وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في إيران، مؤيدو حسن روحاني المعاد انتخابه يخشون تعرضه لضغوطاتٍ من المتشددين

Iran-Hassan Rouhani
الرئيس الإيراني حسن روحاني ملوّحاً بيده بعد أن ألقى خطاباً متلفزاً في العاصمة الإيرانية، طهران، في 20 مايو 2017. تظهر في الخلفية صورة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. Photo AFP

بشكلٍ عام، تعتبر الانتخابات الرئاسية في إيران من القضايا الساخنة. فقد كانت إعادة إنتخاب حسن روحاني الحاسمة في مايو 2017 انتصاراً كبيراً للأصوات المعتدلة وضربةً موجعة للمرشد الأعلى علي خامنئي. إلا أنه وبعد ثلاثة أشهرٍ من ولاية روحاني الثانية، يتساءل العديد ممن صوتوا له عمّا حصل لوعوده الإنتخابية.

ففي الأشهر التي سبقت الانتخابات، تدهورت العلاقة المتوترة في الأصل بين المرشد الأعلى والرئيس بشكلٍ ملحوظ. وفي رسالته التي وجهها بمناسبة السنة الايرانية الجديدة فى مارس 2017، وبخ خامنئي الحكومة على سجلها الاقتصادي الضعيف. وقبل ثلاثة أسابيع من الإنتخابات، انتقد روحاني بسبب الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 مع القوى الدولية (مجموعة 5+1) ونفى أهميتها للبلاد.

وفي مايو 2017، استنكر المتشددون توقيع روحاني على خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وهي دليلٌ غير ملزم قانوناً طرحته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) والذي يستهدف معايير التعليم، التي وفقاً لهم، يترتب عليها نتائج “غير إسلامية” على التعليم العام في إيران. ومرةً أخرى، انضم المرشد الأعلى إلى الركب، وندد بالخطة وموافقة الحكومة عليها. وبشكلٍ غير مباشر، كانت هذه الاحتجاجات محاولةً من المرشد الأعلى ومؤيديه، سيما الحرس الثوري الإيراني القوي الذي يتمثل دوره المُعلن في حماية نظام الجمهورية الإسلامية، لإضعاف روحاني ودعم منافسه الرئيسي، رجل الدين المحافظ والمتشدد إبراهيم رئيسي.

ودون سابق إنذار، غير روحاني سياسته، محولاً استراتيجيته التي كانت في السابق حملةً باهتة إلى حملةٍ هجومية وحماسية. وعليه، اعتمد خطاباً إصلاحياً ووعد بالمزيد من الحريات والحقوق المدنية والثقافية والسياسية للأقليات. وقد أثبتت الاستراتيجية فعاليتها بشكلٍ ملحوظ وأعيد انتخابه بأغلبيةٍ ساحقة.

بيد أن فوزه لم يُسفر سوى عن المزيد من التوتر في علاقاته مع المرشد الأعلى، الذي رفض تهنئته. وفي الشهرين التاليين، استمرت الحرب الكلامية بينهما. ففي 7 يونيو 2017، صُدم الإيرانيون عندما اقتحم مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية مبنى البرلمان وضريح آية الله الخميني. ومع ذلك، تجاهل المرشد الأعلى، فعلياً، الفاجعة وركز على خطابه المعدّ مسبقاً لانتقاد السياسات الثقافية للحكومة.

إذ قال “في بعض الأحيان تقع مراكز التفكير الرئيسية والمؤسسات الثقافية والسياسية بحالةٍ من الفوضى والركود، وعندما يحدث ذلك، يتعيّن على قادة الحرب الناعمة إدراك واجباتهم، واتخاذ القرارات، وإطلاق النار عند الحاجة.”

