وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تأخر إعادة الإعمار قد يُعيد إشعال التوترات العرقية

Iraq- Mosul
تُظهر هذه الصور التي جُمعت في 9 يناير 2018، مدينة الموصل القديمة (يسار) أثناء القتال في 9 يوليو 2017، ونفس الصورة للمدينة والتي التقطت في 8 يناير 2018، أي بعد 6 أشهر من سيطرة القوات العراقية على ثاني مدينة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” Photo AFP

إن إعادة إعمار الموصل والمناطق الأخرى في العراق التي دمرت أثناء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تسير ببطء شديد؛ يعوقها كلل المانحين والفساد وضعف الدولة.

ففي حين كان المانحون الدوليون، إلى حدٍ ما، يتنافسون على بسط نفوذهم في العراق من خلال التعهدات بتقديم معونات إعادة الإعمار، إلا أن المبلغ الفعلي الذي تم الالتزام به كان قليلاً للغاية ولا يرقى إلى الحد الذي يقول المسؤولون الحكوميون العراقيون إنه ضروري لإعادة الإعمار.

فقد تضررت الموصل وغيرها من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش بشكلٍ كبير من قبل الجماعة المتطرفة وحملات القصف التي شنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد التنظيم. وعليه، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 40 ألف منزل دمرت في الموصل وحدها، وأن 2,3 مليون شخص ما زالوا نازحين داخلياً، في حين فر مئات الآلاف إلى البلدان المجاورة. ففي غرب الموصل، تقدر تكلفة إعادة بناء البنية التحتية الأساسية بحوالي 700 مليون دولار.

بيد أنه منذ إعلان العراق النصر على داعش في ديسمبر 2017، تسير جهود إعادة الإعمار ببطء شديد، ولا تزال أحياءٌ بكاملها في مدنٍ مثل الموصل والفلوجة والرمادي وسنجار مجرد أطلالٍ بعد أشهرٍ أو سنواتٍ من طرد مقاتلي داعش. ففي سنجار، التي انسحب منها داعش في نوفمبر 2015، تم تحويل وسط المدينة التاريخي إلى ركام، ولا تصل الكهرباء إلى المنازل سوى بواسطة المولدات.

وفي ظل الإحباط الذي يعانونه بسبب بطء وتيرة إعادة الإعمار من قِبل الحكومة، شمّر المواطنون أنفسهم عن أيديهم، وشرع المتطوعون بتنظيف الشوارع في حين بدأ المقيمون بإعادة بناء منازلهم وأعمالهم التجارية.

ومع ذلك، يخشى الكثيرون، داخل وخارج العراق، بأن تؤدي المماطلة بجهود إعادة الإعمار إلى تنامي الاستياء من الدولة العراقية وزرع بذور التطرف مجدداً.

فقد شارك ممثلو أكثر من 70 دولة في المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت في فبراير. وبعد ثلاثة أيامٍ من المحادثات، تعهد المانحون بتقديم 30 مليار دولار من المساعدات الجديدة. إلا أن هذا المبلغ أقل بكثير من المبلغ الذي تقول الحكومة العراقية أنها بحاجته، والبالغ 88 مليار دولار.

فقد تعهدت تركيا، التي سعت إلى تعزيز علاقاتها مع العراق لتفادي الضغط من أجل استقلالٍ كردي، بمبلغ 5 مليارات دولار على شكل تسهيلاتٍ وقروض، والذي يعدّ المبلغ الأكبر. كما تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم تسهيلاتٍ وقروض بقيمة 3 مليار دولار، ولكن ليس على شكل استثماراتٍ مباشرة. كما تعهدت المملكة العربية السعودية التي ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدولة ذات الغالبية الشيعية كجزءٍ من تنافسها الإقليمي مع العراق بمبلغ 1,5 مليار دولار. وتعهدت الكويت بتقديم قروضٍ بقيمة مليار دولار واستثمارات بقيمة مليار دولار، بينما تعهدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم 500 مليون دولار فقط من المساعدات، كما ذكرت أن لديها استثماراتٍ في القطاع الخاص بقيمة 5,5 مليار دولار. كما أعلنت إيران لاحقاً أنها ستفتح أيضاً خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار لجهود إعادة الإعمار.

