وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية تسارع إلى تحسين صورتها قبل قمة العشرين ورئاسة بايدن

قمة مجموعة العشرين السعودية
صورة تم التقاطها يوم ٢١ نوفمبر ٢٠٢٠ لعددٍ من الإعلاميين أثناء اجتماعهم في المركز الدولي لوسائل الإعلام بالعاصمة السعودية الرياض. ويظهر الإعلاميون في الصورة وهم يشخصون بأنظارهم نحو شاشةٍ للعرض أثناء مشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في فعاليات قمة مجموعة العشرين التي تم تنظيمها افتراضياً بسبب جائحة فيروس كورونا. المصدر: FAYEZ NURELDINE/ AFP.

By: James M. Dorsey

نشر الصحفي البارز جميس دورسي مقالة على مدونته تناول فيها الخطوات الحثيثة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لتحسين صورتها قبل انعقاد فعاليات قمة العشرين. ويسلّط دورسي الضوء في مقالته ما يمكن أن تتعرض له المملكة من انتقادات أثناء تنظيم القمة، بالتزامن مع التعريج على ما ينتاب الرياض من مخاوف حيال مستقبل العلاقات مع الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن. وتتضمن القائمة كلاً من ملف حقوق الإنسان، وحرب اليمن والأزمة الإنسانية هناك، بالإضافة إلى تطبيع العلاقات من إسرائيل. ويقوم دورسي بتحليل موقف المملكة من هذه الملفات ويختتم مقاله بطرح التساؤلات حول أفضل الطرق التي يجب اتباعها أثناء التعامل مع المملكة.

وكانت السعودية قد اتخذت خطواتٍ عدّة بغرض تلميع صورتها المشوهة قبل استضافتها للقمة الافتراضية لمجموعة العشرين. وسيجري تنظيم فعاليات هذه القمة التي تضم أكبر اقتصادات العالم نهاية الأسبوع الجاري، وهذا يعني تنظيمها أيضاً قبل تسلّم إدارة بايدن لمقاليد الأمور في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المتوقع أن تتّبع الإدارة الأمريكية الجديدة سياسة مختلفة توجّه انتقاداتٍ أكثر للرياض، بالتزامن مع تخفيف من حدّة تعامل الولايات المتحدة مع إيران والحركات الإسلامية التي لا تلجأ لاستخدام العنف.

وتستهدف هذه الخطوات معالجة الانتقادات الأمريكية والأوروبية للحرب المستمرة منذ خمس سنوات في اليمن، سيّما وأنّ هذه الحرب قد خلّفت وراءها واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. كما يكتنف هذه المساعي التخوف من تبنّي إدارة بايدن لسياساتٍ لا ترتكز فيها على السعودية والإمارات كما كان الحال في عهد إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

وبحسب دورسي، فإنّ هذه الخطوات تهدف أيضاً لترويج أنّ السعودية تساهم في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم الإسلامي رغم أنها ليست مستعدة للقيام بذلك بنفسها. يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه المملكة بناء العلاقات مع الديمقراطيين في واشنطن، سيّما وأن هؤلاء من المقرر استلامهم للسلطة هناك بحلول يناير المقبل.

ويرى دورسي أن المملكة تخشى قدوم إدارة أمريكية أكثر حزماً من سابقتها، وهي في هذا التخوّف تحاكي تخوف عدد من الدول الأخرى. ولهذا، فإن السعودية تبحث حالياً عن شركات مختصّة في العلاقات العامة وتشكيل الضغط في واشنطن، وبالطريقة التي تضمن للرياض الوصول إلى الرئيس الأمريكي المنتخب وحاشيته.

وبحسب صاحب المقالة، فإن المسؤولين السعوديين والمقربين من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يراهنون على أن يرى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن تماشي سياسة المملكة مع السياسة الأمريكية على المدى البعيد باعتبارها شريكاً رئيساً لواشنطن. وفي هذا الصدد، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان: “أنا متأكد أنّ الأمور ستسير على حالها”.

ويقول دورسي: “تراهن المملكة على تقبّل إدارة بايدن لعدم اعتراف الرياض بإسرائيل إلا بعد تحوّل الاعتراف بهذه الأخيرة إلى حالة واسعة النطاق في العالم الإسلامي، سيّما وأنّ السعودية يتواجد على أراضيها أقدس مدن المسلمين وهما مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة. ولذلك، تسعى المملكة لكسب التأييد في واشنطن عبر الضغط على الآخرين لتطبيع علاقاتهم مع الدولة العبرية”.

يأتي ذلك في الوقت الذي قام فيه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بكيل الاتهامات الأسبوع الماضي للولايات المتحدة ولدولةٍ أخرى لم يُسمّها حيال ضغطها عليه لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. في المقابل، أكدت وسائل إعلام باكستانية وإسرائيلية أن السعودية هي الدولة المقصودة في تصريحات عمران. وتحظى إمكانية سير باكستان على خطوات الإمارات والبحرين بالاعتراف بإسرائيل بأهميةٍ خاصة، سيّما وأن هذه الدولة تعتبر ثالث أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان.

ويرى دورسي أنّ المساعي السعودية ينقصها دفع الاتهامات في مجال حقوق الإنسان. وأشارت شخصياتٌ سعودية بارزة إلى صعوبة خضوع المملكة لمطالب الإفراج عن النشطاء والشيوخ وغيرهم من المعتقلين. كما استبعد هؤلاء إعلان الحقيقة بشفافية في شأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 كاستجابة لإصرار بايدن على تعزيز حقوق الإنسان باعتبارها عنصراً مهماً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وكان الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودي السابق والسفير السابق للمملكة في لندن وواشنطن، قد أشار إلى أنّ غياب حقوق الإنسان عن مساعي الرياض لا يمكن أن يأتي مصادفة.

