وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الثورة السودانية في مهب الأهواء الاقليمية والدولية

Sudan- Sudanese revolution
متظاهر سوداني يرتدي قناع جاي فوكس ويحمل لافتة كُتب عليها باللغة العربية: “لا للتدخل الخارجي. الجماهير هي السلطة” خلال مظاهرةٍ بالقرب من المجمع العسكري في وسط الخرطوم في 12 مايو 2019. Photo AFP

بعد إستيلاء الجيش على السلطة بتاريخ 11 أبريل 2019 في أعقاب أسابيع من الاحتجاجات التي عجت بها الشوارع، سارعت السعودية كأول دولة للإعتراف بالوضع الجديد في البلد الإفريقي وأعلنت دعمها للمجلس العسكري.

أعلنت السعودية تأييدها لتطلعات الشعب السوداني حيال مستقبله من منطلق العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين.

وذكرت وكالة الانباء السعودية في بيان لها: “تعلن المملكة دعمها للخطوات التي أعلنها المجلس في المحافظة على الأرواح والممتلكات، والوقوف إلى جانب الشعب السوداني، وتأمل أن يحقق ذلك الأمن والاستقرار للسودان، وتدعو الشعب السوداني بجميع فئاته وتوجهاته إلى تغليب المصلحة الوطنية بما يحقق تطلعاته وآماله في الرخاء والتنمية والازدهار.”

الإمارات تساند

عقب تطورات الأوضاع في السودان وتنحي رئيس المجلس العسكري الإنتقالي الفريق عوض بن عوف بعد أقل من “24” ساعة من المنصب وإعلان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيساً للمجلس، باركت دولة الإمارات العربية المتحدة الخطوة. وقالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها، يوم 13 ابريل 2019، إن “دولة الإمارات تتابع باهتمام التطورات التي يمر بها السودان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث.”

وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إن الدول العربية تدعم الانتقال في السودان الذي يوازن بين طموحات الناس واستقرار المؤسسات، وأضاف “شهدنا فوضى كاملة في المنطقة ولا نريد المزيد من ذلك.”

واعتبر قرقاش في تغريدة على تويتر أنه من المشروع تماماً أن تدعم الدول العربية انتقالاً منظماً ومستقراً في السودان.

الإتحاد الأفريقي يتدخل

دخل الاتحاد الافريقي الساحة السودانية بعد يومين من تسلم البرهان لرئاسة المجلس العسكري في السودان بالتهديد بإمكانية تعليق عضوية السودان، إذا لم يسلم الجيش السلطة للمدنيين في غضون 15 يوماً.

وأعرب الاتحاد الأفريقي عن تأييده لمطالب المتظاهرين بتشكيل حكومة مدنية، ونوه إلى أن الاتحاد الذي يضم 55 عضواً يرى أن “قيادة الجيش للمرحلة الانتقالية تتناقض تماماً مع تطلعات الشعب السوداني.”

ومن ثم تطور موقف الإتحاد الأفريقي لاحقاً بعد دخول المجلس العسكري في مفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير المُحركة للشارع ومدد المهلة إلى ستين يوماً لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

جاء القرار في ختام اجتماعات المجلس الذي انعقد بالعاصمة تونس لبحث الأوضاع في السودان. وأوضح مجلس السلم والأمن إن التمديد جاء بناء على التطورات التي شهدها السودان، الذي يشهد حواراً بين القوى السياسية، إضافة إلى المبررات التي طرحها المجلس الانتقالي منذ أن تسلمه السلطة جاء نزولاً عند رغبة الشعب وحقناً للدماء.

كما أشار القرار إلى ارسال فريق للقاء كافة القوى السياسية والمجلس الانتقالي، لضمان انتقال السلطة للمدنيين بشكلٍ سلس.

