وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نزاع السلطة يمزّق ليبيا

نزاع السلطة يمزّق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم ٢٠ يناير ٢٠٢٢ في مدينة بنغازي لطلاب من قوات الصاعقة التابعة للجيش الوطني الليبي، وذلك على هامش حفل التخرج الذي نظمه الجيش التابع للضابط خليفة حفتر تكريماً لقائد القوات الراحل ونيس بوخمادة. المصدر: Abdullah DOMA / AFP.

خالد محمود

انفتح المشهد السياسي الليبي مجددا على لحظة صراع دراماتيكية، مع وجود حكومتين تتنازعان السلطة في البلاد، على نحو يعيد الى الأذهان الانقسام المؤسساتي الذي عانت منه ليبيا منذ قبل تولي حكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة لمهامها في شهر مارس 2021.

وبعد نحو عام على تصدرها المشهد كجزء من السلطة الانتقالية التي تشكلت في نهاية ملتقى الحوار السياسي الليبي، تبدي حكومة الدبيبة تمسكا بالبقاء في السلطة رغم إعلان مجلس النواب إقالتها وتنصيب حكومة جديدة.

ووقع اختيار مجلس النواب على فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج، لتشكيل الحكومة الجديدة التي تحمل اسم “الاستقرار الوطني“.

تعهدات بالجملة

ظهر باشاغا الميليشياوي المخضرم داخل قاعة مجلس النواب بمقره في مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي، وهو يقدم سيلا جارفا من التعهدات بهدف طمأنة النواب بشأن سياسته كرئيس مقبل للحكومة في حال اختياره. وفي الوقت الذي تعهّد فيه باشاغا بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه سعى إلى دغدغة عواطف أعضاء مجلس النواب بالحديث عن برنامج واسع للمصالحة ونبذ الخلافات.

ببساطة شديدة، وقف الميلشياوي العتيد ليتحدث أمام البرلمان عن أهمية جمع السلاح وتوفير فرص العمل للشباب، والحفاظ على السيادة الوطنية.

ولم يفوّت باشاغا الفرصة دون مهاجمة حكومة الوحدة المؤقتة واتهمها بالفساد والعمل على إفساد الانتخابات. كما تعهّد بالتنازل وأعضاء حكومته القادمة عن أيّ حصانة قضائية.

محاذير ومخاوف

رغم عزمه الإعلان قريباً عن تشكيلة حكومته، فإن ممارسة باشاغا مع حكومته للسلطة لن يكون أمرا سهلا على الإطلاق، إذ لا زال عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة يرفض أن يغادر موقعه.

صحيحٌ أن باشاغا نجح في إقامة شبكة علاقات واسعة ضمت مصر وتركيا، على الرغم من تعارض مصالحهما، وتمكن من الانضمام لمعسكر المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى المتمركز في شرق البلاد، لكن تجاهل مجلس النواب التحذيرات الأمريكية والأممية من المساس بمصير حكومة الدبيبة، قد يعني عدم الحصول على اعتراف دولي على الفور.

ثمة مخاوف من اندلاع معارك جديدة بين الميليشيات المتناحرة على مناطق النفوذ والسلطة، والموزع ولائها بين باشاغا والدبيبة.

الدبيبة، الذي يحظى بدعم أمريكى وأممي، لن يقبل ببساطة فكرة التخلي عن منصبه لصالح باشاغا الطامح لإرث العقيد الراحل معمر القذافي بعدما شارك في الإطاحة به.

وكان يفترض أن تقود حكومة الدبيبة المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مقرّرة في 24 ديسمبر 2021، قبل أن يتم الإعلان عن تأجيلها، ما دفع مجلس النواب إلى اعتبارها حكومة منتهية الولاية.

وسبق للدبيبة أن وصف مساعي مجلس النواب للإطاحة به وتنصيب حكومة بديلة، بأنّها فردية يائسة. وأكد في المقابل استمرار حكومته في عملها لحين تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة.

