وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

“لبنان: “جمهورية القمامة

Trash crisis in Lebanon
متظاهرون لبنانيون يرتدون أكياس قمامة وأقنعة لوزراء الحكومة اللبنانية خلال مظاهرة ضد أزمة القمامة الجارية، في ساحة الشهداء في وسط بيروت, لبنان, 8 أغسطس 2015. Photo Bilal Hussein

في 17 يوليو 2015، تم إغلاق مكب نفايات الناعمة في لبنان بعد ضغوطاتٍ من قِبل سكان المنطقة. وكان من المفترض أنّ يكون مكب نفايات الناعمة مؤقتاً: فقد تم اختياره عام 1998 للتخلص من مليوني طن من النفايات لمدة ست سنوات، وذلك ضمن الاتفاقية التي أقرتها الحكومة اللبنانية لتمنح نفسها الوقت الكافي لإرساء خطة طويلة الأمد حول إدارة النفايات بعد إغلاق مكب نفايات برج حمود عام 1997.

وبعد سبعة عشر عاماً، تجاوز مكب الناعمة قدرته الاستيعابية بما يصل 13 مليون طن. وبعد سنوات من الشكاوى التي قدمها سكان المنطقة، والتي تم تجاهلها بشكلٍ تام من قِبل الحكومات المتعاقبة، فاض الكيل بأهالي المنطقة عام 2014 وعمدوا إلى قطع الطريق إلى المكب لمنع شاحنات شركة سوكلين (الشركة التي تم التعاقد معها لإدارة النفايات في بيروت وجبل لبنان منذ عام 1994) من إلقاء القمامة هناك. وفي ضوء ذلك، وعدتهم الحكومة بالتوصل إلى حل في غضون عام. ومضى العام ولم يطرأ أي تغيير يذكر، مما دفع سكان منطقة الناعمة والقرى المحيطة بها إلى إغلاق مدخل المكب مرة أخرى في يناير 2015. وهذه المرة، أقنعت الحكومة المحتجين بإخلاء الطرقات ووعدت بتقديم حل في غضون ستة أشهر، ولكن مرة أخرى، فشلت الحكومة في الوفاء بوعدها.

أدى آخر إغلاقٍ للمكب، في يوليو 2015، إلى تفجر الغضب الشعبي في لبنان، حيث نُظمت احتجاجات خارج مبنى البرلمان فضلاً عن استنكار الإعلام عدم كفاءة الحكومة في التعامل مع الأزمة. ولكن أصبح من الواضح أنه على مدى السنوات الثماني عشر الماضية، لم تخرج الحكومة بحل مناسب لإدارة النفايات، بل في الواقع لم تبحث عن حلٍ في المقام الأول.

والنتيجة هي أنّ العاصمة اللبنانية وجبل لبنان باتت تغرق بالنفايات، وأصبحت الرائحة التي لا تُطاق، والتي ملأت الأجواء تحت أشعة الشمس الحارقة، تدمر المواطنين وألحقت أضراراً بقطاعيّ السياحة والحياة الليلية التي تعاني بالفعل.

مساءلة الحكومة

جهورية لبنان بدون رئيس منذ مايو 2014، كما أن البرلمان مدد ولايته مرتين، بشكل غير دستوري، بعد أن فشلت الحكومة في الاتفاق على قانون الانتخابات الجديد الذي من المفترض أن يضبط الانتخابات البرلمانية لعام 2012، حيث انتهى الأمر بتأجيلها إلى أجلٍ غير مسمى. وبكل تأكيد، فشلت الحكومة المؤقتة الحالية في معالجة قضية القمامة، إلا أن فشلها ليس سوى جزء من المشكلة، إذا أنّ المتهم الرئيسي في أزمة القمامة هو النظام السياسي والاجتماعي اللبناني. في واقع الأمر، إنّ أزمة القمامة تبلغ من العمر عقدين من الزمان ولم يتم تناولها قط، كما فشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في الحفاظ على المعايير الدولية، سواء كانت بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية، أو في مجال الأمن. وقد أدى تراكم الأزمات كنتيجة لهذا الفشل المستمر إلى تفاقم قضية القمامة اليوم.

