وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معاناة المدنيين في ظل حكم داعش

علم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يرفرف على “قبة” كنيسة الشهداء للأرمن الكاثوليك في شمال مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها المتمردون في 28 سبتمبر 2013(Photo by MOHAMMED ABDUL AZIZ / MOHAMMED ABDUL AZIZ / AFP)

يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية أو ما بات يعرف بـ”داعش،” اليوم على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، تمتد من أطراف كركوك في العراق إلى شمال حلب في سورية، إلى جانب جيوب محدودة في محيط العاصمة السورية دمشق وعلى الحدود السورية اللبنانية. ورغم حركة النزوح الكبيرة التي جرت إلى خارج هذه المناطق في أعقاب سيطرة التنظيم عليها، لا يزال يعيش فيها نحو سبعة ملايين نسمة (حسب تقديرات شبكة بي بي سي)، منها نحو 250 ألف نسمة في الرقة السورية التي اتخذها التنظيم عاصمة له في شهر آب (أغسطس) 2014.

ويقول محمد (أبو هلال) الذي كان يملك متجراً لبيع الخضار في الرقة قبل أن ينتقل مؤخراً إلى اسطنبول أن رجال التنظيم قدموا أنفسهم للسكان في بادئ الأمر على أنهم أتوا ليخلصوهم من النظام الكافر وليقيموا شرع الله ويزيلوا الظلم عن العباد. “بشروا السكان بأنهم سيعيشون آمنين مطمأنين في ظل حكم الدولة الإسلامية، لكن تبين أن الأمر ليس كذلك.”

فور توطيد سيطرته، قام تنظيم داعش بإنشاء جهاز على نمط الأجهزة الأمنية في الدول الدكتاتورية أسماه “الحسبة،” وهو يُعنى بتنفيذ قوانين التنظيم على المدنيين، وقد غدا هذا الاسم يدب الرعب في صدور السكان، فالوقوع في أيدي رجال الحسبة لارتكاب مخالفة ما يودي بصاحب المخالفة إلى الجلد أو التغريم أو قطع الرأس. “من الصعب تجنب رجال الحسبة، فأي شيء تفعله قد يكون مخالفاً لتفسيرهم للشريعة، من لبس البنطال العادي إلى التدخين وحلق اللحى، واستخدام الانترنت أو التفوه بأي كلمة تمس بالتنظيم أو بالدين من قريب أو بعيد، والتهمة دوماً جاهزة وهي أنك مرتد.”

لم يكن أبو هلال ينوي مغادرة الرقة، وهو يقول أن قرار المغادرة كان صعباً جداً ولكن لم يكن ثمة من بديل عن الهرب بعد أن سمع أن داعش كان يقر قانون تجنيد ينص بأن على كل عائلة أن ترسل أحد أبنائها على الأقل للانخراط في القتال في صفوف التنظيم، وهو ما أرعب أبو هلال وهو أب لثلاثة أولاد أعمارهم بين 18 و 24 سنة. “أحسست بخوف شديد على أولادي، وخشيت من أنهم إذا انضموا إلى التنظيم سيقتلون في سبيل قضية هي ليست قضيتنا ولا نؤمن بها.”

أما ماهر الرقاوي البالغ من العمر 28 عاماً والذي غادر دير الزور قبل عدة أشهر فيروي كيف تحولت حياته إلى جحيم لا يطاق مع دخول داعش إلى المدينة. “كل شيء ممنوع بحجة مخالفته للشريعة، فالرسم والموسيقى والفلسفة والرياضة والتلفاز كله ممنوع، كما أخذوا يجبرون الناس على الذهاب إلى المسجد للصلاة، ومن يتخلف عن ذلك يعاقب بأربعين جلدة على ظهره، وهو ما حدث لي في إحدى المرات، الأمر أشبه بالحياة في العصور الوسطى.”

ويقول ماهر، الذي تمكن من اللجوء إلى ألمانيا، أن مناطق التنظيم تعاني نقصاً حاداً في مختلف الخدمات والمواد الأساسية. “نقص المياه والكهرباء أصبح خانقاً، وأسعار المواد الضرورية بما في ذلك الخبز أصبحت مرتفعة جداً. تكلف اسطوانة الغاز في حال كانت متاحة 10,000- 11,000 ليرة سورية (37-40 دولار) بينما يبلغ سعر لتر البنزين 300 ليرة سورية (1,20 دولار)، وكيلو الدجاج 700 ليرة سورية (2,60 دولار)، وكيلو الخبز 300 ليرة سورية (1 دولار). كما تُفرض رسوم على كل منزل تبلغ 500 ليرة سورية شهرياً (2 دولار) على الهواتف الأرضية، و1500 ليرة سورية (5,6 دولار) للمياه ونفس المبلغ للكهرباء، على الرغم من حقيقة أنّ هذه الخدمات لا تتوفر إلا لبضع ساعاتٍ في اليوم. وعلى الرغم من أن الأسعار قد تبدو معقولة عند تحويلها للعملات الأجنبية، إلا أنها تعتبر مبالغ طائلة في المناطق التي يبلغ دخل الفرد فيها أقل من 3 دولارات في اليوم، وفقاً لموقع العربية.

“والأسوأ من ذلك أنهم يفرضون مخالفات مالية وضرائب باهظة، في حين يصعب جداً العثور على عمل سوى الانضمام إلى صفوف التنظيم” يُضيف الرقاوي، “ويحظى مقاتلوه بكل ما يريدون من طعام ومياه ومولدات كهرباء، بينما تعاني بقية السكان من الظروف القاسية.” وتتضمن الضرائب 1500-3000 ليرة سورية شهرياً (6-12 دولار) التي تُفرض على المخازن والمحلات التجارية.

وفي تعقيبه على عقلية منظري التنظيم يقول ماهر أن “داعش يسعى إلى إرغام الجميع على الاقتناع بتفسيره الحصري للشريعة الإسلامية، وينظر إلى كل من يخالفه العقيدة على أنه غنيمة حرب تباع وتشترى، وذلك يتضمن الطوائف والأديان الأخرى إلى جانب السنة الذين لا يتبعون تفسير التنظيم للشريعة الإسلامية، كما يعامل التنظيم كل من لم يبايع خليفتهم أبو بكر البغداي معاملة العدو.” ويروي الرقاوي كيف حاول السكان إخفاء سرورهم عندما قرر المجتمع الدولي محاربة داعش، لكنه يقول أن الأمور أخذت مساراً مختلفاً مع بداية الضربات الجوية، “فالصواريخ أخذت تنهمر على المدنيين كل يوم وتدمر البنى التحتية، وهي نادراً ما تصيب مقاتلي داعش، الذين يختبئون بين السكان وفي المدارس، مما يزيد من معاناة السكان.”

أما فيما يخص النساء في ظل حكم داعش، فيقول أبو هلال أن النساء أصبحن عبارة عن سلعة تباع وتشترى، “ويمنع على أي إمرأة ـ حسب قوانين داعش ـ أن تبرح منزلها إلا بصحبة محرم سواء زوجها أو والدها أو شقيقها أو ابنها أو للضرورة القصوى فقط، كما أن المرأة التي لا تلبس النقاب تجلد”. ويشرح أبو هلال أن للنقاب في ظل داعش شروط معينة، فهو يجب ألا يكون شفافاَ أو مزركشاً أو ملوناً، بل ينبغي أن يكون أسوداً وفضفاضاً جداً، ولا يمكن رؤية شيء من خلاله.

