وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السُنة في العراق ما بين التهميش والاستبعاد وعنف “داعش”.

Iraq-population- mass sunni grave near Bghdad
مقبرة جماعية لرجال قبائل الجبوري السنية الذين قتلتهم مليشيات تنظبم الدولة الإسلامية بالقرب من بغداد، العراق، 3 مارس 2015. Photo AP

بعد أن أطاحت الولايات المتحدة الأمريكية بالديكتاتور صدام حسين عام 2003، انقسم العراقيون السُنة حول العملية السياسية. شارك البعض، بينما رفض آخرون ذلك؛ إذ أيّد البعض فكرة إعمار العراق في ظل الاحتلال الأمريكي، في حين اختار آخرون “مقاومة” حكم الواقع بأغلبيةٍ شيعية وكردية.

كانت أولى المراحل التي عانى منها العراق هي الحرب الأهلية بين عامي 2006 و2008 والتي بدأت بعد تفجير المتطرفين السُنة ضريح الأماميين علي الهادي والحسن العسكري (الملقب بضريح العسكريين أو ضريح القبة الذهبية) في مدينة سامراء في 22 فبراير 2006. كان لهذا التفجير لضريح ذو قدسية للمكون الشيعي ردة فعل عنيفة بدأت على اثرها الحرب الاهلية الطاحنة، حيث تصاعد العنف بشكل غير مسبوق.

اتهمت الجماعات المسلحة التابعة لسرايا الإسلام الشيعية (جيش المهدي سابقاً)، المدعوم من إيران، بأغلب حالات التطهير على أساس الطائفة. ومع ذلك، شكلت قوات بدر، وهي حزب سياسي شيعي وقوة شبه عسكرية، فرق الموت التي نفذت عمليات وهجمات ضد السنة. وفي موازاة ذلك، بدأ المتحكمون في وزارة الداخلية في طرد وإبعاد السنة العاملين في الوزارة والقوات الأمنية، وبذلك يمكن تتبع التغيير الديمغرافي الحاصل في بغداد لجهة المكون الشيعي.

كما دخل التهجير القسري للأقليات العرقية، الذي بدأ خلال الحرب الأهلية، مرحلةً جديدة في عام 2013، وذلك بعد بداية المظاهرات ضد حكومة بغداد في المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية في عام 2012، وقبل وقتٍ قصير من عودة الجماعة المتطرفة، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى العراق عام 2015. فقد تجلت آثار هذا التغيير الديمغرافي بوضوح في محافظة ديالى ذات الأغلبية السنية، المحاذية للحدود الإيرانية، نتيجةً لنزوح الأسر السُنية على نطاقٍ واسع، وفقاً لما ذكره رعد الدهلكي، رئيس لجنة الهجرة والمهجرين النيابية آنذاك. وأيضاً في محافظات جنوبية ذات أغلبية شيعية؛ كان للسنة النصيب الاكبر من عمليات قد تصل على حسب رأي البعض الى “التطهير العرقي” من خلال ما عبر عنه رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق (اليونامي) من استقصاد الطائفة السنية من خلال عمليات الخطف والقتل وخاصة في محافظة البصرة.

كما ولعب تنظيم الدولة الإسلامية دوراً كبيراً، وقبله تنظيم القاعدة، في إثارة الطائفية والحرب الأهلية في العراق من خلال سلسلة من العمليات. فبالإضافة إلى تفجير مرقد الإمامين في سامراء، كما ذكرنا آنفاً، كانت مجزرة سبايكر، واحدة من أفظع المجازر التي ارتكبت في يونيو 2014 في قاعدة سبايكر الجوية، حيث تم اعدام أكثر من 1500 طالب عسكري، كان أغلبهم من الطائفة الشيعية.

وعلاوة على ذلك، فإن سياسات الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة منعت السنة من المساهمة بفعالية في بناء الدولة العراقية وإدارة شؤونها. ففي السنوات الأخيرة، ومع اصدار تشريعات قوانين جديدة، كاجتثاث حزب البعث، وقانون المسائلة والمعادلة، وقانون الإرهاب رقم 4، اتهمت الاحزاب الشيعية المسيطرة على صنع القرار في بغداد باستغلاله في تهميش وإقصاء السنة من صنع القرار السياسي. فعلى سبيل المثال، في عام 2012 أدين طارق الهاشمي، نائب الرئيس السابق وزعيم سني بارز، بموجب قانون مكافحة الإرهاب بتشكيل فرق الموت في محكمة مشكوك في نزاهتها، مما أعطى الانطباع في ان القضية ذات خلفية سياسية.

