وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قوات الجيش السوري تُخرج الثوار من حلب

syria-past-to-present-syrian-soldier-plants-the-syrian-flag-during-a-battle-with-the-rebels-fanack-hh1024px
جندي من الجيش السوري يغرس العلم الوطني السوري أثناء قتال المعارضة في الجبهة الامامية للراموسة، شرق حلب، سوريا، الخامس من ديسمبر 2016. Photo Hassan Ammar

بعد ما يقرب من الخمس سنوات من المواجهة العسكرية بين قوات النظام وفصائل المعارضة المختلفة، يبدو أنّ الحرب في سوريا باتت تأخذ منحنىً آخر لصالح الحكومة. ففي أوائل ديسمبر 2016، سقطت مدينة حلب القديمة، التي بقيت لفترةٍ طويلة معقلاً للمعارضة، في أيدي النظام بعد انسحاب الثوار الذين كانوا يدافعون عنها.

كما تقدمت القوات الموالية للحكومة على بُعد كيلومتر واحد فقط عن قلعة حلب القديمة، لتُسيطر بذلك على ما يصل إلى 70% من الأحياء الشرقية في حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة. وبذلك، تكون قد اعتمدت قوات النظام على الزخم الذي ولدته طوال نهاية الأسبوع الثاني على التوالي من القصف العنيف والتقدم السريع. وعلاوة على ذلك، في الخامس من ديسمبر، اعترضت روسيا على مشروع قرارٍ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو لوقف إطلاق النار، مما يمهد الطريق لحصد قوات النظام المزيد من المكاسب.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تُشكل فيها روسيا، الحليف الرئيسي لنظام الأسد، مسار الحرب. ففي سبتمبر 2015، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن التدخل العسكري الروسي بالنزاع، بناءً على طلبٍ رسميٍ من قِبل الحكومة السورية للحصول على المساعدة. تمركزت القاذفات الروسية في قاعدة حميميم بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، المعروفة بسكانها من الأغلبية العلوية والولاء الكامل للنظام. اتخذ التدخل بدايةً شكل ضرباتٍ جوية ضد الجماعات المسلحة المعارضة للنظام بما في ذلك جبهة النصرة (التابعة لتنظيم القاعدة)، وجيش الفتح (المدعوم بشكلٍ أساسي من قِبل السعودية)، والائتلاف الوطني السوري (المدعوم من قطر)، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

وبعد شهر، نُقل عن مسؤولين روس قولهم أنّ أهداف التدخل بدت أوسع من مجرد المساعدة في محاربة الإرهابيين، إذ باتت تشتمل أيضاً على مساعدة النظام في استعادة الأراضي التي سقطت سابقاً بأيدي قوات المعارضة. وفي فبراير 2016، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، أنه منذ التدخل، قتلت الضربات الجوية الروسية ما لا يقل عن 1700 مدني، من بينهم أكثر من 200 طفل. وقد وثق المرصد، إلى جانب جماعاتٍ حقوقية أخرى مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش، الاستخدام الروسي للأسلحة الحارقة والصواريخ غير الموجهة والقنابل العنقودية والفوسفور الأبيض، بالإضافة إلى استخدام النظام للبراميل المتفجرة عشوائياً في المناطق المدنية. ووفقاً لنشطاء سوريين، قتلت الغارات الجوية الروسية، خلال شهر سبتمبر، ما يُقدر بنحو 3800 مدني، إلى جانب 2700 مقاتل من داعش، و2800 مقاتل من مقاتلي المعارضة.

وفي 26 فبراير 2016، اعتُمد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2268 بالإجماع، من قبل الاعضاء الـ15 في مجلس الأمن. وأيد القرار اتفاقاً توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا في وقتٍ سابق، من قبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي طالب بوقف الأعمال العدائية. تم سريان مفعول وقف إطلاق النار في اليوم التالي، إلا أن المنظمات الإرهابية الواردة على لائحة الأمم المتحدة بقيت خارج حسابات الهدنة. وعلى ما يبدو، فقد تم الحفاظ على الهدنة على الرغم من الاشتباكات الطفيفة.

وفي مارس 2016، بدأت قوات النظام المدعومة من روسيا والميليشيات الطائفية الأخرى محاولة استعادة السيطرة على الجزء الشرقي من مدينة تدمر من أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” وبحلول نهاية مارس، أعلن النظام السوري أيضاً استعادته لمدينة تدمر التاريخية، منهياً بذلك احتلالاً دام عشرة أشهر دمّر خلالها عناصر تنظيم داعش بعض أكثر المعالم الأثرية شهرةً في المدينة مثل معبد بل وقوس النصر. شكّل هذا الهجوم بداية سلسلةٍ من الهزائم التي مُنيّ بها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وتراجع وتقلص قوام التنظيم في أنحاء سوريا والعراق، وشكّل دفعة معنوية غاية في الأهمية لجيش الأسد المُستنزف.

وبحلول يوليو 2016، فشلت غالبية اتفاقات وقف إطلاق النار واندلع القتال مجدداً بين مختلف الفصائل. ومع ذلك، أصبحت مدينة حلب المركز الرئيسي للأحداث، حيث اشتد القتال بين قوات المعارضة والجماعات الجهادية من جهة، والنظام وحلفائه من جهةٍ أخرى.

حدثٌ رئيسيٌ آخر تمثل في إعادة سيطرة القوى الديمقراطية السورية على بلدة منبج من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في منتصف أغسطس 2016. القوى الديمقراطية السورية هو تحالفٌ متعدد الأعراق والأديان من الجماعات المسلحة من الأكراد والأرمن والآشوريين والتركمان والشركس، بدعمٍ من الولايات المتحدة. وبعد فترةٍ وجيزة، شنت القوى الديمقراطية السورية هجوماً للسيطرة على مدينة الباب، وهي مدينة سورية تابعة إدارياً لمحافظة حلب التي يقطنها أغلبية من المسلمين السُنّة. هدفت الخطة الكردية إلى ربط، في نهاية المطاف، جميع المناطق الكردية في شمال سوريا ببعضها البعض.

وفي ظل العداء التاريخي للنظام في أنقرة وفصائل المعارضة الكردية، والخوف التركي من كيانٍ كردي متجانس على حدودها الجنوبية، استدعى الهجوم تدخلاً عسكرياً تركياً مباشراً بعد أسبوعٍ من ذلك. وفي 24 أغسطس 2016، شنت القوات المسلحة التركية عملية “درع الفرات، والتي، وفقاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تستهدف كلاً من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” و”الجماعات الإرهابية الكردية التي تهدد بلادنا شمال سوريا.” وعلى الرغم من استنكار دمشق لهذه الخطوة، باعتبارها انتهاكاً صارخاً لسيادة سوريا، بارك نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان يتواجد في أنقرة في اليوم نفسه، العملية بشكلٍ غير مباشر، مصرحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد حذرت القوات الكردية السورية من عدم التحرك باتجاه الشرق عبر الفرات وإلا ستفقد الدعم الأمريكي.

وفي ضوء ذلك، تحالفت القوات التركية مع بعض جماعات المعارضة السورية المسيطرة على مدينة جرابلس، وتحركت جنوباً باتجاه مدينة منبج التي يُسيطر عليها الأكراد. وبعد بضع اشتباكاتٍ بين القوات التركية والقوى الديمقراطية السورية، بدا أنّ الأتراك أكثر اهتماماً بإقامة منطقة نفوذٍ خاصة بهم وتثبيت وجودهم العسكري داخل الحدود السورية. وفي نهاية المطاف، هدأت هذه الاشتباكات وتحركت القوات التركية غرباً لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

وفي أواخر سبتمبر 2016، شنّ الجيش السوري وحلفائه هجومهم على حلب في محاولةٍ للاستيلاء على الأجزاء المتبقية من المدينة الواقعة تحت سيطرة المعارضة. فقد كانت قوات المعارضة الرئيسية في المناطق الشرقية، بشكلٍ أساسي، من مقاتلي فتح حلب (الذين يتكونون بغالبيتهم من جماعات الجيش السوري الحر)، وجبهة فتح الشام وجماعة أحرار الشام الأكثر تطرفاً. نُفذت أكثر من 40 غارة جوية يوم 22 سبتمبر 2016 وحده.

وفي أوائل أكتوبر 2016، تقدم النظام على عدة جبهات. وبالسيطرة بشكلٍ أساسي على المناطق الصناعية جنوب مخيم حندرات للاجئين، سيطر على أجزاء من طريق الراموسة -العامرية الذي كان يخضع سابقاً لسيطرة المعارضة.

وفي منتصف أكتوبر 2016، لم يكن وقف إطلاق النار الذي دام ثلاثة أيام كافياً لإجلاء المدنيين، ومع ذلك، كانت الفترة الفاصلة هادئة نسبياً. سعت المعارضة لاستخدام هذه الفترة لكسر الحصار من خلال قصف المناطق التي تسيطر عليها الحكومة غرب حلب، في حين تصدت قوات النظام للهجوم، منهيةً مكاسب المعارضة. وفي غضون ذلك، أرسلت روسيا وحدةً حربية ضخمة تترأسها حاملة الطائرات الوحيدة في البلاد، الأميرال كوزنيتسوف، نحو سوريا.

وفي نهاية المطاف، جدد التقدم في الجنوب الشرقي الحصار على المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، ليعزلوا بذلك 275 ألف نسمة ممن حرموا من المساعدات منذ يوليو 2016.

وفيما بدى وكأنه الهجوم الأخير لاستعادة السيطرة على المدينة، كثفت قوات النظام وحلفائهم هجماتهم في 15 نوفمبر 2016، ليشنوا قصفاً جوياً شرساً وهجمات صاروخية من حاملة الطائرات الروسية المتمركزة قبالة الساحل. أعقب ذلك هجوم بري واسع النطاق، لتتقدم قوات النظام، المدعومة بالطائرات الحربية الروسية، بسرعة، داخل المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة منذ عام 2012.

ومع تركيز النظام السوري على حلب، أعاد تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على تدمر في هجومٍ مباغت في العاشر من ديسمبر 2016. إن خسارة تدمر للمرة الثانية، بالرغم من المكاسب التي حققت في حلب، سيُثير تساؤلاتٍ حول قدرة الجيش السوري، الذي أرهقته سنوات القتال، في الحفاظ على سيطرته على المنطقة حتى بدعم حلفائه الروس.