وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإنتخابات الرئاسية المصرية بعيدة كل البعد عن الإنتخاب

Egypt- Presidential Elections in Egypt
لافتة للحملة الإنتخابية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد شوارع القاهرة، 26 فبراير 2018. Photo AFP

بدأت الحملة الإنتخابية للإنتخابات الرئاسية المصرية، المزمع عقدها في 26 و27 و28 مارس 2018، رسمياً في 25 فبراير الماضي. وعلى الرغم من أنّ اللافتات واللوحات الإعلانية المؤيدة للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، انتشرت في إرجاء مدينة القاهرة وغيرها من المدن الأخرى منذ أشهر، إلا أن عددها تضاعف بشكلٍ كبير منذ بداية الحملة الرسمية.

وتشيد العديد من اللافتات بإنجازات السيسي الإقتصادية، مثل تفريعة قناة السويس التي لاقت رواجاً كبيراً، و”العاصمة الجديدة” للبلاد- التي لا تزال قيد الإنشاء حالياً- وتطوير حقول الغاز البحرية الضخمة المكتشفة حديثاً. بينما تسلط لافتاتٌ آخرى الضوء على حربه ضد الإرهاب، التي تتخذ اليوم شكل عمليةٍ عسكرية ضخمة ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سيناء. فقد كتب على إحدى اللافتات “محاربة الإرهاب حقٌ إنساني،” والتي تمثل استهزاءً سافراً بالإنتقاد الدولي المستمر لسجل حقوق الإنسان البائس للنظام. بينما تذكر لافتة أخرى في وسط القاهرة المواطنين بواجبهم في المشاركة بالإنتخابات والتصويت، في حين تخبر الإعلانات التجارية على الإذاعات المصريين أن هذه هي اللحظة المناسبة لتقرير مستقبل بلادهم.

بيد أن هناك مشكلة واحدة فحسب: الفائز في الإنتخابات معروفٌ منذ أشهر. فمع إقصاء إي منافسةٍ جدية، فإن منافس السيسي الوحيد هو موسى مصطفى موسى غير المعروف، زعيم حزب الغد المؤيد للنظام وأحد مؤيدي السيسي.

وخلال مقابلةٍ تلفزيونية، تحدث موسى بإسهاب عن الإنجازات الإقتصادية التي حققها السيسي، مؤكداً أنه لم يحقق أي إنجازاتٍ على الصعيد الشخصي، بل قال أيضاً إن البرنامج الإنتخابي للسيسي أفضل من برنامجه. وفي فيديو قبل إعلانه ترشحه، أعلن موسى عن دعمه الصريح للسيسي إذ قال، “نحن نعلم أنه سيفوز.” ويعتبره المحللون والمواطنون على حد سواء بـ”المرشح الدمية،” ليمنح الإنتخابات مصداقيةً وشرعيةً زائفة.

إن “إعادة انتخاب” السيسي المؤكدة، أو بدقةٍ أكبر، تمديد رئاسته لأربع سنواتٍ أخرى على الأقل، تأتي بعد قرابة الخمس سنوات من ثورة عام 2011 التي تم خلالها إغلاق المجال السياسي تدريجياً. ومنذ أن أطاح السيسي بمحمد مرسي في يوليو 2013، عمل بشكلٍ مطرد على تعزيز قبضته على البلاد وتوسيع قاعدة نفوذه.

ومع ذلك، فإن شعبية السيسي ليست من المسلمات، وذلك في ظل الأزمة الإقتصادية التي أجبرت الحكومة على اتخاذ تدابير أضرت بشكلٍ كبير بالطبقة المتوسطة وبالفقراء بالبلاد، إلى جانب الحرب المستمرة في سيناء التي لا توجد إي دلائل على إنتصار الجيش المصري فيها. وبالتالي، تحمل الإنتخابات في طياتها خطراً يتمثل بفتح نقاشٍ سياسي، وهو الأمر الذي يحرص النظام على تجنبه. فقد سبق وقال لنا محلل سياسي في مصر “يشعر السيسي بالإرتياب من فقدان مؤيديه.”

وبعد أن أثارت الاقتراحات التي قدمها النواب الموالون للنظام تمديد ولاية السيسي من أربع إلى ست سنوات انتقاداتٍ حادة، تم اتخاذ القرار بإجراء انتخابات رئاسية وفقًا لدستور 2014.

وفي تحولٍ غير متوقع للأحداث، أعلن العديد من المنافسين الجديين نيتهم الترشح للإنتخابات، مما يدل على أنه حتى داخل المؤسسة، بما فيها الجيش، فإن دعم الجنرال السابق ليس بالأمر المطلق. المنافس الأول كان أحمد شفيق، نائب الرئيس السابق الذي خسر المواجهة أمام مرسي عام 2012. وبعد إعلانه عزمه الترشح للإنتخابات، تم ترحيله إلى مصر من منزله في الإمارات العربية المتحدة، ليحتجز بعدها في أحد فنادق القاهرة لمدة شهر إلى أن أعلن انسحابه. وعلاوة على ذلك، تعرض العديد من مؤيديه للاعتقال.

