وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية تبعث برسائل متباينة لجو بايدن

 الأمير محمد بن سلمان أثناء لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
صورة تم التقاطها يوم يوم 20 مارس 2019 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. المصدر: MANDEL NGAN/ AFP.

جايمس م. دورسي

نشر جيمس دورسي، الصحفي البارز والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، مقالةً على مدونته الخاصة سلّط فيها الضوء على مستقبل العلاقات السعودية – الأمريكية بوصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى سدّة الرئاسة. ويتناول دورسي في مقالته الطريقة التي حاولت من خلالها الرياض رسم الحدود المرتبطة بطبيعة علاقتها مع الإدارة الجديدة، وذلك في إطار سعي الرياض للحفاظ على الشراكة الدائمة مع واشنطن دون القبول بضغوط في ملفات معينة.

ويعتقد دورسي أن المملكة تراهن على قبول الإدارة الجديدة بهذه المعادلة وهو ما يعني غضّ الطرف عن ملف حقوق الإنسان والاعتراف بإسرائيل. كما يرى الكاتب أن الارتباك المحتمل في علاقة الطرفين قد يؤدي إلى تقارب السعودية وتركيا بسبب تشابه مواقف الرياض وأنقرة تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة.

ويبدو أن السعودية شرعت في رسم الحدود التي تحتاج إليها في إطار استعداداتها لحقبةٍ جديدة في لعلاقات بالولايات المتحدة مع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للبيت الأبيض بحلول يناير المقبل.

وبقيامها بذلك، تعطي المملكة إشارات على استعدادها لبداية جيدة مع إدارة بايدن ضمن أُطر محددة.

وتراهن السعودية على إبداء بايدن للحرص فيما يتعلق بعدم قطع العلاقات مع المملكة، رغم أن هذا الأخير وجّه في بعض المواقف انتقادات حادّة بحق الرياض خلال حملته الانتخابية.

وبحسب دورسي، فإن الرهان السعودي على حرص الرئيس الأمريكي المنتخب يبدو منطقياً.

ففي هذا الأسبوع، ألمح السفير الأمريكي للحريات الدينية الدولية صمويل دي براونباك إلى شكل السياسة الأمريكية المتوقع لإدارة بايدن وما يمكن أن يأخذه هذا الأخير من مواقف تجاه المملكة.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد صنّفت المملكة ضمن فئة “الدول المثيرة للقلق على وجه الخصوص” في تقرير الحرية الدينية السنوي المنشور مؤخرًا بموجب قانون الولايات المتحدة. وعند سؤاله عن سبب تهاون وزير الخارجية مايك بومبيو مع السعودية، على الرغم من فشلها في احترام حرية الدين، وقوانين الردة والكفر التي تتضمن عقوبة الإعدام، قال براونباك: “ترى الإدارة الحالية والإدارات السابقة أن العلاقة مع السعودية هي علاقة ذات مصلحة استراتيجية… فالسعودية كما هو معلوم أهم دولة خليجية. كما أنها مصدر رئيسي للتجارة… أحياناً يُصيبنا إحباط عميق بسبب أفعال المملكة… ولكن ثمة أيضًا مصلحة وطنية هنا. وفي مثل هذا الوضع، تقتضي أعراف الدبلوماسية الحكمة والموازنة. وفي هذا الملف رأى الوزير (بومبيو) غضّ الطرف من أجل المصلحة الوطنية”.

ويعتقد دورسي أن الأحداث الأخيرة تدلّ على معالم ذلك الرهان السعودي. وبرأيه، فإن المملكة تبدو مستعدة للتكيف مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وكذلك مع الرئيس المنتخب جو بايدن. ويظهر ذلك من خلال الاستجابة للجهود الأمريكية والكويتية لإنهاء المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية لقطر التي تقودها السعودية والإمارات منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف.

وفي الأسابيع الأخيرة، سافر بومبيو وجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين كبار آخرين إلى الخليج لحلّ هذه الأزمة، وكذلك لبحث الاعتراف السعودي بإسرائيل في أعقاب إقامة الإمارات والبحرين علاقات دبلوماسية مع ما وصفه دورسي بـ “الدولة اليهودية“.

وقال مسؤولون كويتيون وسعوديون وقطريون إنهم يسعون للتوّصل إلى حل على خلفية اجتماع قادة الخليج لعقد قمة مجلس التعاون الخليجي التي تضم دول المنطقة الست والمقرر انعقادها في هذا الشهر. وأعربت الإمارات، وإلى جانبها البحرين ومصر اللتين انضمتا للمقاطعة، عن دعمهما لإنهاء النزاع.

في الوقت نفسه، يرى دورسي أن الإجراءات السعودية الأخيرة تتضمن رسالة مفادها أن الاعتراف بإسرائيل وحقوق الإنسان يمثلان خطوطاً حمراء لن تتجاوزها المملكة على الأقل في الوقت الحالي.

ففي الأسبوع الماضي، وبعد فترة قصيرة من زيارة بومبيو وكوشنر، حكمت المملكة على وليد فتيحي بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة نشر تغريدات داعمة للثورات العربية الشعبية لعام 2011 ولحصوله على الجنسية الأمريكية أثناء الدراسة بالولايات المتحدة، وقد كان فتيحي طالباً بكلية الطب في جامعة هارفارد.