أشعلت هذه التعليقات عاصفةً سياسية، ذلك أنها، على ما يبدو، منحت المتشددين الضوء الأخضر لتقويض الرئيس في أي وقتٍ يشعرون فيها أن سياساته انحرفت عن “المسار الثوري الحقيقي.” حتى أن المشاحنات قد وصلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شارك كلا الرجلين مقاطع فيديو استفزازية وعدائية لبعضهم البعض على الانستغرام.

وفي منتصف يوليو 2017، توقفت الحرب الكلامية بشكلٍ مفاجىء، بعد سجن شقيق روحاني، حسين فريدون، بتهمٍ تتعلق بالفساد. وأطلق سراح فريدون بعد بضعة أيام، إلا أنّ هذه الحادثة كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر روحاني. وعلى الرغم من انتشار الفساد على نطاقٍ واسع في إيران، إلا أن حقيقة احتمالية توجيه تهمٍ لشقيق الرئيس، كانت رسالةً واضحةً له.

وبعد ثلاثة أسابيع، عندما أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، تفاجأ العديد من مؤيدي روحاني وشعروا بخيبة أملٍ من اختياره لقائمة الوزراء، ومن حقيقة أن النساء والأقليات والسياسيين الإصلاحيين لم يعينوا في أي مناصب وزارية رئيسية. فقد تخوّف الكثيرون من تخليه عن وعوده الانتخابية بالإصلاحات الاجتماعية، ربما تحت ضغوطاتٍ من المتشددين. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان هذا تكتيكاً قصير الأمد أم استراتيجيةً طويلة الأمد: تغييرٌ تكتيكي للحدّ من التوتر مع المتشددين على المدى القصير، أم تحولٌ استراتيجي طويل الأمد للحفاظ على علاقةٍ ودية مع المرشد الأعلى.

غير أن التعيين الأبرز كان تعيين أمير حاتمي، العميد في الجيش النظامي الإيراني، بمنصب وزير الدفاع الجديد. فمنذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1989، لطالما شغل هذا المنصب من قِبل أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني. وعلاوةً على ذلك، زادت الحكومة من ضغوطاتها على أفراد الحرس الثوري الإيراني وتم اعتقال رجال الأعمال التابعين له في الأشهرة الأخيرة، بينما أجبر آخرون على إعادة ثرواتهم التي حصلوا عليها بطرقٍ غير مشروعة. إلا أن تضييق الخناق على الحرس الثوري الإيراني ليس بالمهمة السهلة، وهي مهمةٌ لا يمكن للحكومة أن تنجزها لوحدها: إذ يتعين على المرشد الأعلى والقضاء التعاون أيضاً.

وفي أوائل سبتمبر2017، أعلنت الحكومة الجديدة عن أولى سياساتها الاقتصادية الرئيسية، والتي شملت خفض أسعار الفائدة، وهي خطوةٌ يعتقد الكثيرون أنه كان ينبغي القيام بها منذ فترةٍ طويلة. فقد أدت أسعار الفائدة المرتفعة لسنوات إلى تقويض النمو الاقتصادي وتضييق الاستثمارات. وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يعتبرون هذه الخطوة خطوةً في الاتجاه الصحيح، إلا أن روحاني يتعرض لضغوطٍ لإنعاش الاقتصاد. ومع ذلك من غير الواضح مدى استعداد المرشد الأعلى التعاون لتسهيل هذا قبل أن يُقصي أهم حلفائه في الدولة.

وعلى الرغم من أن ولاية روحاني الثاني لا تزال في بدايتها، إلا أن الأشهر الأولى كانت خليطاً متفاوتاً. ففي حين خيبت خياراته لأعضاء حكومته آمال الملايين من مؤيديه، إلا أنه تحدى نفوذ الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى واتخذ عدة خطواتٍ جريئة لتشكيل توازنٍ جديدٍ للسلطة. ومن السابق لأوانه التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الخطوات، إلا أن هناك أمرٌ واحدٌ مؤكد: ربما حصد روحاني أصوات النصر إلا أنه يواجه دون أدنى شك طريقاً تشوبه الصعاب.