وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أزمة رئاسية مُقبلة في كردستان العراق

The motives behind the political stalemate of the Kurdistan Region in Iraq are explained
محتجون يدعون إلى حل الأزمة الرئاسية لحكومة إقليم كردستان يشعلون الإطارات أثناء اشتباكات مع قوات الأمن خلال مظاهرة في السليمانية، العراق، 10 أكتوبر. Photo Feriq Ferec / Anadolu Agency

بالكاد تعتبر أزمة الرئاسة في كردستان العراق في نوفمبر 2015 مفاجأة، إذ كان يتوجب أن تنتهي ولاية الرئيس مسعود بارزاني في عام 2013 الماضي. فقد نجح الحزبين الرئيسيين في الأقليم آنذاك بحبك حيلة، اعتبرها الكثيرون غير شرعية، تقتضي بتمديد ولايته لعامين إضافيين. ولم يكن هناك أي سببٍ لافتراض أنّ الرئيس سيتنحى عام 2015.

وغالباً ما ينظر إلى إقليم كردستان العراق باعتباره منارة للديمقراطية في جزء من العالم يعاني من حالة اضطراب، إذ يتمتع الإقليم بانتخابات نزيهة، وحقوق لكثير من الأقليات الدينية والعِرقية، وبرلمان فعّال. ولكن، بإلقاء نظرة أعمق على الطريقة التي تم فيها التعامل مع الانتخابات الرئاسية، تظهر صورة مغايرة.

تعاني كردستان من مشاكل أمنية واقتصادية هائلة منذ أوائل عام 2014، مما يعارض تغيير القيادة في المنطقة الآن. ويشّكل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التهديد الأمني الأكبر للمنطقة. فقد صدّت قوات البشمركة، القوات المسلحة في كردستان، حتى الآن هجمات “داعش،” إلا أنّ التهديد لم ينحسر بعد.

أما المشاكل الاقتصادية فتتمحور بشكلٍ رئيسي حول النفط، وتنبع من رفض الحكومة المركزية في بغداد دفع الـ17% من عائدات النفط لأقليم كردستان التي تحق لها بموجب الدستور. وقد حاولت كردستان بيع النفط بشكلٍ مستقلٍ عن بغداد، ونجحت في ذلك بشكلٍ جزئي، ولكن عندما بدأ سعر النفط يتراجع إلى أقل من 45 دولار للبرميل الواحد، كما هو الحال في نوفمبر 2015، لم يبقى ما يُذكر لإنقاذ الاقتصاد.

نقص الموارد المالية يعني أن كردستان لا تستطيع دفع رواتب الموظفين الحكوميين، بما في ذلك قوات البشمركة، الذين يضطرون الآن إلى العمل في وظائف أخرى، في حال وجدوا، خلال الأوقات التي لا يكونون فيها في ساحة المعركة. وهذا يعني أن الرواتب لم تُدفع منذ ثلاثة أشهر.

ومما زاد الطين بِلة، أن كردستان تحاول التعامل مع حوالي 250,000 لاجىء سوري وحوالي مليون شخص من النازحين داخلياً، معظمهم من مدينة الموصل ومحافظة الأنبار التي تحتلها “داعش.” يضع تدفق الناس من خارج المنطقة المزيد من الضغوط على ميزانية اقليم كردستان فضلاً عن تعقيد الوضع الأمني، إذ أنّ احتمالية تسلل عناصر من “داعش” أمر وارد.

المشاكل حقيقية، وكذلك أيضاً المظهر المخادع للديمقراطية الهشة التي تخفي حقيقة أن إقليم كردستان يحكمه أساساً عشائر عميقة الجذور في المجتمع الكردي القبلي.

بدأت الأزمة الرئاسية عام 1992، عندما أعلن إقليم كردستان استقلاله عن نظام صدام حسين في بغداد. وبعد بضعة أشهر من الحكم المستقل على أرض الواقع في كردستان، جرت انتخابات رئاسية. الحزبين الأكثر أهمية في الأقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتبع له بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتبع له جلال الطالباني، تنافسا في الانتخابات، إلا أن أياً منهم خرج منتصراً بالحد الأدنى من الـ50% من الأصوات. ولم تكن أي من العشيرتين على استعدادٍ لمنح السلطة للعشيرة الأخرى، مما أدى إلى الحرب الأهلية الكردية بين عامي 1994 و1998.

خلقت الحرب الأهلية الوضع الراهن اليوم، إذ يحكم الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني جنوب كردستان تقريباً، حول منطقة السليمانية، في حين يحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني الشمال، في جميع أنحاء أربيل. ولم يتم حل الخلاف القبلي العشائري، رسمياً، سوى في عام 2005، بعد أن أُدخل إقليم كردستان ذاتي الحكم في الدستور العراقي الجديد. أجريت الانتخابات البرلمانية، في كلٍ من العراق وإقليم كردستان، وقرر كل من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الاتحاد فيما يُعرف باسم التحالف الكردستاني. وبعد أن نجح التحالف في حصد أغلبية (90%) الأصوات (104 مقاعد من أصل 111)، وزّع كل من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني مراكز القوى بينهما. أصبح بارزاني رئيس إقليم كردستان لمدة أربع سنوات، في حين أصبح الطالباني رئيساً للعراق.

ونص القانون على أن تعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كل أربع سنوات، وفي نفس اليوم. في عام 2009 اجتمع الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني مرة أخرى في التحالف الكردستاني ولكن بالكاد حصل على الأغلبية، مع 53% من الأصوات. وقد تم التصويت لتقليد مسعود بارزاني ولايته الثانية كرئيس، والتي تعتبر نهائية من الناحية القانونية، بأغلبية ساحقة من الأصوات (70%).

ومن ثم في عام 2013، وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 21 سبتمبر، صادق البرلمان فجأة على قانونٍ يسمح لبارزاني تمديد ولايته لعامين آخرين. الحزبين الرئيسيين في الأقليم، واللذان يمثلان أهم عشيرتين، وضعوا هذه الخطة وتخطوا القانون في سبيل تحقيق مآربهم.

ربما كان لهذا الأمر علاقة بالحزب الذي تسبب بخسارة تحالفهم الأصوات في انتخابات عام 2009، حركة غوران (التغيير)، وهو حزب جديد انشق عن الاتحاد الوطني الكردستاني الطالباني واتخذ موقفاً ضد السياسة العشائرية والفساد. ففي عام 2009، حصلت حركة غوران على 22% من الأصوات، وبدت فرصهم في انتخابات عام 2013 واعدة إلى حدٍ أكبر. وفي الوقت نفسه، قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني خوض الانتخابات كأحزاب منفصلة للمرة الأولى. وبدى أن العشائر التي تمتلك السُلطة تسعى لتأمين نفوذها من خلال حل المشكلة الرئاسية قبل أن تظهر بعد الانتخابات.

تمكنت حركة غوران بالتأكيد من تغيير ميزان القوى، لتصبح ثاني أكبر الأحزاب في الإقليم بحصدها 24 مقعداً مقابل 18 مقعد للاتحاد الوطني الكردستاني و38 مقعداً للحزب الديمقراطي الكردستاني. وهذا يفسر المأزق الحالي، إذ يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني تمديد ولاية بارزاني لعامين إضافيين، إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، إلا أن ذلك غير ممكن بمقاعده الـ38. وعلى صعيدٍ آخر، تقبل حركة غوران والاتحاد الوطني الكردستاني خوض نقاش تمديد ولاية بارزاني لعامين آخرين فقط في حال استبدال النظام الرئاسي بنظام برلماني، وهو اقتراح مرفوض من قِبل الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ويمكن لكلا الطرفين السعي لإيجاد حلٍ عن طريق بناء أغلبية بواسطة أحزاب أصغر حجماً، إلا أنها فشلت حتى الآن بالقيام بذلك. هذا وتفاقمت الأزمة مع نهاية شهر أكتوبر، عندما تم عزل أربعة وزراء من حركة غوران من مناصبهم الحكومية، بسبب ما قيل آنذاك باتهام الحزب الديمقراطي الكردستاني للحركة بالتحريض على العنف بدفع الحشود الغاضبة للتظاهر أمام مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في عدة مدن، احتجاجاً على قبضة بارزاني على السلطة. حتى أنه تم منع الناطق باسم حركة غوران في البرلمان من دخول أربيل.

يُبقي هذا المأزق بارزاني في السُلطة، إلا أن مجلس الشورى قرر قبل يومين من انتهاء ولاية بارزاني، أي في 18 أغسطس 2015، بقائه في السُلطة إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة. وفي الوقت الراهن، تجري مناقشة شرعية هذا القرار، ولكن لا تملك الأحزاب الأخرى سوى القليل لفعله. ففي النهاية، لا تقع الرئاسة فقط بين يديّ عشيرة بارزاني، بل إنّ ابن شقيق الرئيس، نيجيرفان بارزاني، يحتل منصب رئيس الوزراء، في حين أن ابن الرئيس، مسرور بارزاني، يشغل حالياً منصب رئيس مجلس الأمن لإقليم كردستان، وهناك نقص في المؤسسات، مثل الشرطة، التي تعمل بشكلٍ مستقل عن من في السُلطة. وفي النهاية، يبدو أنّ لا مفر من حكم بارزاني كرئيس حتى عام 2017.