الاختلاف بين باشاغا والدبيبة

نزاع السلطة يمزّق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم ٢٩ أكتوبر ٢٠١٩ لميلاد معتوق (وسط)، وزير المواصلات في حكومة الوفاق الوطني الليبي، أثناء حديثه في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الداخلية علي فتحي باشاغا (وسط يسار) والمبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة (وسط – يمين) في طار معيتيقة الدولي. المصدر: Mahmud TURKIA / AFP.

وبينما ينحدر الدبيبة وباشاغا من مدينة مصراتة في غرب البلاد، فإنهما يتنازعان النفوذ والسيطرة على ميليشياتها المسلحة، تماما كما هو الحال بين ميليشيات العاصمة طرابلس.

الفارق هنا هو أن الدبيبة رجل أعمال سابق جمع ثروته خلال عهد القذافي، ولا صلة وثيقة له من قبل توليه السلطة بالميليشيات، بينما يعد باشاغا ميليشياويا مخضرما، وسبق له أن خاض معركة للبقاء في منصبه خلال حكومة الوفاق بالاستعانة بميليشيات مصراتة.

الحاصل هنا هو أن مصراتة التي لطالما تحكمت ميليشياتها في حكومات طرابلس المتعاقبة منذ عام 2011، بحكم كون المدينة التي ينتمي سكانها إلى أصول تركية، وحاضنة لتنظيم الإخوان المسلمين، باتت تواجه اختبارا صعبا، نقل إليها وللمرة الأولى الصراع على السلطة في العاصمة إلى عقر دارها، بعدما كانت في السابق تديره من بعد.

الدور المصري

كانت القاهرة من أوائل العواصم الإقليمية التي رحبت على الفور وبشكل واضح لا يقبل التشكيك، بقرار مجلس النواب الليبي لتشكيل الحكومة الجديدة.

اختار صانع القرار المصري هنا باشاغا على حساب الدبيبة، على الرغم من توقيع الأخير عدة اتفاقيات مع مصر، تماما مثلما فعل مع كل الدول التي سعى لتوطيد علاقته معها بما في ذلك تركيا والجزائر وإيطاليا.

لكن صعود باشاغا لم يكن مفاجئا للقاهرة التي زارها عدة مرات سرا، للاجتماع مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، برعاية مصرية، فتحت المجال لاحقا لزيارة باشاغا الى المنطقة الشرقية في ليبيا وانفتاحه المفاجئ مع كبار مسؤوليها، تزامنا مع الانفتاح التركي الرسمي.

لعبت مصر دورا مهما في إقناع الجزائر وتونس بعدم ممانعة الإطاحة بحكومة الدبيبة. وأجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالا هاتفيا مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون عشية انتخاب باشاغا.

وكان الجزائريون حتى اللحظات الأخيرة يرفضون إقالة حكومة الدبيبة، وهو ما برز في الخلاف بين سليمان شنين سفير الجزائر لدى ليبيا وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب بعد اجتماعهما في مقر الأخير في الثاني من الشهر الجاري.

وبينما نقل صالح عن السفير الجزائري تأكيده على موقف الجزائر الداعم لمجلس النواب بصفته السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في البلاد، واحترامها لحق الشعب الليبي في اختيار من يمثله، ودعم كافة قرارات مجلس النواب الليبي، أبلغ شنين وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية “وقوف الجزائر على مسافة واحدة من كافة الأطراف الليبية وعدم انحيازها لأي طرف خلافا لما أوردته بعض المصادر”.

وتكفل الاتصال الهاتفي بين السيسي وتبون، بإنهاء الممانعة الجزائرية، حيث أكد البيان الرسمي للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية ما وصفه بـ “توافق الرؤى لدى مناقشة الأوضاع في ليبيا، على أهمية تعزيز أطر التنسيق المصرية الجزائرية ذات الصلة، وذلك لتحقيق هدف رئيسي وهو تفعيل إرادة الشعب الليبي من خلال دعم مؤسسات الدولة الليبية، ومساندة الجهود الحالية لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا”.

ولعب السيسي دورا مهما خلف الكواليس، إذ تم عقد اتصالات مماثلة مع تونس وتشاد والسودان لتأمين التوافق الإقليمي المطلوب لدعم قرارات مجلس النواب.

في المقابل، ساهمت التفاهمات المصرية التركية غير المعلنة، في الوصول إلى هذا المشهد السياسي الجديد في ليبيا، حيث بدا أن تركيا وافقت على التخلي عن دعم الدبيبة، مقابل انفتاح الشرق الليبي المعادي له على أنقرة، وهو ما تمثل في زيارة سفير تركيا لمدينة بنغازي مؤخرا، وعدم اعتراض حفتر على الاتصالات المتبادلة لمجلس النواب معها.

ملف المرتزقة

نزاع السلطة يمزّق ليبيا
رئيس الحكومة الليبية المؤقت عبد الحميد الدبيبة (يمين) ونظيره المصري مصطفى مدبولي (يسار) في مؤتمرٍ صحفي مشترك عقداه في مكتب رئاسة الوزراء في العاصمة الليبية طرابلس يوم ٢٠ إبريل ٢٠٢١. المصدر: Mahmud Turkia / AFP.

مع وجود جيش من المرتزقة السوريين الموالين لتركيا على الأراضي الليبية، فإنّ إمكانية دخولهم على خط الأزمة بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، واردة، لكنها محفوفة أيضا بالمخاطر.

يعزز هذا التخوف، معلومات استخباراتية عن تعثر المحادثات بين مصر وتركيا، وتصاعد التوتر بين عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية ونظيره التركي هاكان فيدان بشأن طموحات أردوغان الليبية.

تسيطر تركيا بفضل قواتها العسكرية المرابضة في عدة قواعد عسكرية داخل وخارج العاصمة الليبية طرابلس، على جيش المرتزقة الذين جلبتهم للقتال لصالح حكومة الوفاق السابقة ومنع المشير حفتر من تحريرها عام 2019.

وفي ظل تأزم الوضع المادي للمرتزقة وتعثر تركيا في سداد مرتباتهم، فإن إمكانية شراء أي طرف ليبي لخدماتهم تظل واردة، لضمان أحكام السيطرة على طرابلس وتأمين الحكومة العاملة فيها في مواجهة أي عمل عسكري مناوئ لها.

وفي حال تمرّد هؤلاء المرتزقة على تركيا عمليا، أو تحول ولائهم لصالح جهة محلية ما في طرابلس، فإن الأزمة مرشحة لمرحلة جديدة من الصدام العسكري، والاقتتال الدموي.

وطبقا لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الانسان، يتواجد في الأراضي الليبية نحو 7000 مرتزق من مختلف تشكيلات “الجيش الوطني” الموالي لتركيا وتستمر عملية تبديلهم في ليبيا، بعدما أصبح وضعهم داخل معسكراتهم في العاصمة طرابلس، روتينيًا ويقضون أوقاتهم في المهاجع أو في ساحات التدريب.

الموقف الغربي والأمريكي

بينما كان الإيطاليّون يتوقعون نهاية وشيكة للدبيبة، فإنهم وخلافا للبريطانيين لم يلقوا بثقلهم السياسي والدبلوماسي خلفه.

حافظت إيطاليا على مسافة من الدبيبة وباشاغا، تمكنها من الاقتراب من أيهما في حال حسم الصراع لصالحه، على عكس بريطانيا التي ورطتها سفيرتها لدى ليبيا بموقف رافض لتحرك مجلس النواب لإقالة الدبيبة وتنصيب باشاغا.

في المقابل، امتنع السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي يمارس عمله من تونس، عن إعلان موقف واضح من هذا النزاع، ما يعكس تخبط الإدارة الأمريكية مجددا في الملف الليبي.

بالتبعية، فإن إسرائيل التي سعت مؤخرا إلى جس النبض عبر إطلاق معلومات مغلوطة عن اتصالات سرية لبعض الأطراف الليبية بها، خلافا للحقيقة، تتحين الفرص لوضع ليبيا في دائرة تطبيع علاقتها معها، في إطار الانفتاح العربي المتزايد تجاه تل أبيب.

لدى الإسرائيليين، ما يقدمونه، السلاح والتكنولوجيا، لكن هذا مربوط بوجود حكومة قوية ومسيطرة في ليبيا، وعدم اعتراض مصر وتركيا على محاولة إسرائيل الحصول على جزء من الكعكة الليبية.

