وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

محاولات روسيا للحدّ من الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سوريا

Syria- Israeli Iron Dome
صورة تم التقاطها في 14 إبريل عام 2018، تُظهر نظام الدفاع الإسرائيلي، القبة الحديدية، المصمم لإعتراض وتدمير الصواريخ وقذائف المدفعية قصيرة المدى، منتشرةً في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل لحدودها، بالقرب من الحدود مع سوريا. Photo AFP

خلال العامين الماضيين، أصبحت الهجمات الإسرائيلية ضد القواعد الإيرانية وحزب الله ونقل الأسلحة في سوريا شبه روتينية. فقد أفادت وسائل الإعلام الدولية عن ضربةٍ صاروخية إسرائيلية مزعومة في سوريا قرب دمشق في 29 نوفمبر 2018، والتي يشتبه في أنها استهدفت مستودعاً إيرانياً للأسلحة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ومع ذلك، جاء هذا الهجوم في ظل تصاعد التوترات بين روسيا وإسرائيل حول النشاط الإسرائيلي في سوريا.

تجنبت وسائل الإعلام الحكومية السورية، مستشهدةً بمصدرٍ عسكري حكومي، تسمية أي دولةٍ بالقول أن الدفاعات الجوية السورية قد تصدت لـ”أهدافٍ معادية،” بينما رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على الضربات المعلنة. كما ذكر المرصد السوري لحقوق لإنسان أن الضربات “استهدفت مستودعات ومخازن للأسلحة في جبل المانع في جنوب ريف دمشق، التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله […] حيث كان يتم تخزين الصواريخ مؤقتاً قبل نقلها إلى وجهتها.” وبحسب ما أوردته صحيفة ميدل إيست آي، نقلاً عن وكالة الأنباء الروسية، قامت الدفاعات الجوية السورية، في وقتٍ سابق، بإسقاط طائرة حربية إسرائيلية والتصدي لأربعة صواريخ، لكن المصدر نفسه نفى ذلك، فيما قال الجيش الإسرائيلي إن تقرير إسقاط الطائرة “كاذب.”

فإيران والميليشيا اللبنانية، حزب الله، تدعمان نظام بشار الأسد في الحرب السورية، كما أن إيران العدو اللدود لإسرائيل منذ الأزل، حيث تشعر إسرائيل بالتهديد من الأسلحة النووية الإيرانية المزعومة. وبالإضافة إلى ذلك، تتحالف روسيا مع نظام بشار الأسد، الذي تدافع عنه على الأرض منذ عام 2015 من خلال المساعدة في استعادة الأراضي التي استولى عليها المتمردون السوريون.

وعليه، تخشى إسرائيل من الأنشطة الإيرانية وأنشطة حزب الله في سوريا ذلك أنها تتم على مقربةٍ من حدودها. فقد نشرت إسرائيل دباباتٍ ومدافع ثقيلة بالقرب من حدودها مع سوريا، خاصة بعد استعادة النظام السوري لمنطقة درعا، معقل المعارضة التي قرّبت القوات السورية من الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل في مرتفعات الجولان. ومن الجدير بالذكر أنه تم احتلال مرتفعات الجولان في سوريا عام 1967 خلال حرب الأيام الستة بين الإسرائيليين والعرب.

وعلى صعيدٍ متصل، تتفاقم المخاوف الإسرائيلية بسبب التسليح الحالي لعدويها، فقد كتب ديفيد كينر، وهو صحفي مقيم في بيروت، لصحيفة ذي أتلانتيك في يوليو 2018، إن “إيران وحليفها اللبناني، حزب الله ، حصلوا على صواريخ متطورة صممت لاستغلال نقاط الضعف هذه. وبالنسبة لمسؤولي الأمن الإسرائيليين، يتمثل الكابوس في أن تصبح هذه الأسلحة دقيقة بما يكفي لضرب البنية التحتية المدنية والعسكرية لإسرائيل، مما يؤدي إلى شل الحياة اليومية في البلاد. التهديد الذي تشكله قد جذب بالفعل إسرائيل إلى عمق الصراع السوري، ووعد بتغيير جذري في الحرب القادمة مع حزب الله – وهي حرب يمكن أن تندلع في وقتٍ أقرب بكثير مما هو متوقع.”

وفي بداية شهر أكتوبر، قامت روسيا بتجهيز القوات الجوية السورية بمنظومة صواريخ إس 300، بما في ذلك أربعة منصات لإطلاق الصواريخ وتحديد المواقع ومركبات تحكم، وذلك بعد إلقاء اللوم على إسرائيل في مقتل 15 جندياً روسياً خلال غارةٍ جوية استهدفت طائرةً روسية. وستحل منظومة إس 300 الروسية الجديدة محل الأنظمة القديمة التي لا تتمتع بسجل حافل بالدفاع عن سوريا ضد الغارات الجوية من أي نوع.

وكرد فعلٍ على ذلك، حذرت إسرائيل، التي تصر على أن الجيش السوري يتحمل المسؤولية في قضية اسقاط الطائرة، أن منح منظومة إس 300 “لجهاتٍ فاعلة غير مسؤولة” من شأنه أن يجعل المنطقة شديدة التقلب أكثر خطورة، في حين قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، إن قرار روسيا بتسليم منظومة إس 300 سيؤدي إلى “تصعيدٍ كبير” في الحرب الأهلية السورية. كما صرحت كل من روسيا وإسرائيل إنهما ستستمران في القتال في سوريا. وفي أعقاب ذلك، طالبت روسيا الجيش الإسرائيلي بزيادة استخدامه لآليات “الخط الساخن” لتفادي الاحتكاك، معززةً موقفها ضد الدولة العبرية.

وبالنسبة لأوفر زالزبيرغ، كبير المحللين لشؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، يكشف الوضع عن “الأزمة المتقادمة بين روسيا وإسرائيل حول الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سوريا.” وقال زالزبيرغ لنا في فَنَك، “بشكل أساسي، تحاول موسكو تحقيق الاستقرار في سوريا ليسيطر الأسد على البلاد،” وأضاف “تزعزع الأنشطة الإسرائيلية استقرار البلاد، مما يجعل من الصعب الترويج لسوريا من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وعودة اللاجئين السوريين.

Syria- S-300 missile
زوار أجانب يتفقدون منظومة إس 300 الروسية المضادة للطائرات في أحد المعارض خارج موسكو. Photo AFP

الأولوية بالنسبة لموسكو هي سوريا، ولكن بالنسبة لإسرائيل، تتمثل الأولوية بالوجود الإيراني في سوريا. يريدون طردها من البلاد.”

وفي الوقت الحالي، تستغل إسرائيل العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، مع فرض حظرٍ على صادرات النفط والشحن والبنوك، وهي ثلاثة قطاعات أساسية في الاقتصاد الإيراني.”نعمل بجد من أجل ضمان أننا ندعم الشعب الإيراني، ونوجه أنشطتنا تجاه ضمان تغيير السلوك الشرير للجمهورية الإسلامية الإيرانية،” بحسب ما قاله وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لشبكة فوكس نيوز في أوائل نوفمبر. فمن مصلحة إسرائيل إبقاء انتباه الولايات المتحدة مركّزاً على إيران وإضعاف عدوها قدر الإمكان.

ووفقاً لمحللة الاستراتيجيات العالمية، ريفا جوجون: “إذا ما كانت إسرائيل ستغتنم فرصة إضعاف إيران، وهو ما يستلزم المزيد من المجازفة، فحينئذ يجب عليها أن تفعل ذلك بطريقة تضمن مواصلة إشراك الولايات المتحدة الأمريكية. كانت الوتيرة المتزايدة للضربات في سوريا في الآونة الأخيرة قاعدةً متراكمة للقرار الأمريكي المثير بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. وبينما تعمل إيران على تجنب الأعمال الانتقامية التي يمكن أن تقرّب أوروبا من موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعقوبات، تستغل إسرائيل ضبط النفس النسبي في طهران لتوسيع نطاق هجماتها.”

من جهته، يعتبر وجود القوات الروسية المنتشرة في مناطق الصراع الرئيسية في سوريا مشكلةً حقيقية بالنسبة لإسرائيل، التي تحاول استهداف الأصول السورية والإيرانية دون خلق حادثةٍ دولية مع موسكو. “نحن بحاجة إلى معرفة ما إذا كان سيتم تشغيل هذه الصواريخ المضادة للطائرات من قبل القوات الروسية” بحسب ما قاله زالزبيرغ لفَنَك، وأضاف “من الممكن أن تدمر إسرائيل هذه الدفاعات، ولكن إذا ما أرادت إسرائيل تجنب ضرب القوات الروسية، سيكون الأمر أصعب.” في الواقع، ذكرت صحيفة إزفيستيا الروسية أن ثلاثة من أنظمة الدفاع الجوي التي تم تزويدها لسوريا كانت من أكثر نماذج منظومة إس 300 تطوراً، والتي تتضمن أفضل منظومة رادارات لتتبع الأهداف وتوجيه الصواريخ نحوها. وبدايةً، سيتم تشغيل بطاريات الصواريخ من قبل خبراء روس حيث من المتوقع أن تستغرق عملية تدريب الجنود السوريين لتشغيلهم بعض الوقت.

وبالنسبة إلى زالزبيرغ، هناك وضعان متناقضان: “تساند إسرائيل الولايات المتحدة، وتحاولان إخراج إيران بالقوة من سوريا، إلا أنهما لا ترغبان في مواجهة روسيا. وفي هذه الأثناء، يحتاج الأسد إلى دعم إيران والميليشيات الشيعية التي جلبتها من لبنان والعراق وأفغانستان، لكنه يخشى أيضاً من رفع إسرائيل وتيرة أنشطتها العسكرية.”

قد يكون التوصل إلى اتفاقٍ للحد من نفوذ إيران في سوريا هو مفتاح تهدئة الوضع الحالي. ومع ذلك، فإن زيادة ردود الفعل القوية من روسيا تجاه إسرائيل، مثل الاستمرار في الحد من إمكانية قيام إسرائيل بأعمال عسكرية في سوريا، يمكن أن يؤدي إلى أن تصبح سوريا مسرحاً لاستعراض القوة، الأمر الذي لا تحتاج إليه البلاد إذا ما أرادت الحفاظ على استقرارها النسبي.