وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

“ويكليكس السعودية”: شراء النفوذ وغزو الفساد

cartoons-saudi-leakes-jpg

في 19 يونيو 2015، ذكر موقع ويكليكس البارز والمعروف بتأييده للشفافية، أنه سينشر أكثر من 500,000 وثيقة من وزارة الخارجية السعودية. وذكر موقع “ويكليكس” في بيان له أنه قد نشر بالفعل حوالي 60 ألف وثيقة من “الوثائق السعودية” غالبيتها باللغة العربية فيما يبدو أنه أكبر تسريب للوثائق منذ أن بدأت هيئة “ويكليكس” تسريباتها للوثائق التي بحوزتها منذ نوفمبر 2010. وتتضمن الوثائق مراسلات سرية من مختلف السفارات السعودية حول العالم، فضلاً عن تقارير “سرية للغاية” من مؤسسات الدولة السعودية الأخرى، بما في ذلك وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة في المملكة.

كما تتضمن بيانات الذاكرة المؤقتة الضخمة العديد من مراسلات البريد الإلكتروني بين وزارة الشؤون الخارجية
ومختلف الجهات الأجنبية. الوثائق السعودية، التي تم نشرها على شكل مجموعات من عشرات الآلاف من الوثائق، تكشف عن المؤامرات داخل الأسرة المالكة، والخوف من الجارة إيران، وعدم الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية. وقال جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكليكس الاسترالي الذي أنهى في يونيو الماضي الذكرى الثالثة منذ طلبه اللجوء في سفارة الأكوادور في لندن، عن تسريبات ويكليكس السعودية ” أن الوثائق السعودية ترفع الغطاء عن دكتاتورية محاطة بالسرية وغير منتظمة على نحو متزايد والتي لم تحتفل ببلوغ عدد الرؤوس المقطوعة فيها إلى المائة هذه السنة فحسب، بل أصبحت تشكل خطراً على جيرانها وعلى نفسها”.

وتكشف الوثائق عن جهود مكثفة لرصد واستمالة وسائل الإعلام العربية، لضمان تصحيح أي انحرافات في التغطية الإقليمية للمملكة العربية السعودية والقضايا المتعلقة بالمملكة. وتعتمد استراتيجية المملكة العربية السعودية في هذا الاستقطاب على مبدأ الثواب والعقاب، المُشار إليه في هذه الوثائق بـ”التحييد” و”الاحتواء.”

نظام الحكم في المملكة العربية السعودية وراثي، وهي ملكية مُطلقة تحتل مساحة كبيرة بين الخليج العربي والبحر الأحمر. ويعتبر سجل حقوق الإنسان في المملكة كئيباً، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس وواتش، إلا أنها تعتبر حليفاً من الصفوف الأولى للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى حدٍ كبير إلى امتلاكها احتياطات هائلة من النفط، أي ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد فنزويلا. المملكة العربية السعودية، التي ترأس منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) منذ تأسيسها عام 1960، تتصدر بشكلٍ دائم قائمة الدول المنتجة للنفط وغالباً ما تطغى على الأعضاء الآخرين، مما يمنح المملكة تأثيراً غير متكافىء في الشؤون الدولية. وتضخ في كل عام مليارات الدولارات البترولية عبر البنوك الأمريكية والبريطانية، فضلاً عن صناعات الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية. كما تترأس المملكة أيضاً مجلس التعاون الخليجي وتُسيطر على السوق الخيري الإسلامي العالمي.

وفي 29 أبريل 2015، تم تعيين عادل الجبير، السفير السعودي منذ فترة طويلة لدى واشنطن وزيراً للخارجية خلفاُ للأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز الذي قضى أربعين عاماً في منصبه مما يجعل الأخير أقدم وزير للخارجية في تاريخ العالم. توفي الأمير سعود الفيصل في 9 يوليو 2015 في لوس أنجلوس، بعد إصابته بمرض لم يكشف عنه.

تقدم الوثائق لمحة نادرة عن الأعمال الداخلية للعائلة المالكة السعودية التي تتسم بالسرية، وتسلط الضوء على تدخل المملكة في الشؤون الإقليمية. كما تلقي الضوء على التنافس الإقليمي طويل الأمد للمملكة مع إيران، ودعمها للثوار في سوريا والحكومة المصرية المدعومة من قِبل الجيش، ومعارضتها للإتفاق الدولي القائم آنذاك حول برنامج طهران النووي الذي كان يُعرف عالمياً باسم خطة العمل المشترك الشاملة بين مجوعة 5+1 (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا) وإيران (التي تم توقيعها في 14 يوليو 2015 في فيينا).

ووفقاً لإحدى الوثائق منذ عام 2012، سلطت رسالة من السفارة السعودية في طهران إلى وزارة الخارجية في الرياض الضوء على الشكوك السعودية حول البرنامج النووي الإيراني وسخرت من “رسائل الغزل الأمريكي” التي تم نقلها إلى إيران عبر الوسيط التركي الذي لم يُكشف عن إسمه. وفي رسالة أخرى من عام 2012، ولكن هذه المرة تم إرسالها من السفارة السعودية في أبو ظبي، ذُكر فيها أن الإمارات العربية المتحدة “تضغط بشكلٍ كبير” على الحكومة المصرية كي لا تحاكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي أطيح به في انتفاضة شعبية في العام السابق.

وفي رسالة بتاريخ 14 أغسطس 2008، والتي صنفت تحت بند “سري وعاجل للغاية” كتبت وزارة الخارجية إلى السفارة السعودية في واشنطن لتنبيه دبلوماسييها أن العشرات من طلاب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى قد زاروا السفارة الإسرائيلية في واشنطن كجزء من برنامج القيادة الدولي. وذكرت الرسالة أنهم “استمعوا إلى احاطات الدبلوماسيين من موظفي السفارة، وطرحوا الأسئلة، والتقطوا الصور،” حيث طُلب من السفارة إرسال آخر مستجدات، على وجه السرعة، حول الوضع. وعلى الرغم من أنّ الحكومة السعودية تشجع مواطنيها على عدم تبادل الوثائق، واصفة العديد منها “بالملفقة،” إلا أنها لم تنفي حتى الآن، بشكل لا يقبل الجدل، وجود الوثائق.

ويبدو أن حكومة المملكة العربية السعودية قلقة بشأن اكتشاف مواطنيها تجاوزات أفراد الأسرة المالكة. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، لا تتعلق أحد أكثر الوثائق المسربة شعبيةً بإحدى المذكرات الداخلية للسفارات أو بالملفات السرية للغاية، بل بـ”فاتورة بسيطة أرسلها مالك شركة ليمو جنييف (شركة ليموزين بجنيف) تتعلق بمغادرة إحدى زبائنه البلاد بعد أن باتت مدينة له بـ1,5 مليون فرنك سويسري (1,25 ميلون دولار).”

وارتبطت الفاتورة بالأميرة مها الإبراهيم، زوجة الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود. ووفقاً لخبر صحيفة لإندبندنت، تواصلت وكالة اسوشيتد برس مع لويس روليت، المسؤول آنذاك في شركة ليمو، وهي شركة خدمات ذهبية لسيارات الليموزين، وذكر أنه يتذكر الحادثة جيداً وأكد صحة هذه الوثيقة، على الرغم من أنه ذكر أنّ إجمالي الفاتورة “يتجاوز بكثير” المليون ونصف فرنك سويسري.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles