وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد هجوم الأهواز، تداعيات الهجوم الإرهابي في إيران

Iran- Ahvaz attack
جندي إيراني يحمل زميله المصاب في مسرح هجومٍ على عرضٍ عسكري يُصادف ذكرى الحرب المدمرة مع نظام صدام حسين في العراق والتي استمرت من عام 1980 وحتى عام 1988. حصل الهجوم في 24 سبتمبر 2018، في مدينة الأهواز الواقعة جنوب غرب إيران. Photo AFP

لم ينسَ الإيرانيون قط تاريخ 22 سبتمبر 1980، الذي شهد بداية واحدةٍ من أطول الحروب وأكثرها دمويةً في تاريخ البلاد- الحرب بين إيران والعراق. كلّفت هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات الشعب ما يُقارب نصف مليون “شهيد” فضلاً عن مئات المليارات من الدولارات. وبالمثل، سيتذكرون لعقودٍ من الزمان التاريخ نفسه، في “أسبوع الدفاع المقدس” بعد 38 عاماً، في عام 2018، باعتباره أحد أكثر الهجمات الإرهابية المروعة التي ضربت إيران في العقود الأخيرة. فقد شهد حوالي 100 مواطن إيراني الهجوم، قُتل منهم 25 شخصاً، بينهم محمد طه أقدامي البالغ من العمر أربعة أعوام. ففي الساعة التاسعة من صباح يوم 24 سبتمبر 2018، في مدينة الأهواز الواقعة جنوب غرب إيران، فتح أربعة مسلحين النار على عرضٍ عسكري إحياءً لذكرى اندلاع الحرب الإيرانية العراقية؛ وهو احتفالٌ سنوي يُقيمه الإيرانيون منذ انتهاء الحرب عام 1988. وبالرغم من أن الهجوم لم يستمر سوى 12 دقيقة إلى أن تمت تصفية جميع المهاجمين، إلا أنه من المحتمل أن تستمر تداعياته لسنواتٍ قادمة.

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي. وفي حال تأكد ذلك، يكون هجوم الأهواز ثاني هجومٍ لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عقر الأراضي الإيراني وأكثرها دموية. ففي 7 يونيو 2017، ضرب أول هجومٍ مزدوج مبنى البرلمان الإيراني وضريح آية الله روح الله الخميني في طهران، مما أسفر عن مقتل 17 مدنياً وإصابة 43 آخرين. وبعد تعرض الشارع الإيراني للصدمة واشتعاله غضباً من الهجوم الجديد، بدأ الإيرانيون الآن يتسائلون “من فعل ذلك.” وبينما أعلن المتحدث باسم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز المسؤولية عن الهجوم، دحضت المنظمة فيما بعد هذا الإدعاء، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته وأصدر شريط فيديو للمهاجمين المزعومين. تمثل الخبر المُقلق بالنسبة للإيرانيين أن المهاجمين لم يكونوا جميعهم من الأجانب، بل من المواطنين الذين يبدو أنهم انضموا إلى صفوف التنظيم في السنوات الأخيرة. وبناءً على ذلك، ينبغي اليوم الأخذ بعين الاعتبار عواقب ذلك على المستويين الداخلي والخارجي، على حد سواء.

خارجياً، سيؤدي الهجوم إلى سياسةٍ إقليمية أكثر حزماً، ذلك أنها ستهمش المعتدلين الذين يدعون إلى الحوار وستقوّي العناصر المتطرفة ذات التوجه الثوري داخل النخب السياسية والعسكرية الإيرانية. وبصرف النظر عن داعش، الذي لم تعتبره الحكومة الإيرانية مطلقاً فاعلاً مستقلاً، بل وكيلاً، أو على الأقل تنظيماً مدعوماً من الولايات المتحدة وحلفائها، توجهت أصابع الاتهام لآخرين. فقد أثارت تغريدةٌ واحدة من قبل محلل سياسي إماراتي، يعتقد أنه مستشارٌ لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، خلافاً حاداً بين الإمارات العربية المتحدة وطهران، إذ قال “الهجوم على هدف عسكري ليس بعمل ارهابي ونقل المعركة الى العمق الايراني خيار معلن [من قِبل الإمارات والسعودية]، وسيزداد خلال المرحلة القادمة.” وعليه، غضب الإيرانيون من موقفي البلدين، وبالأخذ بعين الإعتبار قرب المحلل السياسي من محمد بن زايد وانخفاض مستوى حرية التعبير في الإمارات، سرعان ما خلص معظم المسؤولين الإيرانيين إلى أن هذا مجرد انعكاسٍ لما صرح به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في مايو 2017، إذ قال: “سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية.”

وبالتالي، بدأ سيلٌ من الردود الغاضبة، على المستويين الرسمي وغير الرسمي، يجتاح الأخبار ويغرق وسائل التواصل الاجتماعي. وكان محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، أول مسؤولٍ رسمي يرد، إذ قال، “ستندم بشدة على ذلك.” في حين زعم المرشد الأعلى لإيران، آية الله خامنئي، أن الهجوم جاء وفقاً لـ”مؤامرات الدول الدمى الأمريكية في المنطقة التي تهدف إلى زعزعة استقرار بلادنا الحبيبة.” بينما قال الرئيس حسن روحاني: “نحن نعرف بالضبط من هم [المهاجمين] ومن يدعمهم.” كما ذكر أن “أولئك الذين يدعمون هؤلاء الإرهابيين… يجب أن يحاسبوا.” وتشير هذه التصريحات، بالإضافة إلى العديد من التصريحات التي أدلى بها شخصيات عسكرية وسياسية، إلى أن إيران ترى أن الهجوم يتماشى مع الخصومات الإقليمية والضغوط الأمريكية المتصاعدة ضد طهران. وعلى هذا النحو، على الرغم من أن إيران استدعت سفراء هولندا وإنجلترا والدنمارك للاحتجاج على وجود وأنشطة حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في بلدانهم، انصب اللوم الرئيسي على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

التأثير الواضح خارجياً هو توطيد السياسة الخارجية الثورية، التي تصر على ضرورة مواجهة “العدو” خارج إيران وعدم مواجهته في الداخل. هذه الحجة معروفة بشكلٍ جيد في إيران، وقد طرحها المرشد الأعلى وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، مراراً وتكراراً. ومن ناحيةٍ أخرى، لا يملك المعسكر المعتدل ما يقدمه عندما يتصاعد التوتر، وخير مثالٍ على ذلك عندما اجتاح الربيع العربي الشرق الأوسط، إذ أنه بعد ذلك، عزز فيلق القدس ذو التوجه الثوري موقفه في صياغة السياسة الإقليمية الإيرانية القائمة على الأمن، وبفعل ذلك، قام بتطوير وتعزيز رؤيته الخاصة لسياسة “الدفاع الأمامي” – والتي يمكن تلخيصها على أنها قتال خارج إيران لمنع اقتراب التهديدات من الحدود الايرانية.

وعلى الرغم من رفض جميع الدول الثلاث التي ذكرها المسؤولون الإيرانيون بكونهم داعمين لهجوم الأهواز- الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية– لهذا الادعاء، إلا أنه سيكون من الصعب على طهران ألا تنتقم من داعش بطريقةٍ أو بأخرى. ففي هجوم عام 2017 في طهران، انتظر الحرس الثوري 11 يوماً فقط قبل إطلاق الصواريخ ضد أهداف لداعش في سوريا. ومع هزيمة داعش، سيأتي الانتقام بنفس السرعة. ففي ليلة الأول من أكتوبر، أي بعد تسعة أيامٍ من هجوم الأهواز، شن الحرس الثوري الإيراني هجوماً صاروخياً أصاب أهدافاً لداعش في منطقة البوكمال في سوريا. وإلى جانب الصواريخ، شاركت طائراتٌ إيرانية بالهجوم أيضاً، وتعتبر هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران طائراتٍ بدون طيار في مثل هذه العملية. ووفقاً لرئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقر، لم تكن هذه سوى المرحلة الأولى من الانتقام، إذ صرّح أنه يتوقع أن تكون هناك المزيد من المراحل القادمة. وعلى هذا النحو، من المتوقع أن تركز إيران، خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على عملاء داعش داخل وحول أراضيها. فقد أعلنت السلطات الأمنية الإيرانية بالفعل اعتقال 22 من أعضاء تنظيم داعش المشتبه بهم في إيران. ومع ذلك، بما أن داعش ليست طرفاً مستقلًا وفقًا للمسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين، فمن المتوقع أن تزيد إيران من الضغط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- على الأرجح من خلال القضايا الإقليمية، بما في ذلك اليمن.

أما داخلياً، فمن المتوقع أن يؤثر الهجوم على التوازن بين الفصائل داخل إيران، وذلك بزيادة السياسة ثنائية القطب في البلاد، أي في الحقيقة الحدّ من الأصوات المعتدلة في الداخل. في الواقع، لطالما خدم ازدياد الاستقطاب المعسكرات الثورية والمحافظة، الذي يأتي على حساب المخيمات المعتدلة والإصلاحية. ففي الأوقات ذات الأهمية الوطنية، يأخذ المزاج العام تحولاتٍ مماثلة. وبالإضافة إلى ذلك، ومع تردد صدى حججهم الإقليمية والداخلية في جميع أنحاء إيران، أيقظ الهجوم بالفعل فرص الثوريين والمحافظين في الإنتخابات المقبلة. ولهذا السبب اتخذت الشخصيات المعتدلة، بمن فيهم أولئك في حكومة روحاني، موقفاً أكثر صرامة للحفاظ على استحسانهم لدى العامة وارتباطهم بالقضية.

وإلى جانب هذه التداعيات، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الهجوم وقع في مقاطعةٍ ذات أغلبية شيعية كبيرة، فإن نجاح داعش في جذب وتجنيد المهاجمين، الذين يبدو أنهم قد تبنوا الوهابية، ليس مجرد علامةٍ على خرقٍ أمني، بل هو مؤشرٌ على أن المجتمع الإيراني قد أصبح أكثر تأثراً. وإلى جانب جهودها الرامية إلى السيطرة على الأضرار الداخلية والخارجية وحفظ ماء الوجه، تواجه الجمهورية الإسلامية تهديداً صعباً: فداعش باتت تتسلل إلى أراضيها، ليس فقط عبر الحدود المليئة بالثغرات، بل أيضاً باستقطاب ش


بابها الغاضب. ويمكن أن يتحول هذا إلى أحد أكبر التحديات التي تواجه إيران في العقود الأربعة منذ ثورة 1979.