الدور المصري

ظهرت بوادر اللهفة المصرية التقليدية في التدخل في المشهد السياسي السوداني بعد ساعات من استقرار الأوضاع مبدئياً في السودان بعد قبول المحتجين بتولي البرهان رئاسة المجلس العسكري. فقد دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى قمة تشاورية للإتحاد الأفريقي بالقاهرة لمناقشة الأوضاع في السودان، شارك فيها رؤساء 8 دول أفريقية من تشاد وجيبوتي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وجنوب إفريقيا ومستشار رئيس دولة جنوب السودان إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.

دعا دعى الرئيس المصري خلال الاجتماع إلى دعم دولي للسودان في المرحلة الانتقالية، بما في ذلك بلاده. وأشار الرئيس المصري إن القمة الأفريقية المصغرة منحت المجلس العسكري في السودان مزيداً من الوقت لإقامة نظام ديمقراطي في السودان.

وجدت خطة الرئيس المصري السيسي عقد قمة أفريقية مصغرة في القاهرة لمناقشة الأوضاع السودان استنكاراً شديداً من المحتجين السودانيين المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش، وتجمع عدد كبير من المحتجين في اليوم الثاني خارج السفارة المصرية في الخرطوم، منددين بما وصفوه بـ “تدخلات مصرية في شؤون السودان.”

رفض أوروبي وأمريكي للمجلس العسكري

اصطدم المجلس العسكري السوداني أيضاً برفض أوروبي، حيث أعلنت مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال كلمة في البرلمان الأوروبي، أن الاتحاد يتوقع من المجلس العسكري “القيام بخطوات لتعزيز الثقة،” ومنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعاقبة المسؤولين عن الهجمات التي أدت لمقتل العديد من المتظاهرين خلال الفترة الماضية. وأشارت إلى أن اتخاذ هذه الخطوات يمكّن من إطلاق محادثات سياسية ذات مغزى بين جميع الأطراف في البلاد.

وأعربت موغيريني عن رغبة الاتحاد في تولي المدنيين قيادة المرحلة الانتقالية في السودان، وأكدت أن الاتحاد لن يعترف بشرعية المجلس العسكري.

برز تحرك أميركي للضغط لمقاطعة المجلس العسكري السوداني وتسليم السلطة إلى المدنيين، فقد انتقد 92 نائب جمهوري وديمقراطي في الكونغرس الأميركي، في مسودة خطاب إلى وزيري الخارجية والخزانة، الدول التي أيّدت المجلس العسكري في السودان، وأشاروا صراحة إلى موقف السعودية والإمارات ودعمهما المجلس بـ3 مليارات دولار.

ودعا الخطاب الحكومة إلى عدم الاعتراف بالمجلس العسكري، أو منح تأشيرة دخول لأي عضو فيه لزيارة الولايات المتحدة، وتفعيل كل قوانين العقوبات والمحاسبة ضد أفراد في المجلس العسكري شاركوا في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في مناطق دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وكذلك الضغط لفتح مناطق النزاعات بشكل عاجل أمام المنظمات الإغاثية العالمية.

وعلاوةً على ذلك، دعا المشرعون الأميركيون إلى التنسيق مع وزارة الخزانة والمؤسسات الرقابية والمصرفية الأميركية والدولية لملاحقة الأموال المنهوبة بواسطة أتباع نظام البشير، ومنع خروجها من السودان أو إعادتها إليه، وبذل كل جهد ممكن لتسليمها إلى الحكومة المدنية الانتقالية. وطالبوا بتفعيل وتطبيق قوانين مراقبة وحظر تجارة الذهب من السودان إلى الأسواق العالمية وتحديداً أسواق دبي، والعمل على إعادة الذهب السوداني إلى الحكومة الانتقالية المدنية.

وكان الموقف الأميركي الأبرز حول التطورات السودانية قد عبّرت عنه المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية، ماكيلا جيمس، التي قالت إن واشنطن تدعم “المطلب الشرعي للشعب السوداني بحكومة يقودها مدنيون.” وأكدت جيمس، خلال لقاء مع وفد من المعارضة في الخرطوم، أن “أولوية الولايات المتحدة، رؤية انتقال مدني يقود إلى انتقال سلمي للسلطة لأجل السودان الديمقراطي.”

إختطاف الثورة

وقعت الثورة السودانية ضحية لخلافات وتقاطعات منطقة الخليج العربي خاصة المحور “السعودي الإماراتي المصري” من جهة والمحور “القطري التركي” من جهة أخرى. ويرى المحتجون في السودان أن المحور السعودي الإمارتي يحاول سرقة الثورة السودانية ومنع إنتقال السلطة إلى المدنيين ويدعم المجلس العسكري لضمان ولائه لها ضمن حلفه ضد قطر وتركيا، وتتخوف السعودية والإمارات ومصر من تشكيل حكومة مدنية تسحب القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن ضمن ما يسمى بالتحالف العربي.

هذا الواقع والتخوّف من عرقلة الانتقال إلى الحكم المدني في السودان، بدأت تتحدث عنه بشكل صريح جهات غربية، وهو ما عبّرت عنه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها، لفتت فيه إلى أن حزمة المساعدات المالية والسلعية الجديدة من الإمارات والسعودية البالغة 3 مليارات دولار مهّدت الطريق لمعركة ثانية بين الجيش والشعب.

ونقلت الصحيفة عن السفيرة البريطانية السابقة في الخرطوم روزاليندا مارسدن، قولها إن أبوظبي والرياض أوضحتا خلال الأيام الماضية أنهما تدعمان المجلس العسكري، ولفتت إلى أن هناك خطراً من أن يشجع تمديد الموعد النهائي لتسليم السلطة المجلس الانتقالي على إبطاء عملية الانتقال.

تكشفت نوايا السعودية والإمارات في خطوة اضافية تمثلت في وصول وفد إماراتي سعودي رفيع المستوى إلى الخرطوم بقيادة المدير السابق لمكتب الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، مستشار السعودية للشؤون الإفريقة، طه الحسن، في زيارة استغرقت يومين، حيث التقى البرهان والذي بدوره أشاد بالعلاقات “المتميزة” بين بلاده والدولتين الخليجيتين.

وجد هذا التناغم في الخطوات بين المجلس العسكري والسعودية والإمارات رفضاً قاطعاً من المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم والذين ورددوا هتافات وشعاراتٍ ضد السعودية والإمارات، وضد ما اعتبروه “رفض” الدولتين ثورات الربيع العربي.

دور الإمارات في تشكيل الحكومة السودانية

لم تتوقف محاولات دولة الإمارات العربية والسعودية لإحتواء المجلس العسكري في السودان. وبحسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن خمس قوى سودانية معارضة بينها عدد من الحركات المسلحة زارت الإمارات مؤخراً لإجراء محادثات لإقناعها بالانضمام لحكومة يقودها العسكريون.

وذكرت الصحيفة أن نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان زار الإمارات مؤخراً للاجتماع بمسؤولين هناك، ونقلت عنه قوله إنهم غير راضين عن الدور الأميركي، داعياً واشنطن لممارسة المزيد من أجل الانخراط مع “السودانيين الذين قادوا الثورة.”

قوى معارضة في أبو ظبي سراً

كشفت مصادر صحفية أن نائبة رئيس حزب الأمة السيدة مريم الصادق المهدي وصلت أبو ظبي في زيارةٍ غير معلنه في 23 أبريل 2019. المهدي هي نائبة رئيس حزب الأمة الذي يتولى والدها الصادق المهدي، وهو آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً قبل أن يطيح به الرئيس المخلوع عمر حسن البشير في انقلاب عام 1989.

وأكدت ذات المصادر الصحفية أن الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني المهندس خالد عمر يوسف، الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير المفاوضه للمجلس العسكري في السودان، زار أبو ظبي في طريقة عودته من بريطانيا الى الخرطوم التي وصلها في منتصف أبريل.

كما باتت الإمارات لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي السوداني، ويخشي المحتجون من مواقفها المؤيدة للعسكريين ومحاولاتها لصناعة رئيس سوداني مشابه لعبد الفتاح السيسي في مصر، الذي يشارك ذات الأسم الأول لرئيس المجلس العسكري في السودان.