وفي معرض حديثٍ أجراه مع جمهورٍ أمريكي خلال هذا الأسبوع، قال الأمير تركي: “نعترف بأنّ لدينا بعض المشاكل التي يتوجب علينا علاجها في ملف حقوق الإنسان ونحن نعمل على ذلك. ولكن مع احترامي، فإن بلدكم لديه أيضًا مشاكل يجب معالجتها في الملف ذاته. لقد تابعت الاضطرابات الأخيرة التي وقعت أثناء الانتخابات وحوادث إطلاق النار من الشرطة. نحن لم نخترع الإيهام بالغرق (وهو أحد أساليب التعذيب). أنتم أيضاً تعملون على معالجة مشاكلكم… لقد كانت الانتخابات مشهداً رائعاً يمكننا التعلم منه، فهذه الانتخابات شابها أخطاء كان ينبغي تجنّبها”.

ولإيضاح هذه النقطة، نقل دورسي عن منظمة حقوقية سعودية صدور حكم بالسجن لمدّة خمس سنوات على خالد العودة، بتهمة “التحريض على الفتنة وزعزعة الأمن”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن خالد العودة شقيق الشيخ البارز سلمان العودة المعتقل منذ عام 2017 والذي من المحتمل صدور حكمٍ بالإعدام في حقه.

وشهد الأسبوع الماضي خروج هيئة كبار العلماء في السعودية بأوّل بيان رسمي لها منذ حظر السعودية والإمارات لجماعة الإخوان المسلمين في 2014. وأعلنت الهيئة في بيانها أنّ حركة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وقالت الهيئة إن الجماعة لا تمثّل الإسلام وتسعى “للاستيلاء على مقاليد السلطة” وتنشر الفوضى و”العنف والإرهاب”.

بيان الهيئة جاء في وقتٍ تشنّ فيه فرنسا والنمسا حملة قمع للجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. وتأتي هذه الحملة ردّاً على عدة هجمات تم شنّها في أوروبا، بما في ذلك القتل المروع لمعلمٍ فرنسي.

ويقول دوسي: “إنّ صدور البيان الذي يدعو في طياته إلى التشكيك بتحالف السعودية مع حزب الإصلاح في حرب اليمن، وهو حزبٌ يمني يرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، يأتي في وقتٍ صرحت فيه المملكة بأنها ستلتزم بوقف إطلاق النار إذا وافق الحوثيون على إقامة منطقة عازلة على طول الحدود السعودية – اليمنية. ويُظهر هذا العرض بحث المملكة عن مخرج من مستنقع الحرب”.

يأتي ذلك في الوقت الذي أحجمت فيه السلطات السعودية عن إلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين عقب الهجمات الأخيرة على السفارة السعودية في لاهاي والقنصلية الفرنسية في جدّة. وينطبق نفس الإحجام على موقف الرياض من الهجمات التي استهدفت مراسم إحياء ذكرى الحرب العالمية الأولى برعاية فرنسية في إحدى مقابر بجدّة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الهجوم الأخير كان أول استهدافٍ تشهده السعودية بالعبوات الناسفة منذ سنوات.

وبحسب عيران سيغال، الباحث المختص في الدراسات الإيرانية ودراسات الخليج بجامعة حيفا، فإن السعودية والإمارات تخشيان أن “يعيد الديمقراطيون خلق أجواءٍ تمكّن جماعة الإخوان المسلمين من الصعود في العالم السني كما كان الحال قبل عقدٍ مضى”، مشدّداً على أن الدولتين تريان في ذلك “تهديداً مماثلاً للتهديد الإيراني إن لم يكن أكبر”.

ويشير سيغال في حديثه إلى دعم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما للانتخابات في مصر وتونس في عام 2012 في أعقاب ثورات عام 2011 الشعبية التي أطاحت الرئيس المصري حسني مبارك ونظيره التونسي زين العابدين بن علي، حلفاء الولايات المتحدة لفترة طويلة من الزمن، رغم احتمال فوز الإخوان في هذه الانتخابات.

ويقول دورسي: “في مصر، أطاح انقلابٌ عسكري دعمته الإمارات والسعودية بمحمد مرسي، الرئيس المنتخب والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، ليستحوذ بذلك الجنرال عبد الفتاح السيسي على مقاليد السلطة ويتحول بذلك إلى رئيسٍ للبلاد”.

وأثارت رئاسة السعودية لمجموعة العشرين النقاش حول أفضل نهجٍ للتعامل مع المملكة، سيّما وأنّ الآراء قد انقسمت بين من يدعو لتوجيه أصابع النقد نحو السعودية ومقاطعتها، وبين من يدعو للمشاركة في الحدث. وبحسب صاحب المقالة، فإن إدارة بايدن القادمة لا بد تشارك أيضاً في هذا النقاش.

وتجدر الإشارة إلى مقاطعة عمداء لندن ونيويورك ولوس أنجلوس وباريس لقمّة مجموعة العشرين الافتراضية التي جرت فعالياتها في سبتمبر الماضي على مستوى عمداء المدن. كما قام أعضاءٌ في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي بتوجيه الدعوة للقادة الأوروبيين ولترامب بعدم المشاركة في قمة نهاية الأسبوع الجاري.

بيد أن هذا النهج مصيره الفشل بحسب ما يراه ديفيد رونديل الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي قضى حوالي 15 عاماً في المملكة. ويرى رونديل أن السعودية “تحتاج إلى التشجيع لإنجاز إصلاحاتها الاقتصادية ومعالجة ملف مجال حقوق الإنسان”، ولذلك فهو يدعو إلى مشاركة أكبر مع المملكة بدلاً من عزلها.

ملاحظة

* الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 21 نوفمبر 2020.