وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الدبلوماسية السعودية بحاجة لما هو أكثر من الرياضة والدين

الدبلوماسية السعودية
صورة تم التقاطها يوم ١٢ يناير ٢٠٢٢ لأحد الموظفين وهو يحمل كأس بطولة كأس السوبر الإسباني قبل انطلاق مباراة نصف نهائي البطولة بين فريقي برشلونة وريال مدريد في إستاد الملك فهد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض. المصدر: Fayez Nureldine / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة على مدونته الخاصة سلط فيها الضوء على التحديات التي تواجهها السعودية في المسار الذي سلكته لاستخدام الدين والسياسة بما يدعم مصالحها السياسية.

ويبدأ دورسي، وهو باحث بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بالإشارة إلى سير السعودية على خطا قطر فيما يتعلق باستضافة أبرز الأحداث الرياضية. ومن المنتظر أن تستضيف قطر في عام 2022 فعاليات كأس العالم. ويرى دورسي أن المملكة العربية السعودية باتت قادرة على استكشاف المخاطر الكامنة وراء السعي لتعزيز قوتها الناعمة بواسطة الرياضة أو الدين، سيّما وأن الرياض يتوجب عليها في هذا الإطار التعامل مع ما وصفه صاحب المقالة بـ “ماضيها المشين”.

وكانت فرنسا قد سلطت الضوء قبل عدة أسابيع على هذه المخاطر عندما طرحت علامات الاستفهام حول الأمن في المملكة، وذلك في أعقاب وقوع انفجار غامض في سيارة دعم تقل ستة أعضاء من فريق “سوديكارز راسينغ” خارج فندق دوناتيلو بمدينة جدة الساحلية.

وأدى الانفجار، الذي وقع قبل أيام من انطلاق رالي داكار المملكة، إلى إصابة السائق الفرنسي فيليب بوترون بجروح بالغة. وأصيب السائق، البالغ من العمر 61 عاماً، “بحروق وتمزق” في ساقيه، ليتم نقله إلى مستشفى عسكري في باريس لتلقي مزيد من العلاج الطبي بعد ثلاث عمليات أولية في المملكة. ونجا الركاب الآخرون بسلام.

وألقى الانفجار بظلاله على جهود السعودية لإظهار نفسها كمركز رئيسي للأحداث الرياضية الدولية الكبرى. كما أضعف من تأثير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة في ديسمبر 2021 ولقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهنا لا بد من الإشارة إلى كون ماكرون أول رئيس غربي يتعامل بشكل مباشر وعلني مع ولي العهد منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018.

ومن المحتمل أن تثير الخلافات بين فرنسا والسعودية حول سبب الانفجار للتساؤلات حول الأمن في المملكة وكذلك حول حملة ولي العهد على الخصوم المحتملين وأي شكل من أشكال المعارضة.

وكان السباق، الذي كان يطلق عليه في الأصل اسم رالي باريس داكار، قد نُقل من شمال وغرب إفريقيا قبل عدة سنوات لأسباب أمنية، إلى أمريكا الجنوبية أولاً، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية في عام 2020.

وفتحت فرنسا تحقيقاً بشأن احتمالية وجود دوافع إرهابية وراء الحادث، لكن السعودية أصرت على أن تحقيقها لم يجد أي شكوك جنائية أولية. وقالت وزارة الخارجية السعودية إنها على اتصال بالسلطات الفرنسية.

ومن المرجح أن القضية قد نوقشت في محادثة هاتفية يوم الأحد بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان.

وسبق للودريان مطالبة المملكة العربية السعودية بتوفير أكبر قدر ممكن من الشفافية.

يأتي ذلك في الوقت الذي حذرت فيه فرنسا رعاياها المقيمين في المملكة، مطالبة إياهم بـ “توخي أقصى درجات اليقظة” في أعقاب الانفجار.

وفي هذا السياق، أيّد ريتشارد غونزاليس رئيس فريق سوديكارز الشكوك الفرنسية بشأن وجود هجوم متعمد. وقال غونزاليس: “رأيت كل شيء. لقد كان حادثاً متعمدًا؛ لا شك في ذلك”.

ويُعتقد على نطاق واسع أن المملكة العربية السعودية تعتبر الرياضة فرصةً لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على صادرات النفط وكوسيلة لتحسين الصحة العامة وتلميع صورتها المشوهة في ملف حقوق الإنسان.

وتزامن الانفجار مع انتكاسة ثانية حديثة في الجهود السعودية الرامية إلى صرف الانتباه عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ليس فقط عبر الرياضة ولكن أيضًا عبر تصوير المملكة كمنارة متسامحة دينياً للتفسير “المعتدل” للإسلام، وكرائدة للحوار بين الأديان.

وتعرضت المملكة لهزيمة بعد القرار الإجباري بنقل مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات من فيينا إلى لشبونة. وبحسب دورسي، فإن المركز يأمل يواجه قدراً أقل من الجدل في العاصمة البرتغالية جرّاء افتقار المملكة إلى الحرية الدينية وسجلها المشوه في ملف حقوق الإنسان.

وألقى أنصار المركز باللوم على المشاعر المعادية للمسلمين كسبب للجدل المثار حوله، علماً بأن هذا المركز يعد جزء من الجهد السعودي الرامي إلى حشد القوة الناعمة الدينية في منافسة مع دول أخرى في الشرق الأوسط وآسيا، بما في ذلك الإمارات وقطر وتركيا وإيران وإندونيسيا.