الموقف الأممي

نزاع السلطة يمزّق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم ٨ نوفمبر ٢٠٢٠ لستيفاني ويليامز، التي كانت تشغل حينها منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية في ليبيا، وذلك أثناء حديثها في مؤتمرٍ صحفي بالعاصمة التونسية تونس لمناقشة المحادثات القائمة بين الفصائل المتناحرة في النزاع الليبي. المصدر: FETHI BELAID / AFP.

عكست الأزمة الأخيرة، تراجعا كبيرا للدور التقليدي للأمم المتحدة وبعثتها على مدى السنوات الـ 11 التي تلت إسقاط نظام القذافي عام 2011.

وعلى الرغم من أن الدبيبة أتى إلى منصبه وفقا لملتقى الحوار السياسي الليبي الذي رعته المنظمة الدولية في جنيف السويسرية العام الماضي، فإن المنظمة وبعثتها لم يكونا في الموعد.

هذا الإخفاق يرجع بالأساس إلى غياب رئيس للبعثة الأممية منذ الاستقالة المفاجئة للسلوفاكي يان كوبيش من منصبه، بعد أقل من عام على توليه وقبل شهر من الانتخابات التي كان يفترض أن تتم في 24 ديسمبر الماضي، قبل الإعلان عن تأجيلها.

وبسبب الاعتراضات الروسية، عجزت المنظمة عن تسمية خليفة له، لكنها عينت في المقابل ستيفاني ويليامز الدبلوماسية الأمريكية السابقة لدى ليبيا والتي تولت منصب القائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا، كمستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة، وهو منصب اخترع خصيصا لها، كنوع من التحايل الدبلوماسي على الأمر.

لكن وجود ويليامز هذه المرة لم يكن له تأثيرها السابق، فكونها بلا صلاحيات محددة وذيوع الخلافات حول تسمية خليفة ساهم في منح قادة المشهد السياسي في ليبيا الفرصة لاسترداد الملف الليبي من المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى حد كبير.

بالإمكان القول إن المنظمة سعت لإمساك العصا من المنتصف إلى حد كبير، على الرغم من اعترافها بوجود باشاغا الذي وصفته برئيس الوزراء المكلف، ما يعني موافقتها ضمنيا على بقائه في المشهد السياسي في البلاد.

وكانت ويليامز قد امتنعت بعد اجتماعها مع الدبيبة وباشاغا، عن إعلان موقف محدد من صراعهما الجاري حول منصب رئيس الحكومة.

وفي دلالة على تدني الطموح، كانت رسالة ويليامز الأولى لباشاغا والدبيبة، التأكيد على أهمية عمل جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات ضمن الإطار السياسي والحفاظ، قبل كل شيء، على الهدوء على الأرض.

الأمم المتحدة اكتفت بدعوة القادة الليبيين لوضع مصلحة الشعب الليبي أولا وقبل كل شيء، ومصلحة 2.8 مليون شخص ممن سجلوا أسماءهم للاقتراع. وأكدت على لسان الناطق باسمها ستيفان دوجاريك في مؤتمر صحفي من مقرها الدائم في جنيف على حاجة القادة للمضي قدما بطريقة سلمية وتوافقية وشفافة وشاملة للحفاظ على الاستقرار في طرابلس وخارجها.

البحث عن منصب

في إطار بحثه عن منصب، ظل اسم باشاغا يتردد كلما لاحت أي فرصة لاختيار سلطة جديدة في البلاد.

لم يكتفِ باشاغا بعضوية مجلس النواب، الذي قاطع لاحقا جلساته ولم يحضر أي جلسة له بمقره في مدينة طبرق، فظل طيلة الوقت يبحث عن منصب حكومي.

ترشح لرئاسة مجلس الأمن القومي، هذا الكيان الذي لم يولد قط، قبل أن يختاره رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، في تعديل وزاري أجراه في أكتوبر 2018 كوزير الداخلية بدلا من العميد عبد السلام عاشور.