وبالرغم من هذه التوترات، تم التوصل إلى اتفاق سياسي في سبتمبر 2014 بين الاطراف السياسية الرئيسية لتشكيل حكومة وحدة تحت قيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي. تم الاتفاق على تعديل بعض القوانين المثيرة للجدل، مثل قانون مكافحة الإرهاب، وسن قوانين جديدة كقانون الحرس الوطني حيث سيتم إنشاء حرس وطني يدرج المجتمعات السنية في الإطار الأمني للبلاد.

بيد أنه بعد ثلاث سنوات، لم تنفذ الكثير من عناصر الاتفاق السياسي. فعلى سبيل المثال، لم يتم بعد إنفاذ قانون الحرس الوطني، وفي نوفمبر 2016، أقر البرلمان مشروع قانون، بالرغم من اعتراض السياسين السنة، يعترف بالحشد الشعبي، ذو الأغلبية والقيادة الشيعية، باعتباره هيئة أمنية رسمية تعمل جنباً إلى جنب مع الجيش.

أدى هذا إلى توتير العلاقات بشكل كبير بين المكونين السني والشيعي وإعادة إحياء المخاوف القديمة من الإقصاء والتمييز. وعلاوة على ذلك، لا يزال الحضور السني ضعيفاً في مؤسسة القرار العسكري نتيجة انعدام التوازن في تمثيل المكونات داخل الجيش والأجهزة الأمنية.

وفي الوقت نفسه، لم يستطع صناع القرار السياسي والاجتماعي من المكون السني بناء جبهة موحدة في مواجهة الجبهة الشيعية أو التكتل الكردي. كما تبادل السياسيون السنة، ممن يحملون رؤى مختلفة لإدارة شؤون الدولة الاتهامات مع كلٍ من السنة داخل العراق والسنة في الخارج. وعليه، فقد السياسيون السنة، الذين هم جزء من العملية السياسية، الكثير من شعبيتهم في الداخل، في حين أن المعارضين السنة في الخارج لم يقدموا رؤى واقعية يمكنهم من خلالها كسب الشارع السني إلى صفهم. يضاف إلى ما سبق، المواجهة في الداخل بين أحزاب وعشائر سنية على السيطرة على المحافظات والمناطق السنية وتوزيع المناصب فيما بينهم.

ومع استمرار الاقتتال السياسي في بغداد، كان المدنيون السنة هدفاً لفظائع “داعش” في المناطق والمدن التي تسيطر عليها الجماعة المتطرفة. وفي أكتوبر 2014، عثر على جثث أكثر من 150 فرداً من عشيرة البو نمر قتلهم مسلحون من تنظيم داعش في خندق في محافظة الأنبار. كانت عملية الإعدام هذه الاحدث في سلسلةٍ من عمليات الاعدام الجماعي للعشائر القبلية التي عارضت الجماعة. وفي مارس 2017، زعم تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش أن “داعش” أعدم وألقى جثث حوالي مئات المحتجزين في مقبرة جماعية بالقرب من مدينة الموصل. ونقل عن احد السكان قوله “أنهم شاهدوا عمليات إعدام جماعية متعددة في الحفرة التي يبلغ قطرها 35 متراً.”

فقد علق المدنيون مع إطلاق العمليات العسكرية في أكتوبر الماضي 2016 لتحرير الموصل وغيرها من المدن الرئيسية في البلاد من قبضة “داعش” وسط تبادل إطلاق النار. كما سجلت منظمة العفو الدولية مقابلاتٍ مع فارين من المعركة، إذ أفادوا بأن اعضاء التنظيم استخداموا المدنيين في الموصل كدروع بشرية من خلال ارغامهم على البقاء في المناطق التي يسيطرون عليها. تعتبر الموصل آخر معقلٍ عراقي كبيرٍ لداعش، إلا أن عملية تحريرها تستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً، كما أن معاناة المدنيين المحاصرين الذين يواجهون نقصاً مزمناً في المياه والغذاء، تتزايد فحسب.