وكانت هيذر ووكوش، وهي مستشارة عملت مع مركز الملك عبد الله، قد أشارت إلى توفير المركز لورش عمل مجانية تهدف لدمج المسلمين في المجتمع النمساوي، بالتزامن مع تنظيم الفعاليات الرامية لبناء القدرات المتعلقة بالحوار السلمي ومبادئ الحوار بين الأديان. وشملت جهود المركز مبادرات تهدف لمكافحة خطاب الكراهية في نيجيريا وحماية الروهينغا في ميانمار.

وتساءلت هيذر: “لماذا نغلق مكتبًا يدعم بنجاح الفئات الضعيفة من السكان في النمسا وفي الخارج؟ ومن سيتحمل مسؤولية كل هذه الخدمات إذا تم إغلاق مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار؟”.

بيد أن ما لم يتم الإجابة عليه، بحسب دورسي، هو ضرورة إسناد عملية تعزيز الحوار بين الأديان والتآلف بين الشعوب، في المقام الأول، إلى مؤسسة تمولها السعودية، بدلاً من تناط المسؤولية بشكلٍ مشترك بالنمسا والدول الأخرى الفاعلة في المجتمع الدولي على قدم المساواة.

ويضيف دورسي: “بالمثل، فإنه لا تتم الإشارة إلى غياب الحرية الدينية والتسامح في المملكة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع ترويج المملكة العالمي للحوار بين الأديان”. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن السعودية تحظر، بصورة مغايرة لمعظم الدول ذات الأغلبية المسلمة، بناء دور العبادة لغير المسلمين وتحول دون قيام هؤلاء بممارسة طقوس عباداتهم في الأماكن العامة.

لكي نكون منصفين، سمحت المملكة بإشارات غير مباشرة إلى عيد الميلاد وعيد الحب في السنوات الأخيرة. وفي العام الماضي، أزالت الإشارات المتعصبة إلى اليهود والمسيحيين والشيعة في الكتب المدرسية.

ومع ذلك، ربما تواجه المملكة العربية السعودية أيضًا رياحًا معاكسة في جهودها الدبلوماسية التقليدية لتخفيف التوترات في الشرق الأوسط، جزئيًا عبر دخولها في حوار مع إيران تحت إدارة العراق.

وعلى خلاف مما يبدو أنه جهود من كلا البلدين لتخفيف حدة خطابهما، نشرت وسائل الإعلام السعودية في الأيام الأخيرة مقالات تثير قضايا تعتبر حساسة بالنسبة لإيران على وجه الخصوص.

وجاءت المقالات المنشورة بعد أيام من تعبير الملك سلمان عن قلقه بشأن نقص تعاون إيران المزعوم مع المجتمع الدولي بشأن برامجها النووية وصواريخها الباليستية، و”سلوكها السلبي” في المنطقة.

وإلى جانب التصريحات السابقة للمسؤولين السعوديين والتي تهدف إلى تخفيف التوقعات بشأن المحادثات مع إيران، يبدو أن تصريحات الملك والمقالات المنشورة تشير إلى تقدم الحوار بوتيرة بطيئة.

وقال الملك سلمان: “نتابع بقلق سياسة الحكومة الإيرانية التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، بما في ذلك بناء ودعم الميليشيات الطائفية المسلحة ونشر قوتها العسكرية في دول أخرى”.

وكانت صحيفة “عرب نيوز”، الصحيفة الإنكليزية الأولى في المملكة، قد نشرت مقالاً على صفحة كاملة لتقديم شرح مفصل عن محنة الإيرانيين من أصل عربي المقموعين في محافظة خوزستان الغنية بالنفط وتطلعاتهم منذ قرنٍ مضى. وساهم هذا المقال، بحسب رأي دورسي، في تغذية الاعتقاد الإيراني بأن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ترغبان في رؤية تفكك إيران كدولة قومية.

وبالمثل، عادت صحيفة الجزيرة، وهي صحيفة يومية تسير على النهج الحكومي مثل جميع وسائل الإعلام السعودية، إلى الخطاب الطائفي في مقال حديث. وأكد المقال أن إيران سعت إلى نشر مذهبها الشيعي إلى ما وراء الشرق الأوسط، خاصة في إندونيسيا، وماليزيا، والهند، وإثيوبيا، ونيجيريا.

لا يعني أي من هذا أن الدبلوماسية السعودية العامة والتقليدية قد فشلت.

لكن كل هذا يشير إلى أن الجهود المبذولة لإبراز المملكة العربية السعودية كمملكة مستنيرة تتطلب درجات أكبر من الشفافية والالتزام في الداخل بنفس المبادئ التي تنشرها في الخارج كي تكون فعالة.

كما يشير ذلك، بحسب دورسي، إلى أن التقارب بين المملكة وإيران من المرجح أن يكون هشًا وأن يصبح تسوية مقبولة من الطرفين أكثر منه توافقاً في الآراء بغض النظر عمّا إذا كانت المحادثات في فيينا ستنجح أم لا في إحياء الاتفاقية الإيرانية لعام 2015 التي قيدت البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/  في 11 يناير 2022