وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”

John Kerry and Putin meet in Moscow
استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل لقائهما الثنائي في الكرملين في موسكو، روسيا, 15 ديسمبر 2015. Photo State Department photo/SIPA

التحالف الرئيسي الناشىء أخيراً في عام 2015 في الشرق الأوسط هو الوحيد بين متنافسين تاريخيين، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. ولكن، يبدو أنّ القوى العالمية المؤثرة، المدعومة من الدول الأوروبية الرئيسية، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، اتفقت على منح الأولوية في هذه المرحلة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف “داعش،” الذي وسّع أهدافه بطريقة لم يسبق لها مثيل والذي لم يعد يشكل فقط تهديداً إقليمياً بعيداً عنها.

UN Security council casts a vote on the war in syria
وزيرة الخارجية الامريكية جون كيري وزعماء أجانب يدلون بصوتهم خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول سوريا، 18 ديسمبر 2015، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك. Photo State Department photo

فبعد اجتماعات مطوّلة في موسكو في ديسمبر 2015 بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سيرغي لافروف، صوّت مجلس الأمن بالإجماع للمرة الأولى منذ خمس سنوات على القرار الذي وضع جدولاً زمنياً لإنهاء الصراع في سوريا وتشكيل حكومة جديدة. وفي حين أن القول أسهل من الفعل، إلا أنّ هذه هي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، التي لم تستخدم فيها روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع اتخاذ قرار إلى جانب وضع خطة لإنهاء الحرب في سوريا.

وعلى صعيدٍ آخر، ضغطت كل من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا أيضاً على الأطراف المتحاربة للجلوس على طاولة المفاوضات في كلٍ من ليبيا واليمن، وهي دولٌ سمحت فيها الفوضى الداخلية بازدهار “داعش” وتنظيم القاعدة وإيجادهما ملاذات آمنة، مما يشكل خطراً على المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة الامريكية، سواء كان ذلك عن طريق الإرهاب أو تدفق اللاجئين. ومن الواضح أن تحطم الطائرة الروسية بعد إقلاعها بوقتٍ قصير من مطار شرم الشيخ في 31 أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها الـ224 في هجومٍ إرهابي أعلنت “داعش” المسؤولية عنه، بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية في باريس في 13 نوفمبر المنصرم والذي تسبب بمقتل 130 شخصاً، والذي أعلنت “داعش” أيضاً المسؤولية عنه، وإطلاق النار في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا من قِبل متعاطفين مع “داعش،” قد أقنع القوى العالمية أن عليهم التصرف في الحال لهزيمة الجماعة المتطرفة في سوريا والعراق.

ومع ذلك، فإن التحدي الأكثر جديّة الذي سيواجه تلك الجهود المتجددة يتمثل في إقناع القوى الإقليمية المتحاربة في التعاون والاتفاق على تخطي الخصومات العرقية والدينية والتاريخية المتجذرة والتي أدت إلى استمرار الحروب في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في أوائل عام 2011. وتعاني أيضاً مصر وتونس، اللتان افتتحتا موجة الثورات العربية ضد الرؤساء الاستبدادين الذين سيطروا على المشهد السياسي على مدى عقود من الزمن، من مشاكل أمنية وسياسية واقتصادية خطيرة. ومع ذلك بقيت دون تقسيم و دون قصفٍ وانفجارات يومية أو دعواتٍ لنشر قوة سلام دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن.

بل يمكن القول أنّ تفكك ما يُسمى “الدولة الوطنية” بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003 بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للبلاد، والإطاحة العنيفة بمعمر القذافي، الزعيم الليبي الذي قاد البلاد لأكثر من أربعين عاماً، والحروب الأهلية في سوريا واليمن، فتح الأبواب على مصراعيها أمام تدخل القوى الإقليمية لإعادة تشكيل هذا الجزء المضطرب من العالم، وحتى إعادة رسم خرائط لدولها التي تم ترسيمها قبل قرن من الزمان من قبل القوى الاستعمارية السابقة، بريطانيا وفرنسا.

تعتبر إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، القوى الإقليمية الرئيسية التي تتنافس على الهيمنة وتأجيج الحروب المستمرة، فضلاً عن دول الخليج الصغيرة الغنية بالنفط، وخاصة قطر والإمارات العربية المتحدة، التي ظهرت أيضاً في السنوات الأخيرة كلاعبين مهمين، وذلك أساساً عن طريق تمويل مختلف الأطراف المتحاربة في سوريا وليبيا واليمن. ومع ذلك، يبقى تأثيرهم محدوداً مقارنةً بالقوى الإقليمية الرئيسية الثلاث، التي تعتبر موافقتها ضرورية لإعطاء الأولوية لمحاربة “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما تطلب كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وأوروبا.

التوترات الطائفية

وفي خطوة مُثيرة للدهشة، عقد محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، مؤتمراً صحفياً في الثانية صباحاً بتوقيت الرياض في 15 ديسمبر 2015 للإعلان عن تشكيل ما سُميّ التحالف الإسلامي لمحاربة “المنظمات الإرهابية” في المنطقة. وكانت جميع الدول التي ذكرها الأمير السعودي دول “سُنيّة،” حيث تم استثناء إيران والعراق، ذات الأغلبية الشيعية من التحالف. وانتقدت كل من طهران وبغداد التحالف الجديد بشدة، قائلةً أنه يعمل فقط على إشعال الحرب الطائفية المتنامية ففبعد اجتماعات مطوّلة في موسكو في ديسمبر 2015 بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سيرغي لافروف، صوّت مجلي المنطقة.

ومع ذلك، تكمن المفارقة في أنّ العديد من الدول “السُنيّة” الرئيسية التي ذكرت من قبل السعودية كأعضاء في التحالف الإسلامي أعلنت أنها لم تتم استشارتها في وقتٍ سابق وأنه ليس لديها أي خطط لإرسال قواتها للقتال تحت مظلة قيادة مشتركة بقيادة الرياض، كما صرّح محمد بن سلمان. وقالت كل من مصر وباكستان وتركيا واندونيسيا ونيجيريا وسلطنة عمان ولبنان، أي جميع البلدان التي تتلقى الدعم المالي السعودي السخي بدرجات متفاوتة، أنهم رحبوا بالجهود السعودية ولكنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لمناقشة المُقترح.

وتحت قيادة رجب طيب أردوغان، وهو رئيس سُنيّ معروف بنزعته نحو الجماعات الإسلامية السياسية، لا يبدو أن تركيا على استعداد لإغضاب جارتها إيران من خلال مشاركة قواتها في التحالف بقيادة السعودية، على الرغم من تأكيدها عضويتها في التحالف. بل تتمتع تركيا وإيران بعلاقات اقتصادية مزدهرة، فضلاً عن قلقهما الشديد بالميل المتزايد للأقليات الكردية في بلدانهم لتشكيل دولة مستقلة مع نظرائهم في العراق وسوريا. وعلى الرغم من التنسيق المكثف بين تركيا والمملكة العربية السعودية، إلا أن أنقرة، من غير المرجح، أن تقبل بأن تقودها الرياض كقوة إقليمية. كما تفتخر تركيا أيضاً بقبولها التنوع فضلاً عن وجود أقلية شيعية في البلاد، لذا من غير المحتمل انضمامها لمثل هذا التحالف الطائفي الصريح.

المنافسة المعقدة بين تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، والتوقعات الطائفية المتزايدة للنزاع في سوريا، فتحت الباب لتقديم مُقترحات لإعادة رسم حدود دول المنطقة، وربما الذهاب إلى حد اقتراح إنشاء دولة “سُنية” جديدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة “داعش” في سوريا والعراق ودولة كردية. وبينما لا تعاني دول مثل ليبيا من أنواع التقسيم الطائفي الذي يسود في سوريا والعراق واليمن، إلا أنه يتم استبدال هذا بالخصومات القبلية التي تُشرّع الأبواب أمام انقسامات محتملة في هذه البلدان.

وقال مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه أنه من غير المحتمل عودة المنطقة إلى سابق عهدها في أعقاب الصراعات الحالية. “انتهى عهد الشرق الأوسط الذي عهدناه، وأشك في عودته،” صرّح في مؤتمر دولي في واشنطن في نوفمبر 2015. وأضاف “نرى أن سوريا مقسّمة بالفعل على أرض الواقع، وأن النظام لا يُسيطر سوى على جزء صغير من البلاد، فقط ثُلث البلاد التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية.” “يُسيطر الأكراد على شمال البلاد، وكذلك هو الأمر في العراق،” أضاف باجوليه، حيث قال أيضاً “أشك حقاً في إمكانية العودة إلى الوضع السابق.” ومع ذلك، صرّح بأنه “واثق” من استقرار المنطقة مرة أخرى يوماً ما.

كما أيّد نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بينما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ديلاوير، تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سُنيّة وشيعية وكردية، من أجل احتواء الغزو الفاشل للبلاد بأمر من الرئيس الأمريكي السابق آنذاك جورج بوش في عام 2003. ومن ثم تخلى عن هذا المطلب بعد توليه منصبه الجديد في إدارة الرئيس باراك أوباما، كما أن تركيا، على سبيل المثال، ستبذل قصارى جهدها لمنع إقامة دولة كردية مستقلة. ومع ذلك، يعتقد العديد من المحللين في الوقت الراهن أنّ الخطاب الكلاسيكي بالحفاظ على “سلامة ووحدة أراضي” الدول القومية الحديثة في الشرق الأوسط، قد يُصبح أمراً من الماضي ولن يساهم في تحقيق الهدف الرئيسي بهزيمة “داعش.” كما يتساءل الكثيرون عما إذا طُرحت هذه السيناريوهات على الطاولة عندما عقد كيري وبوتين لقائهما في موسكو في 15 ديسمبر2015.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles