وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تطلعات سعودية لإنهاء الأزمة الخليجية: هل هذا ممكن؟

Gulf crisis
رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الشيخ أحمد الفهد الصباح (وسط)، ووزير الرياضة والشباب السعودي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل آل سعود (وسط يمين)، ورئيس اللجنة الأولمبية القطرية الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني (يسار) ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (الثاني إلى اليسار) في صورة أثناء الاجتماع التاسع والثلاثين للمجلس الأولمبي الآسيوي في العاصمة العمانية مسقط في 16 ديسمبر 2020 بعد اختيار الدوحة لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية 2030. Photo: Haitham AL-SHUKAIRI / AFP

مات ناشد

تقترب قطر والمملكة العربية السعودية تدريجياً من إنهاء الأزمة الخليجية المستمرة منذ ثلاث سنواتٍ ونصف والتي أدت إلى تفاقم الانقسامات في المنطقة. وجاء في إعلانٍ لمسؤولين كويتيين مطلع ديسمبر2020 أن الرياض والدوحة “أكدتا التوصل إلى اتفاقٍ” يعيد “اللُحمة والوحدة الخليجية.”

توسطت الكويت في النزاع منذ أن فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر حصاراً دبلوماسياً وسياسياً كاملاً ضد قطر في يونيو 2017، آنذاك، أعربت اللجنة الرباعية عن غضبها من قطر لدعمها جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، والحفاظ على علاقات حميمة مع إيران وبث انتقادات لحلفائهم الإقليميين على شبكة الأخبار الممولة من قبل الدولة “قناة الجزيرة،” كما وردت تقارير تفيد بغضب دول الخليج من قيام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر.

ومع ذلك ، قال وزير الخارجية السعودي إن الاتفاق مع قطر كان في متناول اليد، لكن المحللين ما زالوا متشككين في أن الخلاف الخليجي سيصل إلى نهاية حاسمة.

وفي هذا الصدد، يعتقد أندريس كريج، المحاضر في كينجز كوليدج لندن ومحلل شؤون الخليج، أن الجانبين اتفقا فقط على تخفيف حدة حملة الكراهية ضد بعضهما البعض. ومع ذلك، قد تتخذ الرياض إجراءً إضافياً لبناء الثقة من خلال فتح حدودها الجوية والبرية مع الدوحة، بيد أنه لم يتم تقديم أي تنازلاتٍ بشأن القضايا الجوهرية التي أدت إلى النزاع، إذ يثير هذا القلق بشأن إمكانية تحقيق سلامٍ دائم مع قطر. لكن خصوم قطر الخليجيين قد لا يكون أمامهم خيار سوى إنهاء النزاع في ظل استلام إدارةٍ أمريكية أقل وداً مهامها في يناير 2021.

وقال كريج لشبكة سي إن بي سي: “الآن وقد جاء بايدن، هناك المزيد من الضغط على السعوديين لإظهار حسن النية وإظهار أنهم شريك بنّاء في الشرق الأوسط.”

ومن الجدير بالذكر أن ولي العهد محمد بن سلمان كان قد تعرض لانتقاداتٍ شديدة من قبل الديمقراطيين وجماعات حقوق الإنسان منذ وصوله إلى السلطة في يونيو 2017. ففي غضون ثلاث سنوات فقط، قتل الحاكم المتهور الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وتسبب في كارثةٍ إنسانية في اليمن واعتقل العديد من النشطاء البارزين ورجال الأعمال وكبار أفراد العائلة المالكة في المملكة.

واليوم، يسعى محمد بن سلمان لتلميع صورته من خلال إقامة علاقاتٍ جيدة مع إدارة بايدن، وفقاً لأحد مستشاري السعودية والإمارات. وقال المستشار لصحيفة فاينانشيال تايمز إن تقارب الرياض مع الدوحة يهدف ليكون “هدية لبايدن.” وأضاف أن محمد بن سلمان يشعر بالتهديد بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات.

بينما وقال محلل آخر مقرب من الأسرة الحاكمة السعودية، علي الشهابي، إن الرياض تحاول منذ فترة طويلة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر. وقال لصحيفة فاينانشيال تايمز: “منذ بعض الوقت، كانت (الرياض) تعمل على إغلاق العديد من الملفات الساخنة ومن الواضح أن هذا إحداها.”

من جهته، أضاف كريج: “السعوديون عمليون هنا بنفس الطريقة التي يتصرف بها القطريون.” وتابع: “هناك تفاهم على أن الجبهة الخليجية الموحدة لا تزال تخدم الجميع على نحوٍ أفضل من إنفاق ملايين الدولارات في محاولة تقويض مواقف بعضهم البعض.”

بيد أن الإمارات العربية المتحدة تبدو أقل حماساً لتقديم تنازلاتٍ لقطر لتحقيق “السلام.” ويقود الإمارات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الرجل الذي يعتقد الخبراء أنه حرض على الحصار على قطر. فقد غرّد عبد الخالق عبد الله، الباحث السياسي الإماراتي وأحد أبواق الإمارات، يوم 6 ديسمبر2020 أن المصالحة الخليجية لن تتحرك “مليمتر واحد” دون مباركة وموافقة الإمارات. وبعد ذلك بيومين، أعربت الإمارات عن نبرةٍ مختلفة، حيث قال أحد المسؤولين إن الإمارات تقدر المحاولات الكويتية والأمريكية لتعزيز وحدة الخليج. كما صرح وزير الخارجية المصري، الذي منع قناة الجزيرة من التواجد في بلاده، بأنه “يأمل أن تسفر هذه الجهود المشكورة عن حل شامل يعالج كافة أسباب الأزمة.”

إلا أن هذا أمرٌ غير محتمل، إذ من الممكن أن تقطع الدوحة علاقاتها مع بعض قادة الإخوان المسلمين، تماماً كما فعلت لإنهاء الخلاف الدبلوماسي الأخير مع السعوديين والإماراتيين في عام 2014. لكن قطر ليست مستعدة لتقليص علاقاتها مع إيران أو قطع التواصل تماماً مع الجماعات غير الحكومية والإسلاميين. وبدلاً من ذلك، تأمل قطر أن تحل محل عُمان كوسيطٍ يمكن الاعتماد عليه بين الأطراف المتنافسة في الشرق الأوسط، إذ يتطلع الأمير بشكلٍ خاص إلى جسر الانقسامات بين الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وإيران، وفقاً لمحللين.

يعدّ كل هذا جزءاً من سياسة قطر الخارجية في محاولتها تعزيز قوتها الناعمة، لتتمكن من ممارسة تأثيرٍ حقيقي في المنطقة. وعليه، أن تصبح الإمارة مركزاً للدبلوماسية أمرٌ غاية في الأهمية لهذه الرؤية.

وبحسب ما قالته نهى أبو الدهب، وهي زميلة في مركز بروكنجز الدوحة، لمجلة فورين بوليسي، “ويشمل ذلك استضافة محادثات رسمية وغير رسمية بين جماعات مثل حزب الله والحكومة اللبنانية في عام 2008، وطالبان والحكومة الأفغانية، والتي أُجريت مؤخراً في عام 2020، بالإضافة إلى المحادثات بين حماس وفتح، والمحادثات بين جماعات دارفور المتمردة والحكومة السودانية في عام 2009.”

وأضافت، “لم يكن قطع العلاقات بالكامل مع دولة أخرى إحدى سمات السياسة الخارجية القطرية النموذجية على الإطلاق.”

إن طموحات قطر الإقليمية لا تعني أنها لم تستثمرها أيديولوجياً في العالم العربي، فبالإضافة إلى كونها صانع سلام، دعمت قطر الجماعات الإرهابية المدرجة على قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة مثل جبهة النصرة في سوريا ودعمت الأحزاب السياسية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.

كما دفعت قطر فديةً لمقاتلين شيعة عراقيين تابعين للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، حيث تم إنفاق هذه الأموال في أبريل 2017 لتأمين إطلاق سراح 25 قطرياً مختطفاً في جنوب العراق.

في الوقت نفسه، ضخت الرياض وأبوظبي بمليارات الدولارات لدعم طغاةٍ لا يرحمون مثل عبد الفتاح السيسي في مصر، والجنرال الليبي خليفة حفتر، والقادة العسكريون في السودان بعد الإطاحة بالديكتاتور السابق عمر البشير في أبريل 2019، إذ لطالما كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تخشيان من أن تُلهم الثورات الشعبية المظاهرات في بلديهما. من جانبها، ترفض قطر العمل كدولة تابعةٍ للسعودية، وعليه، لم يطرأ أي تغيير يذكر على جوهر خلاف الأزمة الخليجية.

نهاية القول، الدوحة لن تتبع أحد.