وقد أفادت عدة وسائل إعلام أن التنظيم أنشأ سريّة نسائية لمراقبة النساء والبحث عنهنّ وتوقيفهنّ، وحسب روايات عدة فإن تسعين بالمائة من النساء في هذه السرية هن من المهاجرات، وهنّ يقمن أيضاً بترتيب الزيجات للمقاتلين الأجانب ويؤدّين دوراً استخباراتياً يقوم على منع النساء من تهريب الأسلحة إلى المدينة.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن فقد قام التنظيم بإقفال جميع المصارف في جميع المناطق التي يسيطر عليها، أما المدارس فقد سمح بفتحها لساعات محدودة يوميًا ، وذلك حسب المناهج الجديدة التي أقرها التنظيم. ويضيف المرصد أن داعش أعلن منعه لجميع المجالس والتجمعات والرايات بشتى العناوين.

ومما يزيد من حنق السكان هنا هو الوجود الكثيف للأجانب من جنسيات مختلفة والذين يطلق عليهم التنظيم اسم “المهاجرين“. يقول عبد الرحمن، وهو ناشط مدني لا يزال يعيش في الرقة أن المهاجرين يحظون بمعاملة تفضيلية وأنهم يمسكون بزمام الأمور. “مع بدايات حكمهم، أخذوا يستبدلون أئمة المساجد واحداً تلو الآخر بأئمة من خارج البلاد جلهم من دول الخليج أو أفغانستان أو الشيشان.. والأجانب هنا مدللون ويحصلون على أفضل المنازل والسيارات في حين يدفع المحليون الضرائب… واستولى المهاجرون ـ بمباركة أمراء داعش ـ على كثير من المنازل التي تركها أصحابها ومعظمها يعود إلى سكان مسيحيين، كما أرغموا سكّان المدينة الذين يملكون أكثر من منزل واحد على إعطاء جميع المنازل الأخرى للمهاجرين.”

وحسب تقدير عبد الرحمن فإن داعش لا تحظى بتأييد سوى 10 بالمائة من السكان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه التنظيم من شيوخ بعض العشائر الذين لهم علاقة منفعة معه. ويضيف أن أعداداً كبيرة من السوريين الذين يعيشون في ظل حكم داعش يخاطرون بحياتهم ليبينوا الحقيقة رغم أن عقوبة ذلك هي الموت، وهم يلتقطون الصور والفيديوهات التي تبين وحشية التنظيم. ويشير عبد الرحمن في هذا السياق إلى حملة أطلقها عدد من الناشطين السلميين في الرقة تحت شعار “الرقة تذبح بصمت“، وقد بدأت هذه الحملة في 16 نيسان (أبريل) 2014، وأخذت بكتابة الشعارات المناهضة لداعش على جدران المدينة، وتوثيق الجرائم وعمليات الإعدام، ونشر مناشير تحذّر من خطر داعش على المدينة.

يقول عبد الرحمن: “حاولنا كناشطين أن نقوم بتنظيم مظاهرات هنا في الرقة، لكنّ رجال داعش قاموا بقمع هذه المحاولات بعنف شديد.” ويشرح أن جل سكان مدينته كانوا ضد النظام في سورية، لكنهم لا يقبلون ـ في نفس الوقت ـ بحكم داعش، وأن السبب الوحيد الذي يمنعهم من التحرك هو الخوف الذي نجح التنظيم في بثه في قلوب الناس من خلال مشاهد قطع الرؤوس والتعذيب العلني”.

وبينما يتنبأ عبد الرحمن باندلاع ثورة محلية ضد داعش يوماً ما، يقول أنه من الصعب معرفة كيف يمكن أن تنتهي ثورة كهذه. “بعض السكان هنا يحاول التأقلم مع هذا الواقع الجديد والغريب علينا، لكن رجال داعش ـ في معظمهم ـ غرباء، ونحن ننظر إليهم على أنهم محتلون. لكن عندما نرى أن داعش لديها من القوة ما يمكنها على الصمود في وجه التحالف الدولي والأكراد والنظام وفصائل المعارضة المسلحة جميعم معاً، نسأل: كيف لنا نحن المدنيين العزل أن نقوم بطردهم من مدينتنا؟”

المقالات ذات الصلة

[fanack_generic_list content_source=”chronicle” child_of=”42048″ class=”homepage-latest-updates”]

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles