وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

دوافع السودانيين لمواصلة المعركة ضد عنف الجيش

 

دوافع السودانيين لمواصلة المعركة
صورة تم التقاطها يوم ٢٣ ديسمبر ٢٠٢١ لنساء شاركن في مظاهرة نُظّمت في مدينة أم درمان لإدانة الاعتداءات الجنسية، وذلك في أعقاب إشارة الأمم المتحدة لتعرّض ما لا يقل عن ١٣ امرأة وفتاة للاغتصاب في المظاهرات الحاشدة التي خرجت ضد الجيش. المصدر: Ebrahim HAMID/ AFP.

 

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الاضطرابات السياسية التي تعيشها السودان وما يحفّز السودانيين للاستمرار في احتجاجهم ضد الانقلاب العسكري. وتتناول صاحبتا المقالة لوفيز آلن، باحثة العلوم السياسية بمعهد كريستيان ميكلسن، ومي عزام، طالبة الدكتوراه بجامعة بايراوت، صمود السودانيين في مظاهراتهم رغم استعمال الجيش للقوة المفرطة. وتطرح الباحثتان سؤالًا عن الدوافع التي تقف وراء هذا الصمود المبهر، وهو ما دفعن للعمل على مشروع بحثي معنيّ بالنشطاء الشباب في محاولة للإجابة عن ذلك السؤال. ومن خلال البحث وتحليلات أخرى، توصلت الباحثتان إلى وجود مجموعة من الأسباب المختلفة التي تفسر الحالة السودانية من ضمنها إيمان الشباب بقدرتهم على التغيير وإحباط الناس من المشاركة السياسية الرسمية فضلًا عن عوامل تنظيمية ساعدت في حشد الاحتجاجات بهذه الطريقة.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي شهده السودان في 25 أكتوبر 2021، استمر السودانيون في تنظيم مظاهرات سلمية على مدار أكثر من ثلاثة أشهر.

ورفض آلاف السودانيين حظر التجمع والمظاهرات وخرجوا في مسيرات احتجاجية في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن للتنديد باستيلاء الجيش على السلطة. وطالب السودانيون بتشكيل حكومة مدنية بالكامل من أجل قيادة عملية التحول الديمقراطية المجهضة.

وقُتل نحو 79 شخصاً على الأقل منذ انقلاب أكتوبر. وحجبت السلطات العسكرية خدمات الإنترنت لفترات طويلة بهدف منع السودانيين من التعبير عن آرائهم ونقل حقيقة ما يحدث في البلاد.

ومع ذلك، فقد أعلنت أكبر جهتين من الجهات القائمة على تنظيم الاحتجاجات وهما لجان الأحياء – المقاومة – السودانية وتجمع المهنيين، عن استمرار المظاهرات حتى إسقاط النظام الانقلابي ومحاسبة القادة العسكريين على ما ارتكبوه من فظائع.

وبقيت الاحتجاجات سلميةً، وما يزال الناس يخرجون للشوارع وينضمون للمظاهرات رغم استخدام الجيش للقوة المفرطة. لكن إذا كان الجنرالات يبطشون بالمتظاهرين ويرفضون الاستجابة لأي مطالب، فلماذا تستمر الاحتجاجات؟

أجرت الكاتبتان بحثاً عن النشطاء الشباب في السودان وقدّمتا بعض التفسيرات التي قد تجيب عن هذا السؤال المحير.

تردّ الباحثتان أسباب استمرار الاحتجاجات إلى مجموعة من العوامل. ويكمن العامل الأول في التاريخ، سيّما وأنه يدلّ على أن المظاهرات قد تأتي بالتغيير المنشود. أما العامل الثاني، فيتمثل فيما تتمتع به الجهات القائمة على الاحتجاجات من خبرة سابقة في تنظيم مثل هذا النوع من الحراك. ويعد المكون الشبابي من بين تلك العوامل، فالشباب يملكون الطاقة والوسائل اللازمة التي تساعدهم على الاستمرار، بالإضافة إلى أنهم لا يثقون بأن التغيير سيأتي على يد الآخرين.

الدوافع

يكمن أول الدوافع في نجاح السودانيين العاديين بإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير. فقد أدت المظاهرات التي صمدت منذ عام 2018 وحتى عام 2019 إلى سقوط نظام البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود من الزمن.

وبات هذا الأمر ذلك دليلاً على قدرتهم على التغيير حتى صارت الاحتجاجات المستمرة يوم تلو الآخر في عيون السودانيين شيئاً يستحق العناء وسيؤدي إلى نتيجة فعلاً.

وتقود تنظيم الاحتجاجات جهتان رئيسيتان هما لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين.

وتأسست لجان الأحياء في عام 2012، وقام عليها متطوعون من الشباب لضمان توزيع الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والسكر وغاز الطهو. وتطورت اللجان إلى مجموعات مقاومة سرية. وبالتعاون مع تجمع المهنيين السودانيين (وهو تجمع تكوّن بدايةً من الأطباء والمحامين والعاملين في قطاع الصحة)، فقد تم تنظيم المسيرات في جميع أنحاء الخرطوم وفي مدن أخرى.

وكان الشباب السوداني هو الركيزة الأساسية في الاحتجاجات التي خرجت ضد البشير، وما يزال كذلك حتى اليوم.

وشبّ الجيل الذي تتراوح أعماره ما بين 15 إلى 30 عاماً في ظل الحكم الاستبدادي لحزب المؤتمر الوطني الإسلامي الذي حكم البلاد منذ عام 1989 وحتى عام 2019. وعمل الحزب على قمع النشاط السياسي. لذلك، لم تكن أمام الشباب مساحة للمشاركة في المجال العام سوى العمل الخيري التطوعي. ومع تزايد المعارضة ضد النظام، بدأ الشباب يتحول تدريجياً من العمل الخيري إلى الاحتجاج السياسي، مثلما حدث في الخرطوم ومدن أخرى منذ عام 2013.

وأصبحت الدروس التي تعلمها الشباب من العمل التطوعي والمقاومة وقمع نظام البشير سبباً لنجاح انتفاضة عام 2019.

وتعلم المتطوعون كيف تُنظم الإمدادات، وقام أهل الخبرة السياسية على تعليم غيرهم بأمور التعبئة وأساليبها، وكلاهما على دراية واسعة بوسائل جمع التمويل الجماعي. وكان التنظيم السري واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عاملين أساسيين في الحراك الشعبي.

ومكَّن كلّ ذلك المتظاهرين من الحفاظ على قوتهم والاستمرار في حشد المظاهرات مراراً وتكراراً مهما كانت التحديات.

أما الدافع الثاني، وفق الكاتبتين، فهو مشاركة الشباب في الاحتجاجات من باب الشعور بالمسؤولية عن تغيير الوضع القائم، وهو ما توصلتا إليه بناءً على الملاحظات والمقابلات التي قامتا بإجرائها أثناء إعداد للبحث الذي بدأ منذ عام 2018.

وتُعدّ هذه المشاعر أحد الجوانب الرئيسية في الثورة السودانية، وقد تفسر استمرار الاحتجاجات رغم بطش الجيش بالمتظاهرين، وهو ما يشبه الحالتين التونسية والمصرية.

وتعتقد الباحثتان أن استمرار الاحتجاجات بلا كلل عمل يدل على الصمود، ولكنه أيضاً تحفيز للناس من أجل مواصلة معركة لم تنته بعد.

ويكمن الدافع الثالث لاستمرار الاحتجاجات في الشعور بالإحباط من المشاركة السياسية الرسمية والتزام القنوات التقليدية. فقد أثبتت الاحتجاجات السابقة نجاح أساليب التنظيم غير الرسمي والسري الذي اعتمدت عليه لجان المقاومة. وإلى جانب ذلك، فقد شعر النشطاء بخيبة أمل عميقة من أداء “قوى الحرية والتغيير”، وهو تحالف القوى السياسية المدنية الذي قَبِل بتقاسم السلطة مع الجيش في الحكومة الانتقالية منذ عام 2019، فكان ذلك سبيل الجيش للعودة إلى السلطة.

ولا يعوّل المتظاهرون كثيراً على تأثير المجتمع الدولي، وذلك بسبب تجربتهم السابقة إبان عهد البشير. فعلى سبيل المثال، لم يكن للعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على السودان في أوائل التسعينيات تأثيراً مباشراً على النظام، بل أثرت سلباً على حياة المواطنين.

دعوة لحشد الدعم

يدرك المتظاهرون أن التغيير يجب أن يأتي من الداخل. لكن النشطاء أكدوا أيضاً في المقابلات التي أجرتها الباحثتان أن الاستعانة بدعم مخطط من المجتمع الدولي قد يفيد القضية.

وعلى سبيل المثال، يمكن اتخاذ إجراءات ضد الجيش نفسه ممثلاً في أفراده، بدلاً من فرض عقوبات على البلد بأكمله.

وقد يتمثل ذلك الدعم في الضغط على دول المنطقة للتوقف عن مساعدة المدبرين للانقلاب. وربما يتخذ أشكالاً أخرى مثل دعم المجتمع المدني والنشطاء بدلاً من سحب المساعدات.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع  https://theconversation.com/global في 09 فبراير 2022