وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الرياضة: ميدان نزاعٍ آخر بين السعودية وقطر

Specials- 2018 Asian Games
Qاللاعب القطري يوسف علي (يمين) يحاول الحصول على الكرة من اللاعب السعودي مجتبى السالم خلال مباراة دوري المجموعات لمنافسات كرة اليد للرجال بين قطر والمملكة العربية السعودية في دورة الألعاب الآسيوية لعام 2018 في جاكرتا في 22 أغسطس 2018. Photo AFP

قامت الهيئة العامة للمنافسة في السعودية في شهر أغسطس الماضي بتغريم شبكة بي إن سبورت (beIN Sports) القطرية، المتخصصة في تغطية وبث الأحداث الرياضية في جميع أنحاء العالم، في خطوةٍ تعد جزءاً من العداء الدبلوماسي بين السعودية وحلفائها ودولة قطر. فالسعودية وحلفاؤها في ما يسمى بـ”الرباعية لمكافحة الإرهاب” يحاصرون قطر منذ يونيو 2017، حيث يتهمون قطر بدعم الإرهاب، كما طالبوا الدوحة بقطع علاقاتها مع إيران والإخوان المسلمين وإغلاق القنوات الإعلامية التي تموّلها، لا سيما قناة الجزيرة.

تم تحديد قيمة الغرامة بـ2,6 مليون دولار بسبب “الإنتهاكات” التي ترتكبها القناة، بحسب الهيئة العامة للمنافسة في السعودية، من خلال ممارسات “احتكارية” أجبرت المشتركين، كما يُزعم، على الإشتراك في قنواتٍ غير رياضية لمشاهدة بطولة أمم أوروبا لكرة القدم لعام 2016. وجاء في بيان الهيئة: “توضح الهيئة العامة للمنافسة أنها تلقت منذ مارس 2016 عدة شكاوى من مواطنين ومشتركين ضد مجموعة قنوات بي إن سبورت لإخلالها بقواعد المنافسة في السعودية، ليصدر قرار مجلس إدارة الهيئة بالبدء بإجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق في احتمال قيام شركة بي إن سبورت والأطراف ذات العلاقة بانتهاك من أي مواد نظام المنافسة ولائحته التنفيذية… هو ما يعد مخالفة صريحة لنظام المنافسة، وعليه أصدر مجلس الإدارة قراراً باتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف الممارسات وإزالة المخالفات الاحتكارية التي ارتكبتها مجموعة قنوات بي إن سبورت.”

يأتِ هذا الهجوم الأخير ضد قطر من السعودية بعد أن اتهمت بي إن سبورت، المالك الحصري لحقوق بث منافسات كأس العالم لكرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، في يونيو الماضي قناة بي أوت كيو (BeoutQ)، وهي قناة تعمل على قرصنة البث ومقرها الشرق الأوسط، بسرقة وبث تغطية قناة بي إن سبورت، على نحوٍ غير قانوني، لكأس العالم الذي أقيم في روسيا مؤخراً. وكانت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية قد ذكرت في أكتوبر أن مطالبات بي إن سبورت تبلغ مليار دولار كتعويضٍ من المملكة العربية السعودية بسبب تورط المملكة المزعوم في “القرصنة الأكثر انتشاراً لبثٍ رياضي شهده العالم على الإطلاق.”

وفي منتصف يونيو 2018، أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بياناً قال فيه، “الفيفا على دراية بأن قناة مقرصنة تحمل اسم بي أوت كيو قامت وبشكلٍ غير قانوني ببث المباريات الأولى من كأس العالم لعام 2018 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يأخذ الفيفا بمنتهى الجدية مسألة انتهاكات ملكيته الفكرية، ويدرس حالياً كل الخيارات المتاحة لوقف خرق حقوقه، ولا سيما اتخاذ خطوات بحق المؤسسات الشرعية التي يُنظر إليها بأنها تدعم مثل هذه الأنشطة غير القانونية.” وفي هذا الصدد، قال الاتحاد أنه ينظر في اتخاذ إجراءاتٍ قانونية ضد قنوات بي أوت كيو.

رداً على ذلك، انتقد تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة في المملكة العربية السعودية، على موقع تويتر الاتحاد الدولي لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا وألمح إلى أن قنوات بي إن سبورت كانت أداةً دعائية لقطر. كما رفضت وزارة الإعلام السعودية هذا الاتهام، وأصدرت بياناً قالت فيه، “كافحت السعودية، وما تزال تكافح من خلال وزارة التجارة والاستثمار، جميع أنشطة (بي أوت كيو) في البلاد دون هوادة.” وأضاف البيان، ” (بي إن سبورت)هي شركة تابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية… توفر الجزيرة منصةً إعلامية للإرهابيين لنشر رسائلهم الداعية للعنف والتطرف. وقد حظرت المملكة العربية السعودية بث قنوات (بي إن سبورت) على أراضيها أيضاً للسبب ذاته… كما أن “بي إن سبورت” لطالما استخدمت وتستخدم بثها أيضاً كوسيلة لشن الهجوم المعادي للسعودية، إذ عززت من دعايتها المغرضة خلال كأس العالم 2018- وهو أمرٌ مثير للسخرية لأن كأس العالم يفترض فيه أن يكون إثباتًا في كيفية قدرة كرة القدم أن تجمع بين الدول في وئام.”