يكمن قلب المشكلة في أن لبنان يعاني من نقص في مساءلة الحكومة. وصنف أحدث تقرير للتنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لبنان في المرتبة الرابعة على العالم من حيث الكفاءة الحكومية وأسوء أو أعلى من الأسوء بقليل في العالم في فئات “الأخلاق والفساد،” و”ثقة الجمهور بالسياسيين،” و”تبذير الإنفاق الحكومي،” بينما وصف تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية الفساد في لبنان بمثابة الداء المتواصل الذي يؤثر على الحكومة والمجتمع على حد سواء.

وفي بلادٍ غالباً ما يتم فيها نشر تقارير حول دخول سياسييها في نزاعاتٍ حول مكاسبهم الشخصية، دون إيلاء أي اهتمام للحكم، بات لبنان يفتقر إلى البنية التحتية الملائمة للتعامل مع الأزمات. ويعتبر انعدام المساءلة من قِبل جميع الحكومات السابقة عاملاً أساسياً في الطريقة التي تصرفت بها الحكومة الحالية في مواجهة أزمة القمامة. إن تمديد العمر الافتراضي لمكب الناعمة لمدة عام ومن ثم لمدة ستة أشهر إضافية، لم يكن القصد منه قط حل المشكلة، ولكن ببساطة نسيانها، كما جرت العادة في لبنان منذ عقود.

ووفقاً للوزير السابق، شربل نحاس، تكمن المشكلة الرئيسية في أن شركة سوكلين كانت دولة داخل دولة والتي تم “أبقاؤها لمصالح مشتركة من جميع الأطراف السياسية،” من جميع الانتماءات الطائفية والمذهبية، “ولكن هذا النظام (تقاسم الكعكة السياسية) بدأ ينهار،” بسبب سيادة المصالح الفردية. ونتيجةً لذلك، سارع الساسة في الحكومة الحالية إلى تقسيم شبه الدولة المركزية هذه إلى دول منفصلة بحيث “يملك كل منهم سوكلين خاصة به.” ووفقاً لنحاس، أدى هذا إلى نزاع بين المستفيدين، واستخدم البعض قضية مكب الناعمة كأداة للضغط. وشكك نحاس بتفاقم القضية في الوقت الراهن فقط، على الرغم من أنّ المشكلة قائمة منذ أكثر من 11 عام. ومن وجهة نظره، الأمر ببساطة مسألة ضغط سياسي بين الأطراف المتنازعة: “لا يهتمون إذا ما غرق الناس في القمامة، ولا يهتمون بشأن الثلاثة آلاف موظف الذين باتوا عاطلين عن العاملين حالياً بسبب توقف سوكلين عن العمل، ولا يهتمون أيضاً لمعرفة من يملك بالضبط جميع هذه الشاحنات والحاويات والمعدات… لا بد أن يستيقظ اللبنانيون ليدركوا أنّ الأمر لا يتعلق فقط بالقمامة.” المحتجون الذين خرجوا إلى الشوارع، والذين تتزايد أعدادهم مع كل احتجاج ولو ببطء، يدركون تماماً حقيقة هذه النزاعات.

غياب الحكم

لو أن نظام الحكم في لبنان لم يكن معطلاً، لتم تشكيل لجنة أزمات عاجلة للتعامل مع الوضع، والسيطرة على الضرر، والخروج بحل على المدى القصير، ومن ثم وضع خطة طويلة الأجل والبدء في تنفيذها. وعلى الرغم من أنّ هذه الأزمة لم تحدث بشكلٍ مباشر بسبب الحكومة الحالية المشلولة، إلا أنه تم تضخيمها بسببها، وأصبح من الواضح شعور المواطنين اللبنانيين الاعتياديين بعدم الكفاءة المطلقة لقادتهم السياسيين. مستقبل هذه القضية، كحال مستقبل البلاد بأكملها، يبدو غير واضح المعالم على الإطلاق. ويخشى كثيرون من تأثير الدومينو، الذي قد يغرق البلاد في سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية مع عدم وجود آلية لاحتوائها.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles