وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تدهور العلاقات بين مصر والسودان وسط تفاقم النزاع على الحدود

sudan- Omar al-Bashir and al-Sisi
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايله مريم ديساليغنه، يوقعون اعلاناً مشتركاً للمبادئ المتعلقة بتقاسم مياه النيل خلال اجتماع لمندوبي حوض النيل، الخرطوم، السودان، 23 مارس 2015. Photo Shutterstock

يقع مثلث حلايب على الحدود بين جنوب شرق مصر وشمال شرق السودان. فقد كان القطاع الصغير من الصحراء، الغني بالذهب والمغنيسيوم، على مر التاريخ، مأهولاً بالسكان من القبائل المتنافسة. وبعد فترةٍ وجيزة من حصول السودان على الاستقلال في عام 1956، تحدت البلاد مطالبات مصر بالسيادة على المنطقة.

ومع ذلك، يعود النزاع لأكثر من قرنٍ من الزمان. ففي عام 1899، رسمت الإمبراطورية البريطانية الحدود بين البلدين، ليصبح خط عرض 22 الحد الفاصل بينهما.

وبالتالي، وقع مثلث حلايب ضمن حدود مصر الحديثة. وبعد ثلاث سنوات، منح وزير الداخلية الخرطوم السُلطة لحكم سكان المنطقة، إذ كان تفسيره لذلك أن القبائل تتقاسم روابط ثقافية وعرقية أقوى مع شعب السودان.

وأشار الرئيس السوداني عمر البشير إلى اتفاق 1902 للضغط على مصر لتسليم مثلث حلايب، إلا أن مصر لم تحرك ساكناً، وأصرت على أن إجماع عام 1899 لم يلغى قط.

ويعاني مثلث حلايب من نقصٍ حاد في الموارد البشرية، كما يتردد الأطباء والمعلمون المصريون في العمل هناك بسبب قربها من الحدود السودانية والظروف الجوية القاسية وبعدها عن العاصمة.

ومنذ عام 1995، كان للجيش المصري أيضاً وجودٌ في المنطقة. فقد تم نشر القوات بعد أن نجا الديكتاتور السابق حسني مبارك من محاولة اغتيال أثناء زيارته لأثيوبيا، حيث اتهمت مصر البشير بتدبير الهجوم.

تصاعدت حدة التوترات على الأراضي المتنازع عليها في الأشهر الأخيرة. فقد صرّح البشير مراراً أن مثلث حلايب جزءٌ من السودان، رغم أنه أكد لشعبه انه لن يخوض غمار الحرب حول هذه القضية. طلب بدلاً من ذلك مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مفاوضاتٍ مباشرة، كما هدد البشير باللجوء الى مجلس الأمن الدولي لحل النزاع.

وفي مارس 2017، وضعت وزارة الخارجية السودانية خطةً مثيرةً للجدل لطرد المصريين من مثلث حلايب. ردت وسائل الإعلام المصرية على الفور بشن حملةٍ دعائية قوية ضد السودان.

وللتخفيف من حدة التوتر، وافق السيسي على إجراء محادثاتٍ دبلوماسية. ومع ذلك، لم يتم حل أي شيء حتى الآن. فمصر ترفض التحكيم الدولي، بينما يتهم البشير مصر بدعم متمردي المعارضة في بلاده. وفي أبريل، فرض السودان قيوداً على دخول المصريين من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و49 سنة. فقد كان المصريون يتمتعون سابقاً بحرية الدخول إلى السودان بدون تأشيرة.

وفي الوقت نفسه، اكتسب السودان نفوذاً دولياً متزايداً. وقال مسؤول سوداني للعربي الجديد، أن السعودية تدعم قضية السودان. وهذا ليس مفاجئاً، سيما بعد تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة. كما قطع السودان علاقاته مع إيران، العدو الأول للسعودية، وأرسل الآلاف من الجنود للقتال نيابة عن السعوديين في اليمن، مقابل 5 مليارات دولار من المساعدات العسكرية.

وعلاوة على ذلك، أقام البشير علاقاتٍ أقوى مع الولايات المتحدة – العضو الدائم في مجلس الأمن – بعد أن نأى بنفسه عن المجموعات التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية بالمنظمات الإرهابية.

