وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الخلاف السعودي – الكندي: الدولتان أخطأتا معاً

Translation- Saudi-Canada Spat
رجلٌ يقف خارج السفارة الكندية في العاصمة السعودية الرياض يوم 7 أغسطس 2017، أي بعد يومٍ واحد من إعلان المملكة عن طردها للسفير الكندي واستدعاء مبعوثها إلى كندا وتجميد جميع المعاملات التجارية الجديدة مع كندا، وذلك ردّاً على مطالبة أوتاوا القوية بإطلاق سراح بعض الناشطين. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالاً تم فيه تسليط الضوء على الخلاف الدائر بين كندا والمملكة العربية السعودية على أثر إدانة أوتاوا لما تقوم به الرياض من انتهاكات على مستوى حقوق الإنسان. ويرى صاحب المقالة حسام بن لزرق، طالب الدكتوراه والأستاذ المساعد في جامعة ألبرتا الكندية، أن هذا الخلاف قد يعود بنتائج سلبية على كندا إذا ما قامت المملكة برفع مستوى الضغوط التي تمارسها على كندا في هذا الخصوص.

وبحسب صاحب المقالة، فإن الأزمة الدبلوماسية المفاجئة وغير المتوقعة بين كندا والمملكة العربية السعودية لم تقم بإثارة التساؤلات حول مستوى العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الجانبين فحسب، بل أنها ألقت بظلالها أيضاً على صفقة الأسلحة الموقعة بين الجانبين في عام 2014 بقيمة 12 مليار دولار أمريكي وعلى مصير الآلاف من الطلاب السعوديين الذين يتابعون تعليمهم العالي في الجامعات الكندية.

وكان الجدل الدائر بين الدولتين قد اشتعل في أعقاب طرد الحكومة السعودية للسفير الكندي من المملكة وإعلانها عن وقف “جميع المعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا”. ويشير بن لزرق إلى أن رد الفعل السعودي جاء في أعقاب ما أطلقته وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند من تغريدات وحساب وزارتها على موقع تويتر لانتقاد اعتقال سمر بداوي الناشطة في مجال حقوق الإنسان.

ويرى صاحب المقالة أنه من الضرورة بمكان إجراء تقييمٍ عام للعلاقات الكندية – السعودية قبل الخوض في غمار تداعيات الأزمة الدائرة بين الجانبين.

تجارة كبيرة

تعتبر المملكة العربية السعودية الشريك التجاري الأكبر لكندا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب صحيفة الحقائق والمعلومات المنشورة على الموقع الإلكتروني للحكومة الكندية. وكانت القيمة الإجمالية للتجارة بين الدولتين قد تراوحت بين 3 و4 مليار دولار أمريكي بين عامي 2011 و2017، حيث وصلت قيمة الصادرات الكندية إلى حوالي مليار دولار أمريكي، في الوقت الذي تراوحت فيه الواردات بين 2 و3 مليار دولار.

وعلى الرغم من عدم إمكانية إهمال هذه الأرقام، إلا أنها لا تقارن بتجارة كندا الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي وصل حجمها في عام 2017 إلى 673.9 مليار دولار أمريكي. إلا أن بن لزرق يرى أن كندا قد تخسر فرصاً هائلة للتعاون مع المملكة العربية السعودية والاستثمار فيها بعد تحرّك الرياض لتجميد جميع الأعمال التجارية مع أوتاوا.
ويشير صاحب المقالة إلى أن المملكة باتت أكثر انفتاحاً على الاستثمار الخارجي المباشر مع رؤية 2030 الجديدة التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتعمل الرياض حالياً على تنويع مشاريع البنية التحتية الخاصة بها، بالتزامن مع التخطيط للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد بشكلٍ أقل على الوقود الأحفوري. وتقدّم جميع هذه القطاعات فرصاً تجارية للصناعات الكندية، إلا أن أوتاوا في طريقها إلى فقدان هذه الفرص بحسب ما يراه بن لزرق.

كما باتت الصفقة الجديدة المخصصة لبيع المركبات المدرّعة الخفيفة إلى المملكة العربية السعودية وقيمتها 15 مليار دولار أمريكي في خطر. ويمكن أن تشكّل الصفقة، في حال تم إلغاؤها، ضربةً لصناعة الدفاع الكندية التي تقوم بتوظيف 65 ألف شخص وتساهم سنوياً بـ6 مليارات دولار أمريكي في الناتج الإجمالي المحلي الكندي.

وبحسب ديفيد بيري، وهو من كبار المحلّلين والباحثين في المعهد الكندية للشؤون الدولية، فإن مبيعات الأسلحة الأجنبية: “تسمح للشركات الكندية بمواصلة تشغيل مصانعها وتوظيف القوى العاملة، بالتزامن مع الحفاظ على سلامة سلاسل التوريد والحفاظ على انهماك المهندسين في عملية البحث في التكنولوجيات الجديدة وتطويرها. وستحافظ الصفقة السعودية على عمل آلاف العمّال والمهندسين المسجلين في النقابات العمالية لسنواتٍ عدّة ضمن مصنع شركة جنرال داينامكس لاند سيستيمز في بلدة لندن الموجودة في مقاطعة أونتاريو الكندية”.
ويعتبر التبادل التعليمي ومساهمته الملحوظة في الاقتصاد الكندي من مجالات التعاون الأخرى التي لا يمكن تجاهلها. ويصل عدد الطلاب السعوديين الحاصلين على منحة دراسية حكومية للدراسة في كندا إلى حوالي 7 آلاف شخص. وبحسب الإحصائيات الصادرة عن المكتب الكندي للتعليم الدولي، فإن الطلاب السعوديون يشكلون 2 بالمئة من الطلاب الدوليين الذين تواجدوا في كندا عام 2017 والبالغ عددهم 494525 طالباً.

