وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تدخل الدولة يعرض الرياضة الإيرانية للخطر

Iranian Saeid Mollaei
الإيراني سعيد مولاي (بالأبيض) يواجه الياباني سوتارو فوجيوارا (بالأزرق) في منافسات فئة الرجال لوزن أقل من 81 كجم في بطولة العالم للجودو عام 2018 في باكو في 23 سبتمبر 2018. Photo: Mladen ANTONOV / AFP

تتمتع الفرق الرياضية الإيرانية بسمعةٍ حسنة على مستوى العالم وتشجعها غالبية السكان، إلا أن تدخل المرشد الأعلى، علي خامنئي، والحرس الثوري الإيراني قيّد إمكاناتهم وأثار إدانةً واسعة النطاق، بما في ذلك من الهيئات الرياضية الدولية.

واليوم، قد يعني قمع السلطات أن تمنع الدولة المنتخبات الوطنية من المشاركة في أولمبياد 2020 في طوكيو باليابان، مما يثير مخاوف أوسع بشأن حقوق الإنسان حول الرياضة الإيرانية.

فعلى سبيل المثال، منع الاتحاد الدولي للجودو إيران رسمياً من التنافس في أي من بطولاته، إذ تم إصدار إشعار بتجميد نشاطاتها في 22 أكتوبر 2019 بعد أن ظهر أنه في 28 أغسطس، تم توجيه سعيد مولاي بالانسحاب من المنافسة لتجنب مواجهة اللاعب الاسرائيلي ساغي موكي من قبل رئيس اتحاد الجودو الإيراني وربما اثنين آخرين رفيعي المستوى من مسؤولي الرياضة الإيرانيين.

من جهته، ينفي اتحاد الجودو الإيراني هذه الادعاءات، بحجة أن مولاي اختلق القصة لتعزيز فرصه في تغيير جنسيته.

ومع ذلك، تلقى الاتحاد الدولي للجودو معلوماتٍ داعمة من عبد الله مرادوف، أحد المتحدثين بالفارسية الذي كان مع الرياضي عندما تلقى رسالة خلال بطولة العالم للجودو في طوكيو من النائب الأول لوزير الرياضة الإيراني بالإضافة إلى مكالمة من رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية الإيرانية يطلب من الرياضي عدم خوض النزال.

وعليه، واصل الاتحاد الدولي للجودو تعليق أنشطة إيران بعد وصف التعليمات للاعبين الإيرانيين بالخرق لميثاقها.

تجاهل مولاي، 27 سنة، الأوامر وواصل المنافسة ضد ماتياس كاس، ليخسر أمام البلجيكي. وبدلاً من العودة إلى إيران، ذهب إلى ألمانيا وطلب اللجوء، وفقاً لرئيس الاتحاد الدولي للجودو ماريوس فايسر.

وفي مقابلةٍ له مع الاتحاد الدولي للجودو، قال مولاي: “حتى وإن أخبرتني سلطات بلادي أن بإمكاني العودة دون مشاكل، أنا خائف. أخشى ما سيحصل لي ولعائلتي.” وأضاف “أريد المشاركة أينما أستطيع. فأنا أعيش في بلدٍ لا يسمح لي قانونه بذلك. نحن لا نملك الخيار؛ يجب على جميع الرياضيين الامتثال للقانون. ما فعلته اليوم هو من أجل حياتي، من أجل حياة جديدة.”

ومن الجدير بالذكر أن إيران منعت الرياضيين من التنافس ضد الإسرائيليين منذ عام 1979، وتعاقب أولئك الذين لا يمتثلون.

الحظر غير الرسمي لم يؤثر فقط على رياضة الجودو. ففي عام 2017، خسر علي رضا كريمي ماشيني، المنافس الإيراني في بطولة العالم للمصارعة الكبرى تحت سن 23 عاماً في بولندا، عن عمد أمام خصمه الروسي من أجل تجنب مواجهة لاعبٍ إسرائيلي، مدفوعاً بدعوات “علي رضا اخسر” من مدربه، الخطوة التي أشاد بها الاتحاد الإيراني للمصارعة بعد المباراة.

وفيما بعد، عاقبته اللجنة التأديبية في الاتحاد الدولي للمصارعة لخسارته القتال، مماد دفع رئيس هيئة المصارعة الإيرانية رسول خادم، إلى الاستقالة ، قائلاً: “إذا كان يجب علينا الاستمرار في سياسة عدم التنافس ضد الرياضيين من الكيان الصهيوني، فلا يمكن أن تقع المسؤولية على عاتق المدرب والرياضي.”

أثارت هذه السياسة مخاوف من أن يواجه خمسة مصارعين إيرانيين رد فعلٍ عنيف في حال مواجهتهم منافسين إسرائيليين في بطولة العالم للمصارعة 2019 التي أقيمت في الفترة من 14 إلى 22 سبتمبر في كازاخستان.

فقد كتب خادم رسالةً إلى المجلس الأعلى للأمن القومي محذراً من أن هذه السياسة طويلة الأمد تعرض فرص إيران في التأهل لأولمبياد 2020 للخطر.

فقد كتب “هذا الأمر يتجاوز حرمان أبطالنا الوطنيين في هذا المجال، الذين كانوا ولا يزالوا حاملين راية الفخر والكرامة لبلادنا في المنافسات الأولمبية الكبرى وفي الساحات الدولية. يضع هذا مجمل المصارعة الإيرانية في خطر.”

وبعد مناقشاتٍ مع رئيس الاتحاد الدولي للمصارعة، خلصوا إلى أن تعليق المنافسات في الألعاب الأولمبية قد لا يقتصر فحسب على اتحاد المصارعة الإيراني بل لربما يشمل جميع الرياضات الإيرانية.

ومع ذلك، يرفض آية الله خامنئي سحب هذه السياسة، إذ نصح النقاد بعدم “الخضوع للتهديدات.”

ومع ذلك، ذعنت إيران لبعض الضغوطات الخارجية، فمنذ منعها النساء من حضور مباريات كرة القدم في ملاعبها منذ عام 1981 بصرف النظر عن بعض التنازلات من حين لآخر لاسترضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، إلا أنها تراجعت مؤخراً عن هذا القانون القاسي.

وفي 10 أكتوبر، تم تخصيص ما يصل إلى 4000 تذكرة للنساء لدخول استاد آزادي في طهران لمشاهدة المنتخب الوطني في مواجهتة ضد كمبوديا. وافقت السلطات على بيع عددٍ محدد من التذاكر للنساء لحضور المباريات الدولية، لكن هذا لم يحصل سوى بعد سنواتٍ من الحملات، وتسلل النساء إلى المباريات متخفياتٍ بملابس رجال، وبالتالي، عددٌ من حالات الحبس التعسفي.

تمثل قضية “الفتاة الزرقاء” نقطة تحولٍ في معركة النساء لحضور مباريات كرة القدم. ففي 2 سبتمبر، ارتدت سحر خداياري ألوان فريقها المفضل، إستقلال طهران، وأشعلت النيران بنفسها أمام محكمة ثورية في طهران، للاحتجاج على حكم بسجنها لمدة ستة أشهر لمحاولتها دخول الملعب لمشاهدة مباراة لكرة قدم. توفيت بعد عدة أيام متأثرة بجراحها.

أجبر الغضب والاهتمام الدولي الاتحاد الدولي لكرة القدم على زيادة الضغط على إيران لضمان قدرة النساء على حضور مباريات كرة القدم تماشياً مع إرشادات الاتحاد الدولي لكرة القدم. أرسل الاتحاد وفداً خاصاً إلى طهران في 19 سبتمبر لضمان عدم وجود عقباتٍ أمام دخول النساء للملاعب بحرية وتمكنهن من حضور مباراة إيران وكمبوديا في 10 أكتوبر.

على الرغم من التقدم المحرز، حذرت جماعات حقوق الإنسان من كونها آخر المباريات، إذ قالت أن تحديد عدد المقاعد للنساء تمييزي.

وقالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش: “حظر إيران حضور مباريات كرة القدم على نصف السكان دفع بالنساء والفتيات إلى المخاطرة بالاعتقال، والسجن، وحتى بحياتهن لتحدي هذا الحظر.”

وأضافت، “أي تنازلات من قبل الفيفا لتقييد عدد النساء اللواتي يمكنهن دخول الملاعب سيُقوي فقط المتشددين الإيرانيين الذين سبق لهم أن اختاروا سلفاً نساءً للحضور بينما أبقوا على القيود التمييزية”.

في حين قالت مريم قشقايي شجاعي، وهي مشجعة لكرة القدم وناشطة منذ فترة طويلة لرفع الحظر المفروض على النساء في الملاعب، لفَنَك أنه من المهم أن نلاحظ أن تنازلات السلطات قدمت لمباراة واحدة فقط حتى الآن ولا تنطبق إلا على المباريات الدولية. وأضافت “لن تقام مباراة وطنية إلا بعد ستة أشهر.”

وأضافت: “كانت أعلى الأصوات المناهضة للحظر تتعلق بمباريات الدوري. الكثير من مباريات الدوري تحدث في جميع أنحاء البلاد ولا يُسمح للنساء بمشاهدتها،” مضيفةً أن جهود الفيفا لم تكن كافية وأن الاتحاد تصرف فقط رداً على ضغوط الناشطين، إذ قالت “نريد الآن من الفيفا تطبيق مهلة أخيرة لفرق الدوري، وليس فقط المنتخب الوطني.”

ومع ذلك، قد يكون لمشاركة الهيئات الدولية وغيرها من الهيئات تأثير على موقف إيران من الرياضة وكيفية تفاعلها مع المواثيق ذات الصلة، وكما قالت شجاعي فهناك نقطة يجب على وزارة الشباب والرياضة أخذها بعين الاعتبار إذا ما عاقبت الاتحادات الرياضية العالمية البلاد.

ومع ذلك، كان نائب وزير الرياضة الإيراني محمد رضا درزاني موجوداً خلف كواليس العديد من القرارات التي تسببت في إثارة الجدل، بما في ذلك إصدار أوامر لمولاي بالانسحاب. كما أنه أوقف لاعبين يلعبان لصلح فريقٍ يوناني وشاركا في مباراةٍ ضد فريق إسرائيلي، مدى الحياة، إلى جانب تصريحه بأنه لا يعتقد أن السماح للنساء بحضور مباريات الدوري الإيراني هو أمر مناسب.

كان لتدخل النظام في الرياضة، سواء كان ذلك بالحد من مشاركة المرأة في الأحداث الرياضية أو منع المنافسة ضد رياضيين إسرائيليين، تأثيراً ملحوظاً على الأفراد، مما أثر على حريتهم وحياتهم، وكذلك بالنسبة للرياضيين، بالحد من فرص تحقيق إمكاناتهم.

أما على المسرح الأولمبي، فيمكن أن يعرض موقف إيران الحالي فرص مشاركتها بالمنافسات للخطر. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر جهداً أكثر تضافراً من الهيئات الرياضية الدولية قبل رؤية أي تغييرٍ دائم في هذا المجال بالذات.

vc_row]

[/vc_row]