وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التغيير الشامل المُربك داخل كيانات النظام الجزائري لا يزال يُثير التساؤلات

Algeria- Abdelaziz Bouteflika
يظهر في هذه الصورة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أثناء تصويته في أحد مركز الاقتراع بالجزائر العاصمة في 23 نوفمبر 2017. Photo AFP

قبل أربعة أشهرٍ فحسب من الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقرر إجراؤها في أبريل 2019، تواصل لعبة الشد والجذب الغامضة داخل نظام البلد المجزأ تصاعدها على نطاقٍ غير مسبوق. فهناك عدم توافق آراءٍ متداول حول جولةٍ رئاسية أخرى للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. ولا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر هذا على التصويت القادم، ففي حين أن العديد من أجزاء النظام قد دعمت علناً ترشيح الرئيس المريض، الذي يخدم في منصبه “كمرشحٍ توافقي” للنظام منذ عام 1999، إلا أن موجةً من التغييرات الشاملة والتعديلات المريبة للغاية داخل العديد من المؤسسات الرئيسية للنظام تهدد انتخاباتٍ مجدوله سلسة وخالية من المتاعب.

بدأ الأمر برمته في مايو 2018، مع ضبط 701 كيلوغرام من الكوكايين في ميناء مدينة وهران الواقعة على البحر الأبيض المتوسط. فقد تسببت الفضيحة في حدوث موجاتٍ منذ ذلك الحين، حيث يزعم أن العديد من المسؤولين رفيعي المستوى من الأجهزة الأمنية وكبار السياسيين وأولادهم، بالإضافة إلى القضاة ومدعين عامين متورطون في القضية. وبعد شهر من إثارة “قضية الكوكايين” لزوبعةٍ في أروقة السياسة الجزائرية، اتهم عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني في البلاد، وبشكلٍ غير مباشر، وكالات إنفاذ القانون المسؤولة عن التحقيقات بالفساد خلال مؤتمرٍ صحفي في العاصمة الجزائر. وبعد يومٍ واحد، تم إقالة هامل واستبداله.

وفي يوليو، تم أيضاً إقالة قائد الدرك الوطني القوي، اللواء مناد نوبة، واضطر قادة أربعة من أصل ستة قياداتٍ عسكرية إقليمية في البلاد إلى ترك مواقعهم في غضون الأسابيع التالية. كما تأثر أيضاً بموجة الإقالات كلٌ من المدير المركزي لأمن الجيش، ورئيس أمن ولاية الجزائر العاصمة، وعدد من مسؤولي الأمن والجمارك في المطار. وعلاوةً على ذلك، وصلت الحملة أيضاً إلى المستوى الثانوي للقيادة، حيث تم استبدال العديد من كبار قادة قوات الدرك.

وفي حين لم تقدم الرئاسة ولا وزارة الدفاع أي تفسيرٍ رسمي لهذه الإقالات، إلا أن وسائل الإعلام المحلية والمراقبين وشخصيات المعارضة ربطت موجة الاستبدالات هذه، وعلى نحوٍ متزايد، بالانتخابات الرئاسية لعام 2019، وقضية الكوكايين ومحاولات بوتفليقة لمواجهة الفساد المنتشر داخل العديد من مؤسسات الدولة أو صراع العشائر داخل النظام الجزائري المجزأ بشدة.

وفي سبتمبر 2018، جردت محكمة عسكرية في البليدة، الواقعة على الساحل الشمالي، خمسة جنرالات، بمن فيهم اللواء نوبة، من جوازات سفرهم وأجرت تحقيقاتٍ ضدهم بتهمٍ مزعومة تتعلق بـ”ممتلكاتٍ غير مشروعة” و”ثرواتٍ شخصية” وإنشاء شركات “باسماء أولادهم.” وحتى الآن، لا تعتبر هذه التحقيقات القضايا الوحيدة في السنوات الأخيرة التي تكشف تورط كبار المسؤولين الحكوميين أو الأمنيين في التحقيقات المتعلقة بالاختلاس أو الفساد. ومع ذلك، يتم استغلال الكشف عن مثل هذه الحالات بشكلٍ متزايد، أو حتى إطلاقها، من قِبل كل فصيلٍ داخل النظام لإضعاف معارضيه داخل النخبة الحاكمة. ومن الجدير بالذكر أن النخبة الجزائرية تتألف من جهة من جناحٍ مدني، بقيادة جبهة التحرير الوطني بقيادة بوتفليقة، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، والجيش من جهةٍ أخرى.

Algeria- President Abdelaziz Bouteflika
صورة تم الحصول عليها في 12 يونيو 2013 من قبل وكالة الأنباء الجزائرية، تظهر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (وسط) يستقبل رئيس الأركان الجزائري أحمد قايد صلاح (يسار) ورئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال (يمين) في مستشفى باريس في 11 حزيران 2013. Photo AFP

وفي ظل هذه الخلفية، صاغ الصحفي المطلع أدلين مِدّي، حملة الإقالات والإستبدالات الأخيرة باعتبارها مؤشراً على أن صراع السلطة طويل الأمد بين عشيرة بوتفليقة والعسكريين قد ينتهي أخيراً. ففي مقالٍ له على موقع ميديل إيست أي، أشار مِدّي إلى التقاعد المفاجىء عام 2015 لمحمد الأمين مدين (المعروف باسم الجنرال توفيق)، الشخصية الأكثر نفوذاً في الجيش ورئيس وحدة التدخل العسكري في الجزائر، دائرة الاستعلام والأمن. فقد كان يُعرف الجنرال توفيق باعتباره أقوى غريم لبوتفليقه داخل النظام وشخصيةً بارزة في حملة الجيش الدامية ضد التمرد خلال الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينات. ففي عام 2016، تمت إعادة تسمية دائرة الاستعلام والأمن لتصبح مديرية المصالح الأمنية، التي تتحكم بها الرئاسة منذ ذلك الحين. واعتبرت إعادة تشكيل الجهاز الأمني، على نطاقٍ واسع، بمثابة انقلابٍ على فرع الاستخبارات العسكرية من قبل حلفاء بوتفليقة.