ولسوء الحظ، يبقى مصير هؤلاء الآلاف من الطلاب غير محدّد الملاح وذلك في أعقاب قرار السعودية بسحبهم ونقلهم إلى دول أخرى انتقاماً من انتقاد كندا لسجل حقوق الإنسان في المملكة. ويرى صاحب المقالة أن هذا القرار سيحمل في طياته أثراً سلبياً على دراسة الطلاب ووضعهم الأكاديمي.

لماذا الخلاف؟

Translation- Christina Freeland
وزيرة الخارجية الكندية كريستينا فريلاند تتحدث أثناء الجلسة العامة لاجتماع مجلس القطب الشمالي بمدينة فيربانكس الموجودة في ولاية آلاسكا الأمريكية. المصدر: AFP.

تعاملت كندا مع دعم حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية، باعتباره من الأولويات العليا في سياستها الخارجية ومبادراتها الدبلوماسية.

وعلى هذا النحو، فقد كان من المناسب مطالبة المملكة العربية السعودية بإطلاق سراح السجناء السياسيين والالتزام بمعايير حقوق الإنسان. ويعتبر وضع حقوق الإنسان في السعودية سيئاً للغاية بحسب ما تم توثيقه على نطاقٍ واسع، كما تم اتهام المملكة بارتكاب جرائم حرب في اليمن.

وبحسب بن لزرق، فإن أوتاوا وقعت في فخ “الكيل بمكيالين” على مستوى تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان. وعلى مستوى انتهاكات حقوق الإنسان التي تم تسجيلها في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أشاحت كندا بنظرها وغضت الطرف عن إدانة عمليات قتل واعتقال الأطفال والشباب الفلسطينيين. كما تقوم أوتاوا بتطبيق منهجية النأي بالنفس حيال بمصادرة الأراضي الفلسطينية وتأسيس المستوطنات غير القانونية.

ويرى صاحب المقالة أن كندا مطالبة باتباع منهجية متسقة وعادلة تقوم فيها إما بإدانة إسرائيل والسعودية معاً، أو غض الطرف عن كليهما.

رد الفعل السعودي

وصف سلطان بركات، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة، رد الفعل السعودي على انتقاد كندا بـ”المتهور والمندفع والهدواني”. وبصورةٍ مماثلة، قام وزير الخارجية الكندي الأسبق لويد أكسورثي بتشبيه رد الفعل السعودي بأسلوب غضب دونالد ترامب الذي يترافق مع الترويع والتفاخر بالقوة العسكرية.

وعلى الرغم من اتفاق المعلقين السياسيين والمحللين بالإجماع على مبالغة السعودية في ردّ فعلها، فإن القيادة السعودية تستطيع، بحسب ما يراه بن لزرق، استغلال هذه الأزمة للحصول على الدعم المحلي وإحباط كل محاولات انتقاد حملة القمع الوحشية التي تقوم بها المملكة ضد المعارضين السياسيين.

ويطرح صاحب المقالة التساؤل التالي: “غالباً ما تسعى العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية إلى دعم المصالح الوطنية. وعلى هذا النحو، ما الذي يريد صانعو السياسة الخارجية الكندية تحقيقه عبر ملاحقة السعودية في العلن؟”.

ويضيف بن لزرق: “إذا ما تمثل الهدف في التخفيف مما تواجهه سمر بدّاوي وشقيقها رائف من ظروف، أو للتأثير على التوجه العام للقيادة السعودية، أو لحشد الدول الأخرى التي تمتلك نفس التوجّه لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، فإن النتائج ستكون كارثية”.

ويرى صاحب المقالة أنه كان بإمكان صانعي السياسة الخارجية الكندية تبنّي منهجية أكثر احترافية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان في المملكة بالتزامن مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية القوية مع هذه الدولة. وبكلماتٍ أخرى، يتعلق الأمر بالعثور على طريقة بمعايرة ما يسميه أستاذ جامعة أوتاوا توماس جونو بتكاليف الخلافات التكتيكية مع فوائد المواءمة الاستراتيجية.

ويختم بن لزرق مقالته بالتالي: “تعتبر علاقة كندا بالمملكة العربية السعودية مفيدة بالفعل على عدّة جبهات. وما من شك في أن العلاقات بين الجانبين قد واجهت بعض الصعوبات من حينٍ إلى آخر، إلا أن الوضع البديل سيلحق ضرراً كبيراً بكندا إذا ما قامت المملكة العربية السعودية بتكثيف إجراءاتها العدوانية ضدنا”.