وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قطر ودول المصالحة.. خسائر ومكاسب

قطر والسعودية المصالحة
صورة تم التقاطها يوم ١١ يناير ٢٠٢١ لرجل وهو يحضن اخته التي وصلت للتو إلى مطار الملك خالد الدولي في العاصمة السعودية الرياض. وعقب ذوبان الجليد الدبلوماسي الخليجي، تم استئناف السفر لجوي بين قطر والسعودية بحسب الخطوط الجوية التابعة للدولتين. المصدر: FAYEZ NURELDINE / AFP.

عادل مجاهد

تكبدت قطر، الإمارة الصغيرة، الغنية بالغاز، خلال سنوات المقاطعة مع الرباعية (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر)، التي امتدت من يونيو 2017م حتى مطلع العام الحالي2021م ، خسائر جسيمة من المبكر حصرها، وإن قدرها خبراء بأكثر من الترليون دولارٍ أمريكي.

وفي الأشهر الأولى من الأزمة، قامت قطر بتصفية ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار من استثماراتها في أدوات الخزانة الأمريكية، وأنفقت أكثر من 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدعم عملتها وبنوكها، ما يعادل 23% من إجمالي الناتج المحلي للدولة، وختمت عامها الأول بارتفاع في الدين العام 17.1 مليار دولار.

وعلى الرغم من المقاومة التي أبدتها الإمارة المتهمة بدعم الإرهاب من قبل الرباعية العربية، سرعان ما انعكست آثار المقاطعة على أبرز مؤشرات الاقتصاد الكلي للدولة. فسجل الناتج المحلي الإجمالي مقوماً بالأسعار الثابتة تراجعاً بنحو 2.6 مليار دولار في عام 2017م، بمعدل نمو سالب 1.5% مقارنة بالعام السابق له 2016م، والذي كان سجل بدوره معدل نمو بلغ 3.1% مقارنة بسابقه 2015م، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

ليس ذلك فحسب، بل سجل معدل النمو التراكمي للناتج المحلي الإجمالي للإمارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر المقاطعة، وحتى إعلان المصالحة القيمة الصفرية.

ولا شك أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي لقطر عام 2020م، بمعدل 2% مقارنة بالعام 2019م، كان محصلة لأثري المقاطعة وتداعيات جائحة كوفيد 19.

وخلال الأزمة تضررت قطاعات العقارات والبيع بالتجزئة. فأصبحت مراكز التسوق والفنادق التي كانت تعج أحيانا بالسائحين السعوديين والإماراتيين شبه خالية. كما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد وسط تخمة المعروض في الفترة التي تسبق استضافة قطر لكأس العالم عام 2022م، فضلاً عن الخسائر السنوية التي حققتها الخطوط الجوية القطرية، بعد اضطرار الشركة المملوكة للدولة لتغيير مسارات وإعادة توجيه الكثير من رحلاتها الجوية، ما أدى إلى زيادة المدة والتكلفة، في آن معاً. ما دفع الشركة للتقدم بطلب للتحكيم الدولي في يوليو 2020م ضد كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، على خلفية إيقاف هذه الدول عمليات الخطوط القطرية في أسواق دول المقاطعة، وإغلاق مجالها الجوي أمام طائراتها، والرجوع عليهم بالمطالبة بتعويضات تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار.

ولما كانت المقاطعة بين طرفي الأزمة، حرب عناد وعض أصابع، يستسلم في نهايتها المتألم أو الخاسر الأكبر، فقد بدا الجميع خاسرين في نهاية المطاف. حيث تحدثت كل من وكالة بلومبيرغ الأمريكية ومجلة “إيكونومست” البريطانية عن خسائر مالية جسيمة للإمارات والسعودية منذ نهاية العام الأول للمقاطعة، حيث فقدت دولة الأمارات جانباً مهماً من الاستثمارات العقارية بفقدان كبار مستثمريها من القطريين، بالإضافة إلى خسائر قدرت بنحو 1.1 مليار دولار سنوياً جراء توقف السياحة القطرية لدبي. وفقدت السعودية السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها من الأغذية والألبان بخلاف سوق الإعمار والبناء. وقد عمق انهيار أسعار النفط من خسائر الدولتين الناتجة عن المقاطعة. كذلك فقدت مصر سوقاً هاماً لمنتجاتها الزراعية بجانب رحلات شركة مصر للطيران التي توقفت عن نقل أكثر من 300 ألف مصري يعملون بقطر.

يذكر أن حجم التبادل التجاري بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 10.5 مليار دولار في العام الذي سبق اندلاع الأزمة بين الطرفين، وفقاً لوزارة التخطيط والإحصاء القطرية، وتستحوذ السعودية والإمارات والبحرين على 87% من حركة التبادل التجاري بين قطر ومنطقة الخليج وفقاً لبيانات بلومبيرغ.

ومع رفع الحصار عن قطر مطلع هذا العام، واستئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية بين أطراف الأزمة، لأسباب تحار فيها التكهنات والاجتهادات، بين ما هو اقتصادي وما هو جيوسياسي، نظراً للغموض الذي اكتنف حيثيات المصالحة، واستمرار العقبات الرئيسية التي كانت سبباً في اندلاع الأزمة، إلا أن الثابت ان العديد من الفوائد ستعم على كل الأطراف، ومن المتوقع تراجع نزيف الخسائر لشركات طيران أطراف الأزمة، وإن كانت تداعيات جائحة كورونا لا زالت تلقي بظلالها على عوائد قطاع السفر العالمي، خاصة مع ظهور أجيال جديدة من الفيروس، وتتوقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني زيادة التدفقات السياحية، ودعم سوق العقارات في منطقة الخليج.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.