وفي أماكن أخرى في المنطقة، تخلط الآراء حول حصار قطر ما بين الحدود الفاصلة للتعليقات السياسية وتلك المتعلقة بالرياضة. فعلى سبيل المثال، قال المعلق الرياضي المصري عصام شلتوت: “أعتقد أنه ينبغي أن تحفز الأزمة حول تمويل قطر للإرهاب الدول العربية الأخرى لتقديم بديلٍ عن قنوات بي إن لإنهاء سيطرتها (من الجدير بالذكر أن مصر تقف إلى جانب السعودية في إنتقاد وقطع العلاقات مع قطر). ومن جهةٍ أخرى، أشارت قنوات بي إن سبورت أن النزاع الأخير ’يبعث برسائل مقلقة للغاية إلى مجتمع الأعمال الدولي حول الظروف التجارية التعسفية والافتقار إلى سيادة القانون في المملكة العربية السعودية’.”

في حين قال سايمون تشادويك، أستاذ المشاريع الرياضية في جامعة سالفورد، لفَنَك أن “قطر تستثمر بكثافة في مجال الرياضة منذ أكثر من عشر سنوات الآن لأن هذه إحدى الطرق لرفع مكانتها وإبراز ذاتها على المستوى العالمي، وبناء سوق مستدامة، وممارسة القوة الناعمة، وخلق تماسك اجتماعي وطني، ومعالجة مرض السكري من خلال ممارسة الرياضة. تأخذ قطر الرياضة على محمل الجد، الأمر الذي توّج بترشحها لاستضافة نهائيات كأس العالم عام 2022. فهي تستضيف بالفعل منافساتٍ سنوية مثل بطولة العالم لألعاب القوى، وأصبحت بمثابة وجهة للأحداث الرياضية.” وعلى صعيدٍ متصل، فقد دفع نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، المملوك لشركة أوريكس قطر للاستثمار الرياضي، مبلغ 257 مليون دولار لنجم كرة القدم البرازيلي نيمار، وهو رقم تاريخي لمثل هذا الانتقال، في خطوة وصفها تشادويك بأنها “تستخدم كرة القدم لتعبر للعالم بأجمعه بشكلٍ إيجابي عن نفسها وعن طموحاتها.”

من ناحيةٍ أخرى، أوضح أن المملكة العربية السعودية بدأت في معالجة أهمية الرياضة قبل ثلاث سنوات فقط مع صدور رؤيتة 2030. وبحسب قوله، “تحاول اللحاق بالركب مع بقية دول الخليج وتعمل على تكثيف وتيرتها منذ 15 شهراً. أصبحت الرياضة مركز العداء بين البلدين.” وعلى سبيل المثال، تضغط السعودية بشكلٍ مكثفٍ في جميع أنحاء العالم لصرف الإنتباه عن قطر واستضافتها لكأس العالم من خلال حملةٍ للتضليل. كما ركزت اهتمام العالم بشكلٍ خاص على الطريقة التي يتم بها التعامل مع الوافدين خلال بناء مرافق كأس العالم لعام 2022، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية عند نفس المستوى فيما يتعلق بحقوق العمال الوافدين.

وكما قال تشادويك لنا في فَنَك، “يبدو أن المملكة العربية السعودية قد أبرمت اتفاقاً مع الفيفا لتمويل كأس العالم للأندية في نسخته المقبلة كي لا تتمكن قطر من استضافته.” وأضاف “إنه رد فعلٍ أحمق تجاه قطر؛ هم يتشاجرون باستمرار. واليوم، تحاول المملكة العربية السعودية أن تتخذ لنفسها موقعاً كوجهةٍ للرياضات القتالية، على سبيل المثال. وبالتأكيد يتم استخدام الرياضة للوصول إلى نهايةٍ ما، ولكني أعتقد أيضاً بأنها نهاية بحد ذاتها في السياق العالمي الحالي، حيث أن التحالفات الاقتصادية والسياسية أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من الصفقات الرياضية.”

في النهاية، أياً كان البلد الذي سيفوز في السباق الرياضي، لا ينبغي أن يمنع هذا المشجعين الرياضيين في جميع أنحاء العالم من الاستمرار في مشاهدة الأحداث الرياضية المفضلة لديهم دون التفكير بالمصالح السياسية خلف الكواليس.