وكانت السلطات قد أفرجت عن فتيحي من الحبس الاحتياطي في عام 2017، لكنها منعته وأسرته من السفر إلى الخارج.

من جانبها، طرحت إدارة ترامب هذه القضية مراراً على السلطات السعودية، كما أن هذه القضية كانت موضوعاً للزيارات الأمريكية الرفيعة في الآونة الأخيرة.

وبالمثل، أحالت سلطات المملكة قضية لجين الهذلول إلى محكمة الإرهاب، وهي واحدة من 12 ناشطة في مجال حقوق المرأة اتُهمن بالتآمر مع منظمات أجنبية معادية للمملكة. وحدث ذلك عشية قمة مجموعة العشرين الافتراضية في الشهر الماضي والتي شهدت استضافة الملك سلمان لأكبر اقتصادات العالم.

هذه الخطوة جاءت في خضم عاصفة من الدعوات المطالبة بالإفراج عنهن قبل انعقاد فعاليات القمة.

وعُقدت الجلسة الأولى في قضية الهذلول الأسبوع الماضي في اليوم الذي اختارته الأمم المتحدة ليكون يوماً عالمياً لحقوق الإنسان.

وبالتزامن مع هذا الأمر، انطلقت حملة على موقع تويتر يُعتقد أنها بتدبير حكومي تتهم ولي العهد السابق ووزير الداخلية المعتقل الأمير محمد بن نايف بالتآمر للإطاحة بولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان.

وجاءت الحملة في ظل المخاوف التي أعلن عنها محامو بن نايف وبرلمانيون بريطانيون على ظروف اعتقال ولي العهد السعودي السابق.

ويرى دورسي أن سلوك المملكة يتناقض تناقضاً صارخاً مع الإمارات التي يغلب عليها الحذر وتترقب تغييرات متوقعة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بمجرد تولي بايدن لمنصبه.

فبعد أن أخذت زمام المبادرة وكسبت تأييد الرئيس الأمريكي الحالي والقادم لتكون أول دولة عربية تعترف بإسرائيل منذ عام 1994، أعلنت الإمارات هذا الأسبوع بدأها لحملة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن تركيز البلاد سينصب على تمكين المرأة وعلى المساعدات الإنسانية والتسامح الديني وحقوق العمال. ولم يشر الوزير الإماراتي في حديثه إلى الحقوق السياسية كحرية التعبير والإعلام والتجمع، وتلك من بين الأمور التي تعرض الإمارات لانتقادات جماعات حقوق الإنسان.

على النقيض من ذلك، قام رئيس الاستخبارات السعودي السابق والسفير السابق في بريطانيا والولايات المتحدة الأمير تركي بن فيصل بشنّ هجوم عنيف على إسرائيل، فيما بدا أنه رسالة تحذيرية لبايدن ورفضاً لضغوط إدارة ترامب.

ففي حديثٍ له قبل أيام من إعلان المغرب وإسرائيل عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وصف الأمير تركي “الدولة اليهودية” بأنها “آخر معاقل الاستعمار الغربي في الشرق الأوسط”.

وأضاف قائلاً إن الفلسطينيين قد “سُجنوا في معسكرات اعتقال بسبب اتهامات أمنية واهية للغاية، لا فرق في ذلك بين صغير وكبير، رجل وامرأة؛ كلّهم رزحوا هناك دهراً بعيداً عن العدالة”.

ولم يكن واضحاً إذا ما كانت تصريحات الأمير تركي تعكس مشاعر الملك سلمان فحسب، أم أن ذلك يتضمن أيضاً تصوّرات ولي العهد محمد بن سلمان الذي أفصحت تقارير صحفية عن التقائه مؤخرًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يأتي ذلك في الوقت الذي أظهر فيه استطلاع للرأي أُجري مؤخراً انقسام السعوديين في مواقفهم تجاه العلاقات مع إسرائيل والتبادل التجاري والثقافي.

فقد اعتبر 41% ممن شملهم الاستطلاع في سبتمبر أن العلاقات مع إسرائيل تطور إيجابي، في حين عارضها 54%. ومع ذلك، فقد قفزت نسبة أولئك الموافقين على إجراء تبادلات تجارية ورياضية إلى 37% مقارنة بنحو 9% في استطلاع آخر أُجري قبل ثلاثة أشهر.

ويرى الكاتب أن الأمير تركي قد أدلى بتصريحاته مستشعراً سعي المملكة إلى تخفيف حدّة التوترات مع تركيا، التي تعد منافساً رئيسياً للسعودية على قيادة العالم الإسلامي، سيّما وأن أنقرة لا تعلم ما يُخبئه المستقبل لعلاقتها مع الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن، حالها في ذلك حال الرياض.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “إذا ما كانت تحركات السعودية لوضع حدود واضحة يعني اعترافها ضمنياً باحتمال أن تكون مضطربة العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن التقارب مع تركيا يشير إلى إيمان الرياض وأنقرة بأن مصالحهما تقتضي البحث عن مأوى مشترك لهما. وقد يكون هذا هيكلاً هشاً في منطقة من العالم دائمة التغير لا يستقر لها حال”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذد المقلة بالأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 11 ديسمبر 2020.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles