وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

روسيا تتولى دوراً رئيسياً في محدثات السلام حول سوريا

Mohammed-Alloush-head-of-the-Syrian-opposition-delegation
محمد علوش،رئيس الوفد السوري المعارض (وسط)، يتحدث إلى وسائل الإعلام بعد محادثات السلام في أستانا، كازاخستان، 24 يناير 2017. Photo AP

في 16 ديسمبر 2016، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طوكيو في اليابان لاختتام قمة عملٍ استمرت ليومين، حول اتفاق تعاونٍ اقتصادي، والنزاع الإقليمي الذي طال أمده، والذي منع كلا البلدين من توقيع معاهدة سلام. وخلال الزيارة، أعلن بوتين أنه والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعملان على عقد جولةٍ جديدة من محادثات السلام بين الحكومة السورية والمعارضة، والتي ستعقد في العاصمة الكازاخستانية أستانا، يوم 23 يناير 2017. وقال أيضاً أن روسيا بدأت محادثات مع المعارضة السورية من خلال وسيط تركي. ومع ذلك، لم يتضح على الفور من سيشارك في هذه المحادثات أو ما إذا كانت ستضم دولاً غربية أو عربية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك ضماناتٌ بقبول المعارضة السورية المدعومة من الغرب، بتوقيت ومكان المحادثات المقترحة، نظراً للخسائر الضخمة التي تعرضت لها في شرق حلب، وحقيقة تخلي حلفائها عنها، مما أدى إلى تحجيم قوتها التفاوضية إلى حدٍ كبير.

وفي 20 ديسمبر 2016، أعلن بوتين التوصل إلى إتفاقٍ جديدٍ لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية ومختلف فصائل المعارضة المسلحة، بوصف روسيا وتركيا الضامن لتنفيذ الاتفاق وإيران كدولة موقعة على الإتفاق الثلاثي، إذ لم يكن هناك أي ذكرٍ لمشاركة أي دولةٍ غربية أو عربية أخرى. دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في منتصف ليلة الثلاثين من ديسمبر 2016 بتوقيت سوريا (22:00 بتوقيت غرينتش)، إلا أنه تم استبعاد “الجماعات الإرهابية” التي أدرجتها الأمم المتحدة على القائمة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وجبهة فتح الإسلام (المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة)، من الإتفاق. وأضاف أسامة أبو زيد، المتحدث باسم الجيش السوري الحر، أنّ الهدنة أيضاً استثنت الجماعة المسلحة السورية الكردية الرئيسية، وحدات حماية الشعب الكردية. في حين قالت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة والتي يُسيطر عليها مقاتلون أكراد يقاتلون داعش في شمال شرق سوريا، أنهم لم يتلقوا دعوةً لحضور محادثات وقف إطلاق النار.

الفصائل السورية المشاركة في وقف إطلاق النار هي، فيلق الشام، وأحرار الشام، وجيش الإسلام، وثوار الشام، وجيش المجاهدين، وجيش إدلب، والجبهة الشامية. كما أكد ممثلو لجنة المفاوضات العليا السورية في تركيا مشاركتهم أيضاً بالاتفاق.

وقال عضو بارز في جيش الإسلام، جماعة المعارضة الرئيسية التي تدعمها المملكة العربية السعودية وأحد الموقعين على اتفاق الهدنة، لصحيفة الجارديان: “ماذا عسانا نفعل؟ فلم يظهر داعمونا [المملكة العربية السعودية] في أي مكانٍ طوال العام. فلا يوجد أحدٌ من دول الخليج هنا على الإطلاق.” كما وردت تقاريرٌ أيضاً أن قطر حدّت بشكلٍ كبير من مساعداتها للثوار بسبب التهديدات التي تلقتها من كبار المسؤولين الروس.

وقال سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي، أن الجماعات المتمردة الموقعة على الاتفاق سيعترف بها باعتبارها القوة المقاتلة الرئيسية للمعارضة المسلحة. وأضاف أن هذه التشكيلات تُسيطر على القوى العاملة الرئيسية والأسلحة. ونتيجةً لذلك، دعيت الجماعات السورية التي وقعت على وقف إطلاق النار في 29 ديسمبر 2016 إلى المحادثات في أستانا.

واجهت المحادثات الكثير من العقبات، حيث تم خرق وقف إطلاق النار مراراً بسبب القتال، سيما في وادي بردى. فمن جهة، تأتي نسبة كبيرة من إمدادات المياه لدمشق من الوادي الذي يسيطر عليه الثوار، إذ عمدت الحكومة إلى استخدام صهاريج المياه لنقل المياه إلى المدينة، التي تضم نحو 4 ملايين نسمة. ومع ذلك، زعمت الحكومة أنّ المياه تلوثت بوقود الديزل، مما ترك الدمشقيين دون الحد الأدنى من إمدادات المياه. في حين أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن المياه كانت قد قطعت منذ 22 ديسمبر 2016، كما قال مستشار الشؤون الانسانية بالأمم المتحدة لسوريا، يان إيجلاند، لصحيفة الجارديان أن فريقه مُنع من الوصول إلى شمال دمشق، حيث يقع وادي بردى. جعل هذا من الصعب على فريقه تحديد سبب تعطل إمدادات المياه وعما إذا كان بسبب القصف الحكومي، كما يزعم الثوار، أو بسبب الأعمال التخريبية للثوار، كما ادعت الحكومة.

وفي 2 يناير 2017، وقعت عدد من الجماعات المتمردة السورية بياناً تزعم فيه وجود “انتهاكاتٍ جسيمة” لوقف إطلاق النار المتفق عليه، ذلك أن الحكومة وحلفائها واصلوا هجماتهم على وادي بردى بحجة استهداف الجماعة الجهادية، فتح الشام، التي تم استبعادها من الصفقة. وقال البيان أيضاً: “بالنظر إلى الوضع المتصاعد والانتهاكات المستمرة، تعلن الجماعات المسلحة الموقعة تجميد جميع المناقشات بشأن المفاوضات في أستانا.” ومع ذلك، تم التوصل إلى اتفاقٍ في 13 يناير 2017، يسمح للعمال الحكوميين البدء في إعادة المياه إلى العاصمة والنهي عن شن هجماتٍ على مصادر المياه وسط الاشتباكات.

وبعد الإتفاق، اجتمعت فصائل المعارضة في العاصمة التركية أنقرة، وبعد خمسة أيام من المفاوضات، تقرر إرسال وفدٍ إلى أستانا. وقال محمد علوش، القيادي البارز في جيش الإسلام، أنه سيترأس وفد المعارضة العسكري، كما أخبر وكالة فرانس برس أن محاولة “تحييد الدور الإجرامي لإيران في الصراع،” ما برر حضور المحادثات.

ومع ذلك، قررت إحدى جماعات المعارضة الرئيسية، ألا وهي أحرار الشام، التي تضم آلاف المقاتلين في وسط وشمال سوريا، عدم الحضور بسبب “عدم تنفيذ وقف إطلاق النار،” منوهةً إلى هجوم النظام ضد “أهلنا في وادي بردى،” من بين العديد من الأسباب لعدم المشاركة.

وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أكد بالفعل أن حكومته مستعدة لحضور المحادثات في أستانا و”مناقشة جميع الأمور.” وبالتالي، ترأس الوفد السوري بشار الجعفري، سفير سوريا في الأمم المتحدة، إلى جانب وفدٍ حكومي من 10 أعضاء، ضم شخصياتٍ من الجيش والقضاء.

كما تمت دعون إدارة ترمب، إلا أنه لم يتم إرسال أي وفد، واختارت بدلاً من ذلك أن يمثلها سفيرها في كازاخستان. وبالمثل، مُثلت فرنسا وبريطانيا على مستوى السفراء. كما حضر ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، المحادثات، مشيداً بها باعتبارها “مبادرةً جيدة.”

بدأت المحادثات يوم 23 يناير 2017 كما كان مقرراً، على الرغم من أن وفد المعارضة امتنع عن حضور الدورة الأولى احتجاجاً على الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار من قبل حكومة الأسد. وقال المتحدث باسم المعارضة، يحيى العريضي لقناة الجزيرة، “إذا لمسنا أن هناك جدية، وكان وفد النظام لديه الصلاحيات الكاملة للتوقيع على ما تم الاتفاق عليه، سيتم بعد ذلك تمثيل المعارضة بوفد كامل.” ورداً على ذلك، أشار الجعفري مراتٍ عديدة لوفد المعارضة باعتبارهم ممثلين عن “جماعات إرهابية مسلحة” واتهمهم بعدم المحافظة من جانبهم على اتفاق وقف اطلاق النار، وخاصة في وادي بردى.

وبعد يومين من المحادثات التي وصفتها بعض وسائل الإعلام بـ”الصلبة،” وقعت القوى الإقليمية الثلاث – روسيا وتركيا وإيران – بياناً وأعلنت عن إنشاء هيئة مراقبة ثلاثية لمراقبة وضمان الامتثال الكامل لوقف إطلاق النار [المعلن عنه في ديسمبر]. وبموجب الاتفاق، ستوحد الدول الثلاث قواها للحد من انتهاكات وقف إطلاق النار، والضغط على وكلائهم ممن يخرقون الهدنة. ومع ذلك، لم توقع الحكومة السورية ولا المعارضة السورية على الاتفاق.

كان للمعارضة عدة تحفظات، والتي كان من بينها مصداقية إيران في أي اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، نظراً لدعمها للميليشيات الشيعية التي تحارب إلى جانب قوات النظام ضد الشعب السوري. ومن جانبه، اعترف النظام بالتوصل إلى اتفاقٍ مؤقت لوقف إطلاق النار، إلا أنه أصر على استثناء وادي بردى من الإتفاق، ذلك أن تلك المنطقة لا تزال محتلةً من قِبل أعضاء فتح الشام.

وفي نهاية المطاف، أعرب البيان الختامي للاجتماع عن التزام روسيا وتركيا وإيران بمبدأ وحدة أراضي سوريا، مما يمهد الطريق لمحادثات جنيف أواخر فبراير 2017، بين المعارضة السورية (إذ حضر محادثات أستانا بنسبة كبيرة فصائل الثوار) والنظام. كما شدد البيان على “قناعة” الدول عدم وجود حلٍ عسكري للصراع السوري، وأنه لا يمكن حله سوى من خلال العملية السياسية. وعلاوة على ذلك، اتفقت موسكو وأنقرة وطهران على الإنضمام للقوى التي تحارب داعش والعمل على فصل الفصائل الإرهابية عن جماعات المعارضة المسلحة. كما رحب الجانبان بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2254) الصادر في ديسمبر 2015، والذي يحدد خارطة طريقٍ لعملية السلام في سوريا.