في منصبه كوزير للداخلية، قدم باشاغا مشروعا مثيرا للجدل بشأن الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس بعدما قسمها بحسب مدى خطورتها الأمنية وقوتها العسكرية، على أمل أن يلي ذلك تفكيك هذه الميليشيات.

لكن ذلك لم يحدث قط، فقد ظلت الميليشيات على وضعها كما هو بدون أدنى تغيير، على الرغم من إعلان الإدارة الأمريكية عبر سفارتها في طرابلس اهتمامها بخطة باشاغا.

وتعهد باشاغا الذي عادة ما يتحرك في موكب أمني ضخم يضم عشرات السيارات والحراس، بالقضاء على الميليشيات، خاصة بعدما ادعى في فبراير 2021، تعرضه لمحاولة اغتيال وإطلاق نار في منطقة جنزور غربي طرابلس.

في المقابل، نفى جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي رواية باشاغا واتهم حراسه في المقابل بالتعدي على عناصره في الواقعة، التي طواها النسيان، برغم تعهد السلطات بالتحقيق فيها.

وسرعان ما توتر الموقف بعد اقتحام ميليشيات موالية لباشاغا ميدان الساحة الخضراء بوسط طرابلس في محاولة لإثبات التواجد.

ومع فشل مساعيه للقفز إلى منصب وزير الدفاع الشاغر بحكومة السراج، تدهورت علاقته بالأخير الذي سعى لإقالة باشاغا من منصب وزير الداخلية.

احتمى باشاغا بميليشيات مصراتة وتحدّى سلطة السراج الذي أخضعه لتحقيق مؤقت ووقف عن العمل لم يدُم سوى أيام، ليعود باشاغا لاحقا على رأس موكب ضخم للميليشيات كان بمثابة استعراض للقوة.

تصريحات مثيرة للجدل والضحك

نزاع السلطة يمزّق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم ٢٥ ديسمبر ٢٠١٨ لوزير الخارجية الليبي السابق محمد الطاهر سيالة (يمين) ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا (يسار) وذلك في أعقاب هجوم تم شنّه على وزارة الخارجية. المصدر: Mahmud TURKIA / AFP.

في السابق، خرج باشاغا في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة طرابلس ليواصل تفجير قنابله الصوتية، حيث قال فيما عده الليبيون نكتة الموسم، “أن جهاز المخابرات الليبية (الذي اعتبره ليس محلا للثقة قادر على اختراق جميع المخابرات الدولية وأقواها بما في ذلك جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)”.

أحد التحولات الرئيسية البارزة في مشوار باشاغا المتعرج، موقفه من المشير حفتر الذي ناصبه العداء بشكل مستمر، لكنه تخلى عنه وفتح صفحة جديدة، بعدما التقاه ضمن وفد من المرشحين للانتخابات الرئاسية في مدينة بنغازى بشرق البلاد.

أدرك باشاغا أن بقاءه لاعبا على الساحة السياسية مرهونٌ بتحالفه مع حفتر ومعسكره، علما بأنه تحالف بشكل مؤقت مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في قائمة موحدة لم تحظَ بالفوز في ملتقى جنيف.

رجل الميليشيات

بنى باشاغا سمعته كرجل للميليشيات بقيادته السابقة لميليشيات حطين، المنتمية الى مسقط رأسه في مدينة مصراتة بغرب البلاد، وتاليا لكتيبة المرسى، وكلاهما من المجموعات المسلحة الجيدة التسليح والتي تعد القوة الضاربة.

لكن شهرته كمنسق أمنى ومعلوماتي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال حربه التي أدت إلى إسقاط نظام القذافي عام 2011، ظلت تلاحقه بالعار بين مواطنيه، الذين لقبوه بفتحي ناتو، على سبيل السخرية، التي وصلت إلى مداها بلقبه الثاني “العجلاتي” بسبب عمله في تجارة إطارات السيارات.

باشاغا، الطيار السابق في جيش القذافي، لم يمارس عملا عسكريا حقيقيا، لكنه على وشك أن يحقق طموحه في القفز إلى العرش الليبي، مهما كانت التكاليف أو المخاطر.