وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التقارب بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية

التقارب اسرائيل
الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي (يسار) والسفير الاسرائيلي السابق دور غولد يتصافحان في حفل مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن في يونيو 2015، حيث كُشف لأول مرة بوادر التقارب في العلاقات السعودية الاسرائيلية. Photo C​ouncil​ on F​oreign ​R​elations.

تسببت تقارير بتورط إسرائيل في نقل مصرإثنتين من الجزر غير المأهولة بالسكان في البحر الأحمر إلى سيادة المملكة العربية السعودية في أوائل أبريل 2016 بضجةٍ في العالم العربي بشكلٍ عام وقوبلت باحتجاجاتٍ عنيفة من قِبل المصريين على وجه الخصوص. ولكن في إسرائيل، سلّطت الضوء بهدوء على تعاملات الحكومة السرية والانتقائية مع المملكة العربية السعودية.

وكما ينظر المحللون إلى النتائج المنتظرة على إسرائيل للسيطرة السعودية على الجزيرتين، تيران وصنافير، اللتين تقعان على مدخل خليج العقبة وهو طريق شحن غاية في الأهمية لكلٍ من الإسرائليين والأردنيين على حد سواء، أكدّ وزير الدفاع موشيه يعالون للصحفين الاسرائليين بتلقيه وثائق رسمية تضمن مواصلة سماح المملكة العربية السعودية للإسرائليين بحرّية المرور في المنطقة، حيث صرّح ” توصلنا لاتفاق بين الأطراف الأربعة- السعوديين والمصريين وإسرائيل والولايات المتحدة- لنقل المسؤولية عن الجزر بشرط أن يفي السعوديون بواجبات المصريين في الملحق العسكري لمعاهدة السلام (بين مصر واسرائيل).”

وفي مصر، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لوسائل الإعلام أن بلاده لن يكون لها أي علاقات مباشرة مع إسرائيل. ومع ذلك، قال ان بلاده تلتزم باحترام الاتفاقات السابقة بين مصر والمجتمع الدولي، في إشارة إلى معاهدة السلام.

ظاهرياً، قد يبدو الأمر وكأن المملكة العربية السعودية وإسرائيل من ألدّ الأعداء، بل في الواقع لم يسبق أن كان هناك أي علاقات دبلوماسية بين الطرفين. ففي النهاية، لطالما دعم السعوديون القضية الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، يقول الاسرائيليون انهم محاصرون من قِبل المتطرفين المسلمين، وأنّ العديد من هؤلاء المتطرفين تحركهم الأيديولوجية الوهابية المتعصبة التي ولدت ونشأت في المملكة العربية السعودية.

 ولكن في الحقيقة، يملك هذان الخصمان القديمان العديد من القواسم المشتركة وأصبحا أغرب الرفقاء. لديهما أهداف مشتركة عندما يتعلق الامر بسوريا وحزب الله. لكن السبب الرئيسي وراء هذا التقارب المتبادل، ربما العداء المشترك تجاه ايران.

خرجت بوادر هذا التقارب للعلن أول مرة في حفل مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن في يونيو من عام 2015، عندما شارك كبار المسؤولين السعوديين والإسرائيليين السابقين المسرح لأول مرة، كاشفين عن عقد البلدين سلسلة من اللقاءات السرية لمناقشة أهدافٍ استراتيجية، وبخاصة فيما يتعلق بالصعود الاقليمي الملموس لإيران.

في الحفل، دعا الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي علناً إلى تغيير النظام في إيران، في حين تحدث دوري غولد، السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، وأحد أشد المنتقدين للمملكة العربية السعودية في السابق عن تواصله مع البلاد في السنوات الأخيرة، وإمكانية حل الخلافات المتبقية بين البلدين. فقد قال “وقوفنا على المسرح اليوم لا يعني أننا توصلنا لحلٍ لجميع الخلافات التي يتقاسمها البلدين على مر السنين، إلا أن لدينا أمل بالتمتع بالقدرة على معالجتها بشكلٍ كامل في السنوات المقبلة.”

وبالمثل، اتخذ الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق وسفير المملكة السابق في واشنطن، خطوة غير مسبوقة بنشر افتتاحية في صحيفة اسرائيلية كبيرة تدعو للسلام بين اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبينما انتهجت إدارة أوباما الإنفراج في العلاقات مع إيران في السنوات الأخيرة، ظهرت تقارير تشير إلى التعاون الأمني السري بين اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.

وفي 5 مايو من عام 2016، تحدث الأمير تركي ويعقوب عميدرور، وهو جنرال اسرائيلي متقاعد وكبير مستشاري الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، معاً في واشنطن العاصمة في مناظرة نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهي منظمة مؤيدة لإسرائيل بتمويل من المانحين في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك). وأظهر هذا الحدث، الذي بُث على الهواء مباشرة، أن سرالمملكة العربية السعودية وإسرائيل قد خرج أخيراً إلى العلن بإرادتهما.

مظهرٌ آخر من مظاهر هذا التحالف الذي بات اليوم أقل سرية ، تجلى عندما أوقف قمر عربسات، المملوك جزئياً من قِبل الحكومة السعودية، بث تلفزيون المنار المملوك من قِبل حزب الله اللبناني، في ديسمبر 2015. وفي مارس 2016 أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي التي يُسيطر عليها السعوديون وضع حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، مما صب المزيد من الزيت على العلاقات المتوترة بالفعل بين الممالك السُنيّة في المنطقة، والحليف الرئيسي للحركة الشيعية اللبنانية، إيران. ويعتبر حزب الله بالتأكيد، عدواً لدوداً لإسرائيل فضلاً عن كونه إحدى الجماعات الموالية لإيران في المنطقة. فقد أصبح من شبه المؤكد أن التحرك السعودي أصبح موضع خلافٍ بين القوتين الاقليمتين، إيران والمملكة العربية السعودية، ذلك أن حزب الله منخرط بكل ما أوتي من قوة بدعم الرئيس السوري المحاصر، بشار الأسد.

وعلى الرغم من الدلائل المتزايدة على الانفراج في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، لا يزال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قضية شائكة، ولو ظاهرياً.

“إن بناء العلاقات مع هذه الدول يصب في صالح إسرائيل، ولكن ما لم يتم تسوية القضية الفلسطينية أو على الأقل محاولة العمل من أجل السلام، سيكون هناك حاجز،” صرّح موشيه ماعوز، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس لصحيفة واشنطن بوست. وأضاف “جميع الدول العربية والإسلامية حساسة للغاية تجاه القضية الفلسطينية.”

وخلال اجتماعه مع يعقوب عميدرور في مايو 2016، قال الأمير تركي أن “التعاون العربي مع إسرائيل من شأنه أن يتحسن في حال تم حل خلافها المستمر منذ عقود مع الفلسطينيين.” كما عاد الأمير إلى القضية مراراً، منتقداً وجود إسرائيل في الضفة الغربية ورابطاً القضية بسلامٍ أوسع في الشرق الاوسط. وأضاف تركي “ينبغي رفع الاحتلال، كما ينبغي أن يكون للفلسطينين دولة خاصة بهم.”

ولكن صرح عميدرور أن الفلسطينيين أنفسهم من يعرقلون العملية، مجادلاً أن الخطأ منذ البداية تمثل في تسليم العالم العربي للفلسطينيين زمام إيجاد حلٍ للعلاقات مع إسرائيل، حيث أن هذا عرقل بشكلٍ فعّال إحراز أي تقدم. وقال عميدرور لتركي “أن على الدول العربية التعاون مع إسرائيل بدلاً من أن تملي عليها الأوامر.”