لذا، تجدر الإشارة إلى أن بعض الجنرالات الجزائريين الذين تم عزلهم في الأشهر الأخيرة كانوا آخر القادة المتبقين الذين يمثلون ما يُسمى بـ” الاستئصاليين،” وهم الفصيل المتشدد من الجيش الجزائري الذي نفذ نهجاً لا هوادة فيه على المدنيين خلال الحرب الأهلية. وبعد الحرب، كانت دائرة الاستعلام والأمن، التي يرأسها توفيق منذ عام 1990، الإدارة الرئيسية للجيش الجزائري واعتبرت أكثر نفوذاً من هيئة الأركان العامة للجيش.

ولكن اليوم، انتقلت السلطة داخل المؤسسة العسكرية إلى حدٍ كبير بعيداً عن إدارة المخابرات غير الشفافة تجاه رئيس أركان الجيش الوطني ونائب وزير الدفاع، أحمد قايد صلاح، الذي اكتسب نفوذاً هائلاً منذ عام 2015 على جهاز الأمن في البلاد. وفي أغسطس 2018، تحدث موقع ألجيري بارت، عن لقاءاتٍ منتظمة بين بوتفليقة وقايد صلاح في مقر الرئاسة بالجزائر العاصمة، مصوغاً هدف تلك الاجتماعات كمحاولةٍ “للحد بشكلٍ كبير من تأثير قوة المال الخطيرة على الشؤون السياسية.” وعلى الرغم من أن بوتفليقة وقايد صلاح يتصدران الحملة الحالية لمعالجة مشكلة الفساد داخل أجزاء معينة من النظام، إلا أنه يبقى موضع تساؤل حول ما إذا كان ذلك يتم من أجل القضاء على الفساد بشكلٍ عام. فقد تكون الحملة ببساطة انعكاسٌ للعبة الشد والجذب داخل النظام الجزائري.

في هذه الأثناء، قد تكون حملة التطهير المشكوك فيها في المؤسسة الأمنية، الذي تستثني بعض الممثلين الرئيسيين للحرس القديم في الجيش، مرتبطةٌ بالانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث تحاول عشيرة بوتفليقة، التي يقودها شقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة، اكتساب وضع النفوذ واليد العليا داخل النظام قبل التصويت. ومع ذلك، ازدادت بقوة معارضة ولايةٍ خامسة لبوتفليقة داخل النظام الجزائري، وحتى داخل جبهة التحرير الوطني، بسبب تدهور صحة بوتفليقة الذي يمنعه من القيام بواجباته. أصبح هذا الأمر أكثر وضوحاً بعد أن تضررت جبهة التحرير الوطني من جراء الاضطرابات الشاملة في نوفمبر 2018، عندما تنحى الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، فجأة من منصبه. ووفقاً للرواية الرسمية، كان هذا لأسباب صحية. وبعد أسبوعٍ من الصمت الغريب من قيادة الحزب، أعلن معاذ بوشارب، رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري المنتخب حديثاً، وبشكلٍ مفاجىء، حل جميع الهياكل التنفيذية للحزب وبشكلٍ فوري، حيث شمل ذلك المكتب السياسي واللجنة المركزية، وهما الهيئتين العليا الأكثر نفوذاً للحزب. وعليه، أنشئت “قيادة جماعية مؤقتة” بقيادة بوشارب لتحل محل الهيئات التنفيذية السابقة، في تناقضٍ واضح مع أحكام اللوائح الداخلية لجبهة التحرير الوطني.

ومع ذلك، فإن بوشارب البالغ من العمر 47 عاماً، والذي لعب دوراً رئيسياً في الاستبدال المثير للجدل لسعيد بوحجة كمتحدثٍ للمجلس الوطني الشعبي قبل شهر، يواصل صعوده غير المتوقع داخل جبهة التحرير الوطني، دون أي منازعٍ تقريباً. وفي الوقت الذي كان فيه ولد عباس، وهو أكثر المناصرين صراحةً لترشح بوتفليقة للرئاسة، قد اتبع نهجاً عدوانياً متشدداً تجاه المعارضة الداخلية، يبدو أن بوشارب يؤيد استراتيجية أكثر ملاءمة في التعامل مع الافتقار الحالي إلى الإجماع حول ترشيح بوتفليقة المحتمل. وعلى الرغم من أنه أشار في أوائل ديسمبر إلى أن بوتفليقة لا يزال مرشح جبهة التحرير الوطني لانتخابات 2019، إلا أنه لا يضغط بشكلٍ علني لفرض هذا الخيار، حيث يحاول بدلاً من ذلك ضخ دماءٍ جديدة في الحزب من خلال تحقيق توافقٍ داخل صفوف الحزب. ومنذ توليه منصبه، عقد بوشارب العديد من المشاورات مع ممثلي عدة أجنحة من حزبه، بما في ذلك الأمينان السابقان عمار سعداني وعبد العزيز بلخادم، من أجل خلق الوحدة داخل صفوف الحزب المنقسم.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الإجماع المنشود داخل النظام الجزائري حول الانتخابات المقبلة يلوح في الأفق. فالعديد من الأحزاب التابعة للنظام تقترح بالفعل تأجيل التصويت، الأمر الذي يُشكل تناقضاً واضحاً مع الدستور.