وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التنافس السعودي الإماراتي يحتل الصدارة في خلافات أوبك

التنافس السعودي الإماراتي
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتحدث خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) في جلسة افتراضية في العاصمة الرياض، في 28 يناير 2021. Fayez Nureldine / AFP

مات ناشد

تتسابق المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتنويع اقتصاداتهما بينما يستعد البلدان لمستقبل ما بعد النفط، إذ تهدد المنافسة الشرسة حول المستثمرين والسائحين بتعطيل التحالف الذي شكّل الشرق الأوسط منذ الربيع العربي.

بيد أن الخلاف الأخير طفا على السطح خلال اجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول، المعروفة الآن باسم أوبك+، منذ أن وافقت المنظمة على التعاون مع غير الأعضاء في أواخر عام 2016.

ففي يوليو 2021، اقترحت المملكة العربية السعودية وروسيا – الزعيمان الفعليان لأوبك + – تقييد إنتاج النفط إلى ما بعد أبريل 2022، وفي حين تقبلّت الدول الأخرى الأمر، طالبت الإمارات العربية المتحدة زيادة مستوى الإنتاج المسموح به.

ترغب الإمارات العربية المتحدة في زيادة الإنتاج إلى أقصى حدٍ للاستثمار في اقتصاد ما بعد النفط، الذي ترى أن له بُعداً وجودياً في الحفاظ على النفوذ الإقليمي، بيد أن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تحقق الإمارات العربية المتحدة رؤيتها في القريب العاجل، في ظل إدراك الأولى تخلّفها في تحويل اقتصادها. وبدلاً من ذلك، ألقت السعودية باللوم على الإمارات في عرقلة اتفاق أوبك اللازم لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط العالمية.

وفي هذا الصدد، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان للصحفيين: “المجموعة بأكملها مقابل دولة واحدة، وهذا أمرٌ محزن بالنسبة لي ولكن هذا هو الواقع.”

في حين قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل محمد المزروعي “إن دولة الإمارات تطالب بالعدالة في الاتفاقية الجديدة… ومن حقنا السيادي أن نطالب بالمعاملة بالمثل مع بقية الدول”.

يجسد اعتراض الإمارات كيف ترى نفسها: قوةً إقليمية ترسم مسارها الخاص، خارج ظل المملكة العربية السعودية. كما يسلط الخلاف الضوء أيضاً على الديناميكيات المتغيرة بين البلدين بعد ما يقرب من عقدٍ من التعاون الوثيق، إذ قام الحليفان، خوفاً من التأثير المضاعف للديمقراطية خلال الربيع العربي، بتمويل لاعبين معاديين للثورة والأنظمة القمعية من أجل السيطرة على تأثير الديمقراطيين الليبراليين والإخوان المسلمين وإيران.

التنافس السعودي الإماراتي
ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد مغادرته اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مكتبه في 10 داونينغ ستريت بوسط لندن في 10 ديسمبر 2020. Hollie Adams / AFP

لكن على مدى العامين الماضيين، انحرف الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، عن مسار المملكة العربية السعودية بشأن الملفات الرئيسية، إذ قام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل الحصول على طائرات إف-35، الطائرة المقاتلة الأمريكية الأكثر تطوراً – فضلاً عن سعيه تحقيق أهداف جيوسياسية منفصلة في اليمن. واليوم، تركز الإمارات على الحفاظ على مكانتها كمركزٍ اقتصادي في المنطقة.

وعلى ضوء هذه الأحداث، كان مُقدرّاً أن تتداخل خطط التنويع الاقتصادي ما بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وحتى قبل أن يصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد، كشف النقاب عن رؤية 2030، حيث تسعى الخطة إلى تحويل المملكة العربية السعودية من مملكة شديدة التحفظ تعتمد اعتماداً كلياً على النفط، إلى قوةٍ صناعية ومستقبلية ولوجستية. فقد صاغ محمد بن سلمان رؤيته بنسقٍ مماثل لمحمد بن زايد، الذي رأى بنفسه رائداً إقليمياً في عددٍ من الملفات. وكحال الإماراتيين، يعتمد السعوديون على إكسير من الليبرالية الاجتماعية والاستبداد الوحشي لقيادة التنويع والتنمية.

لتسريع التقدم، يخطو محمد بن سلمان خطواتٍ تقوّض مكانة الإمارات كمركزٍ عالمي جذّاب. وفي 16 فبراير 2021، أعلنت المملكة أن الشركات ستفقد وصولها إلى العقود الحكومية المربحة بحلول عام 2024 إذا لم تنقل مقارها الإقليمية من الإمارات العربية المتحدة إلى المملكة العربية السعودية.

وعليه، قد تحاول الشركات رفض مثل هذه الإجراءات، حيث تحتل الإمارات المرتبة 16 على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي، بينما تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 63. ومع ذلك، من المتوقع أن يشهد ترتيب المملكة تحسناً ملحوظاً بعد أن خففت من البيروقراطية. علاوةً على ذلك، كشفت المملكة العربية السعودية أنها ستفرض تعريفة جمركية على المنتجات المصنوعة في المناطق الحرة في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعدّ عنصراً أساسياً في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، ينبغي ألا تسفر المنافسة على الاستثمار والسياح إلى إفساد العلاقات، بل على العكس من ذلك، يمكن أن تحفز الابتكار وتعود بالنفع على جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بحسب بدر السيف، الزميل غير المقيم في مركز مالكولم كير- كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

فقد أشار إلى أن المفتاح يكمن في أن الإماراتيين والسعوديين يجب أن يدركوا أن المنافسة لا تفوق فوائد التعاون في عددٍ من المصالح المشتركة الأخرى.

وبحسب ما قاله لنا في فَنَك: “هناك شعور في المملكة العربية السعودية، بين صنّاع القرار والشباب، بأنهم فقدوا فرصة التطور في الماضي”. وأضاف، “يدرك الإماراتيون هذا الواقع، لكن لا ينبغي أن يكون هناك صراع طالما أن تصوراتهم عن تهديد بعضهم البعض ظلت منحسرة.”

كما يمكن للولايات المتحدة أيضاً الاستفادة من المنافسة المتزايدة بين الرياض وأبو ظبي لدفع كلا البلدين إلى تحسين سجلهما في مجال حقوق الإنسان وتحقيق الاستقرار في المنطقة، إذ سيكون محمد بن سلمان ومحمد بن زايد حساسين بشكلٍ متزايد تجاه النقد والتهديدات المحتملة بفرض عقوبات – سواء كان ذلك بسبب الانتهاكات المرتكبة في الداخل أو الخارج – ذلك أنها قد تلحق الضرر بصورة كل منهما وتخيف المستثمرين.

مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن كلا البلدين تخففان حدّة القوة الصلبة لتلميع صورتهما، إذ تمتلك الإمارات العربية المتحدة الصورة الأكثر بريقاً في الوقت الحالي، ذلك أن معظم الأشخاص في الولايات المتحدة أقل وعياً بسياساتها القمعية وغزوها الإمبريالي، مقارنةً بالمملكة العربية السعودية. وهذا يبشر بالخير للمستثمرين الذين يتطلعون إلى تجنب رد الفعل العام العنيف لممارسة الأعمال التجارية مع الأنظمة القمعية، كما أنه يفيد الإمارات بنفس القدر، التي يمكن أن تحسن سمعتها من خلال النأي بنفسها عن المملكة العربية السعودية.

من جهته، يعتقد هاني صبرا، مؤسس شركة أليف الاستشارية والخبير في شؤون الخليج، أن المحور السعودي/ الإماراتي سيتجزأ مع تصاعد المنافسة، أي أن البلدين سيتوقفان عن التوفيق بين أجندات سياستهما الخارجية للسعي وراء مصالح مشتركة متعددة.

وقال صبرا لفَنَك: “أعتقد أن هذا الوقت قد انتهى،” وأضاف “تعتقد كل دولة أنه يمكنها التحالف على أساسٍ جزئي، وحيثما تشعر أنه من الآمن التنافس في قضية أخرى، ستفعل ذلك أيضاً.”

وبالتالي فإن حدوث تداعياتٍ كبيرة أمرٌ غير مرجح، ولكنه ليس مستحيلاً، إذ يمكن أن تتدهور العلاقات إذا اعتقدت الإمارات أن المملكة العربية السعودية تقوّض طموحاتها بشكلٍ مستمر ومتعمد، والعكس صحيح. وبالتالي، قد يشهد أحد السيناريوهات خروج الإمارات من منظمة أوبك إذا لم يتم حل الخلاف. ووفقاً لعددٍ من الأشخاص المطلعين على الموضوع، فإن الخيار واردٌ لدى المسؤولين الإماراتيين.

“مغادرة أوبك ستكون إشارة واضحة على التشرذم،” على حد تعبير صبرا، وتابع: “خيارٌ ممكن إلا أنه ليس مرجحاً.”