وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الثورة التونسية تدخل المرحلة الثانية مع ظفر قيس سعيّد بالنصر في الإنتخابات

فوز قيس سعيّد
تونسيون يحتفلون بفوز قيس سعيّد في ١٣ أكتوبر ٢٠١٩ في العاصمة تونس. Photo: Fethi Belaid / AFP

استغل التونسيون الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2019 للخروج بربيعٍ سياسي جديد، فقد تم استبدال الممثلين الوسطيين التقليديين الباليين، الذين يجسدهم الرئيس “الحداثي” السابق الباجي قائد السبسي، الذي توفي في يوليو، وحزبه نداء تونس، بالمرشح المستقل قيس سعيّد ومجموعة واسعة من الأحزاب القومية المناهضة للمؤسسة الحاكمة.

وقال أمين السنوسي، العالم السياسي والمُدوّن البالغ من العمر 21 عاماً لنا في فَنَك، “نحن ندخل مرحلةً ثانية من ثورة عام 2011.” وأضاف “أولئك الذين كانوا في ذلك الوقت في طليعة ثورات العدالة الاجتماعية لم يلاحظوا أبداً أي تغييرٍ في ظروف معيشتهم.”

ومع انتخاب أستاذ القانون السابق سعيّد، الذي شارك في انتفاضات عام 2011، اختار التونسيون مرةً أخرى انفصالاً جذرياً عن الماضي. وبصفته محافظاً ومدافعاً قومياً عن الديمقراطية المباشرة، فإن الزعيم الجديد نقيضٌ للسبسي.

ففي الانتخابات السابقة في عام 2014، كان يُنظر إلى السبسي باعتباره سياسياً مخضرماً (خدم في عهد كل من الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي) الذي كانت خبرته ضرورية لضمان الاستقرار والحفاظ على هوية تونس باعتبارها “الاستثناء الليبرالي في العالم العربي.”

ووفقاً لعالم الاجتماع والكاتب والسياسي السابق عزيز كريشان، فإن الفجوة بين المواطنين والسياسيين ظلت كما هي خلال السنوات الثماني الماضية. وقال لفَنَك، “إن الأحزاب السياسية الحالية، بما في ذلك أحزاب المعارضة، تأسست بعد الثورة من قبل النخب القديمة التي ما زالت منفصلة عن الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع في عام 2011.” وأضاف “مجتمعنا الحالي في مسارٍ تصادمي مع المؤسسة الحاكمة. نحن في مرحلة تحول. هناك بدائل جديدة ذات رؤية واضحة للاقتصاد قيد التطوير لكنها لا تزال غير ناضجة.”

ومع تجاوز معدل البطالة الـ40% في بعض المناطق، والديون العامة البالغة حوالي 89% وفقدان القوة الشرائية بنسبة 40% أو أكثر، تدهور اقتصاد البلد، الذي يعدّ أحد القوى الدافعة وراء ثورة 2011، إلى حدٍ كبير.

“من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد، علينا التراجع عن إرث تاريخٍ طويل من الاستعمار والديكتاتوريات،” أوضح كريشان. وأضاف “التحديات هائلة. فكر في الاستبعاد الاقتصادي المتجذر للمزارعين والعمال غير الرسميين، والأجور المنخفضة، والاعتماد المتزايد على الموارد الأجنبية، واقتصاد الظل.”

ففي عام 2014، انتخب التونسيون حزب نداء تونس الليبرالي في محاولةٍ لوقف صعود حزب النهضة الديمقراطي. أسفرت هذه المعركة التي تمت بجهودٍ ذاتية بين القوى السياسية المعادية عن انتصار الليبراليين على الإسلاميين الديمقراطيين.

ومع ذلك، فإن الاقتتال الداخلي داخل أروقة حزب نداء تونس منعت الحكومة السابقة من المضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية وربما ساهم في الانخفاض الحاد في إقبال الناخبين من 70% في عام 2011 إلى 49% في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية 2019، و41% في الإنتخابات التشريعية و59% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

لكن السؤال الأهم الذي يلوح في الأفق حول مستقبل تونس السياسي يتمحور حول كيفية بناء حكومة أغلبية مستقرة؟ من المفترض أن التمثيل المرتفع للناخبين الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً ساعد حزب النهضة على الفوز في الانتخابات التشريعية، حيث حصل على 51 مقعداً من أصل 109 المطلوبة لحكومة الأغلبية (بانخفاضٍ عن 69 مقعداً في عام 2014). وجاء حزب قلب تونس المنشأ حديثاً، بقيادة رجل الأعمال المسجون نبيل القروي، في المرتبة الثانية بحصوله على 38 مقعداً، يليه حزب التيار الديمقراطي بـ21 مقعداً.

يتكون البرلمان التونسي الثاني المنتخب بحرية من مجموعة متنوعة من سبعة أحزاب متوسطة الحجم، تتراوح بين الديمقراطية الإسلامية والمناهضة للثورة إلى القومية اليسارية والسلفية، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الكيانات السياسية الصغيرة والقوائم المستقلة، ليصبح تشكيل تحالف أغلبية وكأنه مهمة مستحيلة.

وقال كريشان “تستعد تونس لفترة طويلة من ‘عدم الإستقرار الثابت‘.” وتابع القول، “عانت حكومتنا السابقة من الإفتقار إلى الرؤيا، وباعت مواردنا إلى دولٍ أجنبية وكررت العادة السيئة للأنظمة الدكتاتورية المتمثلة في الاستدانة من [صندوق النقد الدولي] والبنك الدولي. إن عواقب هذه السياسات على اقتصادنا مدمرة.”

كما اعترف خليل العميري، منسق البرنامج الانتخابي لحركة النهضة، بالبيئة السياسية التي يعتريها الغموض، إذ قال لنا في فَنَك، “نرى في فوزنا الفرصة الأخيرة،” وتابع “ضاق الناس ذرعاً باقتتال السياسيين ويريدون منا إنجازاً.”

كما أقرّ بتحديات تشكيل حكومةٍ مستقرة، بيد أنه يتوقع إيجاد أرضيةٍ مشتركة كافية لبناء تحالفٍ عملي مع أحزاب مثل “التيار الديمقراطي الاجتماعي” الذي اختار “من حيث المبدأ” أن يكون من أحزاب المعارضة، و”جميع الأحزاب الأخرى باستثناء قلب تونس والحزب الدستوري الحر المناهض للإسلاميين.”

وتابع: “عندما تكون هناك إرادة سياسية، فلا بد أنه من الممكن التوصل إلى توافقٍ في الآراء بشأن القضايا المحورية مثل محاربة الفساد، والعدالة الاجتماعية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.”

من جهته، يرى الباحث وأستاذ الفلسفة، ماهر حنين، مستقبلاً أكثر تشاؤماً للأحزاب السياسية، وبحسب قوله “حققت القوائم المستقلة نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية، وفاز جميع المرشحين المستقلين بجميع الانتخابات المتعاقبة الأخرى التي جرت بعد عام 2014. يشير هذا النمط إلى أن التونسيين يرفضون الأحزاب السياسية تماماً. يجب أن نأتي بشيءٍ جديد.”

على الرغم من بروز حركاتٍ سياسية جديدة، يبدو أن أياً منها لا يقدم منصة سياسية جوهرية قادرة على تسخير نشاط المتظاهرين الشباب في المدن المهملة خارج العاصمة تونس، والذين لا زالوا يتظاهرون يومياً من أجل تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، قال حنين “علينا أن نجد طريقةً لتنظيم تمثيلٍ سياسي فعال للشوارع التونسية.” وأضاف “هذا أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ويجب أن يكون محور عمل الأحزاب السياسية اليسارية.”