المصدر: OCHA and Wikipedia. إضغط للتكبير. @Fanack
ولربما يعكس النقص في التمويل حقيقة أن المانحين يشعرون بالإرهاق، وبخاصة بسبب الحرب المستمرة في سوريا، فضلاً عن انعدام الثقة في المؤسسات العراقية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار كما هو مخطط لها. ومن جهتها، تصنف منظمة الشفافية الدولية العراق في المرتبة 169 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد لديها، مما يعني أن في العراق واحد من أعلى مستويات الفساد في العالم. فقد عرقل الفساد وعدم الكفاءة والمحسوبية جهود إعادة الإعمار في وقتٍ سابق بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما تلاه من اندلاع حربٍ أهلية، مع تأخر العديد من المشاريع عن الجدول الزمني المقرر وتجاوز الميزانية بعشرات الملايين من الدولارات.

وعلى الرغم من عدم قدرتهم حتى الآن الإلتزام بالمبلغ الذي تقول الحكومة العراقية أنها بحاجته، إلا أن مسؤولين دوليين ومحليين أشاروا إلى أنّ المساعدات للعراق ليست مجرد مساعداتٍ إنسانية، بل هي أيضاً تأمينٌ ضد عودة ظهور الجماعات المتطرفة مجدداً.

وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون خلال مؤتمر المانحين “إذا لم تستطع المجتمعات في العراق وسوريا العودة لمظاهر الحياة الطبيعية فنحن نخاطر بعودة الأجواء التي سمحت لداعش باجتياح مساحات واسعة والسيطرة عليها”. وأضاف “علينا مواصلة إزالة الألغام الأرضية غير المنفجرة التي خلفها داعش، مما يسمح بإعادة فتح المستشفيات واستعادة خدمات المياه والكهرباء وعودة الفتيان والفتيات إلى المدارس.”

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، متحدثًا أيضاً في المؤتمر: “إن برامج التنمية في العراق يجب أن تكون ملازمة لاستراتيجية منع تكرار التطرف العنيف والإرهاب في العراق.”

وتناشد الأمم المتحدة جمع مبلغ 482 مليون دولار للعام الأول كجزءٍ من برنامج جهود الإنعاش وتعزيز التماسك والمرونة في العراق و568 مليون دولار أخرى للمساعدة في استقرار المناطق المعرضة للخطر بشكلٍ كبير. ويهدف البرنامج إلى إكمال المشروعات الصغيرة بسرعة “للمساعدة في ضمان أن يرى الناس تحسيناتٍ ملموسة في حياتهم اليومية مع بدء عملية إعادة الإعمار، بدلاً من الانتظار لسنوات للاستفادة من مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق والإصلاحات الهيكلية”. كما أشار المحللون أيضاً إلى مخاطر إعاقة جهود إعادة الإعمار.

فقد قال مسعود أوزجان، وهو زميل بارز في منتدى الشرق ومقره اسطنبول “يجب أن نضع في اعتبارنا أن الجماعات المتطرفة مثل داعش خرجت من فشل الحكومة في توفير الخدمات الأساسية لشعبها ومن الفشل في الحفاظ على رابطٍ بين الدولة وأجزاء من المجتمع.”

كما اتهم البعض بغداد بامتلاكها دوافع طائفية لتحركها ببطء نحو إعادة الإعمار في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، حيث أن غالبيتها مناطق سُنيّة في حين أن الحكومة المركزية تتكون إلى حدٍ كبير من الشيعة.

وقال أحمد شاكر، وهو عضو مجلس بلدية في الرمادي، لشبكة سي بي إس نيوز: “لم نستلم دولاراً واحداً من أموال إعادة الإعمار من بغداد.” وتابع قوله “عندما طلبنا من الحكومة توفير المال لإعادة الإعمار، قالوا لنا، قم بذلك بنفسك، اذهب واطلب من أصدقائك في الخليج،” في إشارةٍ إلى التركيبة السكانية السُنيّة في المقام الأول لدول الخليج.

وأضاف أوزجان أن تفاقم التوترات الطائفية وإدراك أن الحكومة المركزية تتخطى المناطق التي يهيمن عليها السُنة قد يؤدي إلى جولةٍ أخرى من الصراع. فقد كتب “حالياً، هناك توافقٌ واسع النطاق بين الساسة العراقيين لتجنب جدول الأعمال الطائفي.” وأضاف “ولكن إذا ما فشلت الحكومات المستقبلية في العراق في وضع خطة شاملة لإعادة بناء المدن وفشلت في تلبية توقعات مواطنيها من خلفياتٍ عرقية وطائفية مختلفة، فستكون هناك مشكلات مماثلة في المستقبل.”