وفي يناير، أعلن الفريق سامي عنان ترشحه للإنتخابات الرئاسية. فعنان، الذي يعتبر قائداً عسكرياً بارزاً، كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة لسبع سنوات، بما في ذلك الفترة التي تولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في الفترة ما بين سقوط الديكتاتور السابق حسني مبارك وانتخاب مرسي. وأيضاً، ألقي القبض على عنان، ولكن هذه المرة من قبل الجيش. كما تعرض مدير حملته، هشام جنينه، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، للاستهداف بسبب ملاحظاتٍ إنتقادية أدلى بها حول الفساد، حيث تعرض للضرب في الشارع واعتقل فيما بعد. كما خضع نجل عنان، سمير، للاستجواب وتمت إقالته من منصبه في إحدى جامعات الإسكندرية الرائدة.

كما أعتقل أيضاً رجلٌ آخر من المؤسسة العسكرية، العقيد أحمد قنصوة، وأحيل إلى المحاكمة بعد فترةٍ قصيرة من إعلانه ترشحه في نوفمبر الماضي. أما المرشحين المحتملين الآخرين، ومن أبرزهم المحامي الحقوقي خالد علي، والنائب السابق محمد أنور السادات، فقد امتنعوا عن الترشح مُشيرين إلى المنافسة غير العادلة.

وفي الوقت نفسه، اشتدت قبضة الدولة، القوية بالفعل، على وسائل الإعلام في البلاد. فقد اعتقل مقدم البرامج المؤيد للنظام، خيري رمضان، في أوائل مارس بتهمة “التشهير بالشرطة” و”نشر أخبار كاذبة” لتطرقه إلى انخفاض رواتب الشرطة. وقبل ذلك بأسبوع، ألقي القبض على مراسلين أثناء تصوريهما في خط الترام القديم في الإسكندرية وخضعا للتحقيق بحجة “التصوير دون رخصة،” وانضمامها لعضوية جماعة محظورة، وحيازتهما “أدواتٍ” لنشر أخبار كاذبة.

بل إن السيسي ذات نفسه قال على التلفاز أن أي “إهانةٍ” من قِبل وسائل الإعلام للجيش أو الشرطة ستعتبر خيانةً وتشويهاً للبلاد. كما أمر النائب العام، نبيل صادق، المدعين العامين في البلاد بمراقبة وسائل الإعلام واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أي أخبارٍ كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح الوطنية. وقال إن “قوى الشر” تحاول “تقويض أمن وسلامة الأمة من خلال بث ونشر الأكاذيب والأخبار الملفقة.”

وفي غضون ذلك، يصر النظام على صدق الإنتخابات. فاللافتات العديدة، التي تحمل القليل منها صور موسى أيضاً، فضلاً عن التجمعات، تريد التأكيد على الرواية الحكومية بأن الإنتخابات سباقٌ حقيقي وأن السيسي يتمتع بدعمٍ شبه مطلق من الشعب للبقاء في منصبه لولايةٍ ثانية.

وهناك حادثتان معروفتان لفَنَك منحتنا فكرةً حول الكيفية التي تعمل بها الآلية خلف الإنتخابات في الدولة. أولاً، قامت الشرطة المحلية بوضع العديد من اللافتات في مرحلة ما قبل الحملة الإنتخابية. فعلى سبيل المثال، عندما سقطت لافتة كبيرة رفعت بجانب أحد المقاهي الشهيرة في القاهرة دون قصدٍ في يناير الماضي ولم تتم إعادتها إلى مكانها، غرّم ملاك المقهى 20 ألف جنيه مصري (1,134 دولار أمريكي).

بالإضافة إلى ذلك، يتم عقد تجمعاتٍ مؤيدة للسيسي بشكلٍ متكرر. وفي إحدى هذه التجمعات التي عقدت في المنيا في صعيد مصر، سمعنا أحد المشاركين وهو يقول إن جميع موظفي البلدية أمروا بعدم التوجه إلى مكاتبهم والمشاركة في التجمع بدلاً من ذلك. كما كانت قوائم تسجيل الموظفين اليومية موجودةً في التجمع.

كما تم تنظيم تجمعٍ دعماً لموسى في الرابع من مارس، إلا أن أحداً لم يشارك، وذلك بحسب ما أوردته أسوشيتد بريس. بل إن أحد المارة لم يتعرف على صورة المرشح على الملصقات، إذ ظن بدايةً أنه السيسي.

وبلا أدنى شك، تتحرك مصر بثبات نحو ولايةٍ ثانية في ظل حكم السيسي، متظاهرةً في نفس الوقت بوجود منافسةٍ فعليه سيخرج منها منتصراً.