ويقول الصحفي المصري ماجد عاطف أن تحسن علاقات السودان مع الدول القوية شجعها على إعادة فتح ملف النزاع على الأراضي. وقد حاولت مصر تقديم تنازلاتٍ مع الحفاظ على سيادتها على مثلث حلايب. وأفادت الأنباء بأن مسؤولاً فى الحكومة المصرية قال في أوائل يونيو أن السودان رفض عرضاً لتطبيق اتفاق الحريات الأربع، الذى وقعته الدولتان فى عام 2004.

ومن شأن هذا الاتفاق أن يمنح المواطنين من كلا البلدين حرية السفر والعمل والعيش وشراء الممتلكات في الأراضي المتنازع عليها.

مياه نهر النيل

إن النزاع على الأراضي ليس القضية الوحيدة التي توتر العلاقات الدبلوماسية. فلسنوات، كانت إثيوبيا تستعد لبناء سدٍ على نهر النيل، الذي من المفترض أن يوّلد 6000 ميجاوات من الكهرباء، أي أكثر من ضعف الطاقة الذي تنتجه حالياً. إلا أن الفوائد التي ستجنيها إثيوبيا ستلقي بتكلفةٍ محتملة على مصر.

وخلافاً لمعظم البلدان الواقعة على طول نهر النيل، تعتمد مصر على النهر بما يتجاوز نسبته 80% من احتياجاتها من المياه. وبفضل المعاهدة البريطانية-المصرية لعام 1929، التي وقعت خلال الحكم الاستعماري البريطاني، كانت مصر تحتكر مياه النيل. وقد عززت الاتفاقية الثنائية لتقاسم مياه نهر النيل بين السودان ومصر عام 1959، بالرغم من بعض التعديلات، المعاهدة الاستعمارية منذ 30 عاماً.

تمكنت مصر منذ ذلك الحين من الوصول إلى ثلثي مياه النيل، على الرغم من أنها لم تعد كافيةً لتلبية احتياجات النمو السكاني المتفجر في البلاد والقطاع الزراعي.

ولكن مع مطالبة العديد من الدول الأفريقية بحصة أكثر إنصافاً من المياه، لم يبقى أي خيارٍ أمام السيسي سوى توقيع اتفاقٍ جديد قبل عامين مع إثيوبيا والسودان. سمح الاتفاق، ضمناً، ببناء السد طالما أنه لن يسفر عن أي ضررٍ كبير على مصر أو السودان، وبعدها دُعيت شركتان فرنسيتان لدراسة تأثير المشروع.

غير أن موانجي س. كيمينفي وجون موكوم مباكو من معهد بروكينغز يقولان أن الاتفاق الجديد لا يحل النزاع الأكبر بشأن تخصيص مياه النيل.
والأسوأ من ذلك أن اتفاق مصر مع إثيوبيا يبدو هشاً، ففي الوقت الذي عارض فيه السودان بناء السد بدايةً، إلا أنه اليوم يدعم المشروع تماماً. وذلك لأن السد سيزود السودان بالطاقة التي يحتاج إليها بشدة، كما أنه سيساعد على منع الفيضانات مع زيادة المدخلات الزراعية.

يُذكر أيضاً أن السودان وإثيوبيا فى حالة تأهبٍ قصوى بسبب الهجوم المصري. ففي مايو، وضعت جيوش البلدين على أهبة الاستعداد. ومع ذلك، فإن القلق الذي يعتري البلدين مشروع، فقد سعت مصر بالفعل إلى الحصول على إذنٍ بإنشاء قاعدة بحرية في إريتريا، التي في يومٍ من الأيام شنت حرباً وحشية استمرت لعامين ضد إثيوبيا. وقد أثار هذا التطور شكوكاً عميقة بين المسؤولين الإثيوبيين والسودانيين.

وعليه، فقد كتبت الصحفية آمنة بجادي في عام 2014 أن العلاقات الدبلوماسية بين السودان ومصر باتت متباينة بشكلٍ متزايد. وألمحت إلى أن البشير والسيسي يحاولان استغلال نقاط ضعف بعضهما البعض لتحقيق غاياتهما السياسية. كما تقول أن التكتيكات المريبة التي يستخدمها الزعيمان تجعلهما أكثر تشابهاً مما يرغبان في الاعتراف به. ويبدو أن الأحداث الأخيرة تثبت أنها على صواب.