدرجة ما تيار سعودي اقل تشدد يمثله ولي العهد محمد بن نايف وهو تيار يرى ضرورة التسوية السياسية بعد حسم المعركة جنوباً.

وكشف أحدث تعديل وزاري الخلافات العميقة بين الرئيس هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح، فقد أعلن الأخير عدم درايته بالتعديل ورفضه. وفي هذا التعديل، عيّن هادي ثلاثة نواب لرئيس الوزراء ليحلوا محل رئيس الوزراء في حال استقالته. فقد كانت تلك خطوة استفزازية من قِبل الرئيس هادي، ذلك أنه اغتصب سلطة رئيس الوزراء من خلال إجراء تعديل وزاري دون علمه، وبالتالي، لم يكن أمام بحاح خيار آخر سوى القبول بالأمر الواقع أو التنحي.

هذا الانقسام اخذ عدة اشكال ابرزها الخلاف حول وزير الخارجية المكلف من قبل الرئيس هادي رياض ياسين بعد أن ألقى المتمردين الحوثيين القبض على وزير الخارجية عبدالله الصايدي. وبعد الإفراج عن الصايدي، أبقى هادي رياض ياسين وزيراً لخارجية، وكذلك فعل بحاح مع الصايدي، حيث يلتقي كل منهما الوفود الخارجية ويسافر للخارج بوزيره. ومن الواضح فشل جميع محاولات التقارب بينهما من خلال اقتراح عزل كلا الوزيرين وتعيين وزير ثالث، لأن ببساطة الخلاف أعمق من هذا، ويدور حول الصراع على السُلطة.

عين الرئيس عبدربه منصور نائبه بحاح بضغط سعودي اثناء اقامته بالرياض وهو كان يتفادى قبلها تعيين نائب له. كانت الحجة المعلنة هي تفادي الفراغ الدستوري في حال غياب هادي عن السلطة لأي سبب، لكن الامتعاض الواضح على وجه هادي اثناء اداء بحاح ليمينه الدستوري يقول أمر آخر، حيث تكاثر الحديث عن بحاح كبديل لهادي الذي فقد شعبيته كلياً حيث يحمله الناس مسؤولية ما جرى. وهذا ما عبرت عنه النقاط السبع التي توصل لها المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ في تفاوضه مع الحوثيين، التي ذكرت عودة حكومة بحاح وتجاهلت عودة الرئيس هادي المشمولة بالقرارات الأممية مما اغضب الرئيس هادي بشدة. وطوال العملية العسكرية في اليمن، التي بدأها التحالف بقيادة السعودية في مارس 2015، ازداد احتكاك الرجلين وهما من خلفيتين متناقضتين. عبدربه منصور من خلفية عسكرية ينتمي لجيل سياسي قديم عاصر الحرب الباردة والوحدة اليمنية، بينما خالد بحاح تكنوقراطي من خلفية هندسية في مجال البترول ومن جيل اكثر شباباً ويفتقد للخبرة السياسية لكنه اقدر على التعامل مع الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي.

كذلك تلعب الخلفية الجغرافية دوراً، فالرئيس هادي من أبين أما بحاح فمن حضرموت بالجنوب، وفريق عمل كل منهما ينتمي لمنطقته. لحضرموت ثقل سياسي كبير في السعودية حيث ينتمي لها معظم رجال الاعمال في السعودية، وهذا يحيي صراعات الجنوب القديمة مما يخلق اصطفافات سياسية اقليمية. فقد اندلعت العديد من الحروب الأهلية الاقليمية في الجنوب قبل الوحدة عام 1990، ولطالما طالبت حضرموت بالانفصال عن الجنوب. والأسوأ من ذلك، إن شعبية كليهما ضعيفة، فالرئيس هادي سقطت شعبيته كلياً منذ سقوط صنعاء في سبتمبر 2014، وبحاح الذي تفاءل به البعض، بدأ يفقد رصيده بشكل سريع بسبب ضعف ادائه ولأنه فشل في تحمل المسؤولية عن المناطق التي تحررت من الحوثيين المتمردين.

انقسام الحكومة هذا وضعف كفاءتها يزيد من أزمة شرعيتها في اليمن، مما يجعل من الصعب أن تلعب الدور السياسي المطلوب منها بعد انتهاء الحرب. وبالتالي، فمن المرجح أنه حتى بتوقف ضربات التحالف في اليمن لن تتوقف الحروب والصراعات الأهلية باليمن قريباً.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles