وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجلس العسكري السوري: ضوء في آخر النفق؟

وسط ما يعيشه الملف السوري من تعقيداتٍ متزايدة، يعود الحديث عن تشكيل مجلس عسكري سوري بقيادة العميد المنشق عن قوات النظام مناف طلاس.

المجلس العسكري السوري
وزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داود أوغلو يصافح العميد السوري المنشق مناف طلاس في أنقرة يوم 26 يوليو 2012. المصدر: Adem ALTAN / AFP.

حسين علي الزعبي

وسط ما يعيشه الملف السوري من تعقيداتٍ متزايدة، يعود الحديث عن تشكيل مجلس عسكري سوري بقيادة العميد المنشق عن قوات النظام مناف طلاس. ويأتي تداول الأخبار عن المجلس وسط حالة الانغلاق السياسي التي تعيشها سوريا ووصول أعمال اللجنة الدستورية إلى طريق شبه مسدود.

هذه المرة يأتي الحديث على لسان عضو المجلس المقدم أحمد القناطري الذي كشف خلال تصريحات صحفية عن سلسلة اجتماعات شهدتها باريس بغية تأسيس “مؤسسة عسكرية وطنية، ذات عقيدة منظمة غير منحرفة”.

الاجتماعات ضمت أعضاء المجلس العسكري السوري بقيادة طلاس ومسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية. كما تخلّل هذه الاجتماعات اتصالات عبر الفيديو مع ضباط سوريين من الداخل. وأكد القناطري وجود “توافق سوري-سوري” وتنسيق بين “أعضاء المجلس وضباط محسوبين على المؤسسة العسكرية الحالية لدى النظام ممّن لا زالوا على رأس عملهم، وينتقدون أداء المؤسسة العسكرية وخطفها للسلطة”.

وظهرت فكرة المجلس العسكري بقيادة طلاس لأول مرة قبل نحو 5 سنوات. وجرى حينها تداول أنباء عن لقاءات أجراها العميد المنشق مع مسؤولين روس وأمريكيين وعرب لقيادة مرحلة انتقالية. وتجدر الإشارة إلى أن طلاس هو نجل مصطفى طلاس، الذي سبق له تولي منصب وزير الدفاع السوري على امتداد عهد حافظ الأسد والمرحلة الأولى من عهد بشار الأسد.

خطوة غير كافية

اللواء محمد الحاج علي، وهو أعلى الضباط المنشقين رتبةً عن قوات النظام السوري، يرى أن فكرة تشكيل مجلس عسكري ليست خاطئة في طرحها حتى لو أنها جاءت بعد فشل المسار السياسي. لكن المشكلة تكمن، والكلام للحاج علي، في محاولات تجريب المسارات منفردة. وشدّد الحاج علي لفنك على ضرورة تكامل وتزامن المسارين العسكري والسياسي.

من هذا المنطلق، يؤكد الحاج علي ضرورة أن يتبع المجلس لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. ولا بد أن تتكون هذه الهيئة من مجلس قضاء أعلى ومجلس وطني انتقالي يتولى مهمة الرقابة والتشريع. كما أن هناك حاجة لتشكيل حكومة انتقالية يكون المجلس العسكري تابعا لها ومنفذا لسياستها وحامياً لها ومدافعاً عن مشروعيتها.

يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه القناطري تواصل قيادة المجلس مع كل التيارات السياسية السورية الوطنية وكذلك التيارات الاقتصادية والثقافية السورية. وأضاف القناطري: “المشكلة السورية معقدة ولا يمكن حلّها بآلية عسكرية فقط، بل بوجود تكامل بين هذه الآلية العسكرية وكافة القوى الفاعلة في المجتمع السوري. وبناءً عليه، يوفر المجلس العسكري أرضية مشتركة لعمل هذه القوى التي تعتبر تيارات داعمة لطروحاته”.

وفي وقت سابق، كشفت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن وجود محادثات مع طلاس حول تشكيل المجلس العسكري لقيادة البلاد في مرحلة انتقالية. وقال غابرييل كينو، المتحدث الرسمي باسم قسد، إن “تشكيل المجلس العسكري خطوةٌ أساسية للحل في سوريا. وإن قسد جاهزة للمشاركة بالجسم العسكري”. وأشار كينو إلى ترحيب القوات الكردية بتشكيل المجلس شرط تمثيل جميع القوى السورية ووجود كيان سياسي يمثل جميع القوى السياسية بمهام مكملة لبعضها.

وينص القرار الأممي رقم 2254 على تشكيل “هيئة حكم انتقالي” تشمل “مجلس عسكري”، بإشراف من الأمم المتحدة. ومن هنا، يرى مؤيدو هذا المقترح من العسكريين أن تشكيل المجلس الآن سيكون بمثابة بداية لحل شامل للقضية السورية.

غياب التوافقات الدولية

يقول الحاج علي إن تشكيل المجلس العسكري لا يتطلب توافق الأطراف السورية فحسب، بل والقوى الإقليمية والدولية المتحكمة بالشأن السوري. وكان من المفترض أن يتم تشكيل المجلس منذ ما يزيد عشر سنوات. ويرى الحاج علي أن تشكيل المجلس لم يحدث لعدم جدّية هذه القوى في العثور على حل للقضية السورية. ويضيف متسائلا: “إذا كانت هذه الدول موافقة على إنشاء هذا المجلس العسكري كمخلص للسوريين وقادرة على فرضه، لما لا تعمل على إقامة هيئة حكم انتقالي حسب قرارات الأمم المتحدة؟”

الرئيس السابق لـ”الائتلاف” السوري المعارض نصر الحريري يتفق مع الحاج علي حول غياب التوافق الدولي المطلوب لحلّ القضية السورية. ووصف الحريري عمليات التواصل الجارية بين المجتمع الدولي والسوريين، عسكريين كانوا أم سياسيين، بالـ “إيجابية”. إلا أنه جزم لموقع فنك بعدم وجود خطوات جادة لتشكيل المجلس العسكري في الوقت الراهن. ويرى الحريري أن الظروف الدولية وصلت بعد الحرب الروسية الأوكرانية إلى مرحلة تحول دون تشكيل توافق دولي يؤدي لولادة خطوات جادة باتجاه الحل في سوريا.

وكان القناطري قد أكد حصول المجلس العسكري على الموافقة الأمريكية. وفي هذا الصدد، قال القناطري: “الاجتماعات الأخيرة ضمّت شخصيات ومسؤولين من الولايات المتحدة الأمريكية، وهم أكثر من مسؤول عبروا عن الرضا الأمريكي عن هذا المشروع”.

وأضاف: “لدى المجلس العسكري أكثر من قناة اتصال مع الولايات المتحدة ومؤسساتها. وتؤكد الولايات المتحدة عبر هذه القنوات على دعم أي مشروع ينسجم مع القرار الدولي 2254. وفي هذا السياق، قدّم المجلس العسكري بعض المقترحات التي حظيت بموقف إيجابي، لكن الظروف الدولية وحالة الجمود السابقة ساهمت في تأخر خروج بعض المشاريع إلى السياق العملي حتى الآن”.

روسيا وإيران

أطلقت شخصياتٌ بارزة في المعارضة السورية، بينها الفنان جمال سليمان، مقترحاً لموسكو بتشكيل مجلس عسكري في عام 2021. لكن هذا المقترح قوبل برفضٍ روسي على الفور. وفي هذا الصدد، قال ألكسندر لافرينتيف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، إن فكرة المجلس “تضليلٌ متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية”. يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه سليمان أنه صاحب الفكرة، لافتاً إلى أنه مرّر فكرة المجلس إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء لقاءٍ جمعه به مؤخراً.

في هذا السياق، يقول نصر الحريري: “روسيا وإيران لا تريدان الحل السياسي في سوريا وما زالتا تعوّلان على الحل العسكري. ولا أعتقد أن الفكرة ستلقى قبولهم، سواء كانت مفاوضات تؤدي إلى حل سياسي ضمن مشروع القرار الأممي أو حتى فكرة تشكيل مجلس عسكري”.

وأضاف: “النظام لا يختلف عن داعميه الروس والإيرانيين، حيث رفض كلّ شيء منذ البداية. وما زال هذا النظام يعوّل على الحل العسكري. ولا أعتقد أنه سيوافق على فكرة تشكيل مجلس عسكري بهذه الصيغة لأن لديه روح انتقامية تجاه المنشقين عنه، سيّما وأنّ انشقاقهم أظهر انقسام في مؤسساته وأدى لتراجع أداء تلك المؤسسات”.

في المقابل، يؤمن القناطري بقدرة المجلس العسكري على التأثير على الموقفين الروسي والإيراني. وقال القناطري: “غياب التمثيل الحقيقي للشعب السوري في معظم السلطات القائمة حالياً يساهم في سيطرة بعض الدول على القرار السوري. وفي حال حلّ مشكلة التمثيل الصحيح للشرائح السورية، سيتم تغيير سيطرة بعض الدول، بما فيها إيران لأنها غير مقبولة من كافة الأطراف السورية بما فيها الشرائح الموجودة في مناطق النظام”.

مخاوف عودة العسكر

استحضار خيار المجلس العسكري كخطوة أساسية للحل قد يعني للبعض إعلانا صريحا بإخراج السياسيين من المشهد وإمساك العسكريين بزمام الأمور. ويعزز هذا الطرح مخاوف السوريين من العودة لحكم العسكر إذا ما تم تشكيل المجلس يتمتع بصلاحيات كبيرة.

وكان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي قد وجه نصيحة للسوريين بعدم الإصغاء للحديث حول تشكيل “المجلس العسكري” ورفض الحلول التي تأتي عبر العسكر، قائلا إن مصيبة الشعوب العربية هي الحكم العسكري.

في هذا السياق، يؤكد الحاج علي رفضه تسلم الجيش للسلطة لأن الجيش أداة لتنفيذ السياسة وتأمين تنفيذها، لا أن يكون ممسكا بالسياسة ومسيرا لها. ويضيف: “الأنظمة التي تعتمد في حكمها على القوة المسلحة وأجهزتها الاستخباراتية لم يعد لها مكان في قواميس السياسة. الشعوب أصبحت أكثر وعيا، ولن تقبل بمثل هؤلاء الذين حولوا الأوطان إلى مزارع خاصة لهم ولعائلاتهم، واعتبروا الشعوب جزءً من ممتلكاتهم”.

أما الحريري، فيرى أن المجلس العسكري سيلقى قبول السوريين إن تم تشكيله تحت مظلة هيئة حكم انتقالية حسبما ينص القرار الأممي 2254. ويضيف الحريري: “السوريون لا ينظرون تاريخياً بارتياح لدور الجيش في الدولة والمجتمع، لا سيّما بعد الثورة وتحول الجيش إلى ميليشيات قتلت الشعب السوري وساعدت النظام على التشبث بالحكم والسيطرة على البلد. ومع ذلك، أنا متفائل بقدرة المجلس العسكري على كسب قبول السوريين، لأن التعويل الأكبر سيكون على الضباط المنشقين والعناصر الشرفاء الذين انحازوا لثورة الشعب ووقفوا ضد الظلم”.

وفيما يتعلق بخطة المجلس العسكري لكسب ثقة السوريين، قال القناطري إنهم يركزون على “توفير ما افتقده المجتمع السوري في نشاطات من يدّعي تمثيل المجتمع السوري حالياً”. واعتبر القناطري أن أهم ما يطلبه الشعب السوري حالياً هو “الشفافية والوضوح ووجود مشاريع واضحة يكون ظاهرها كباطنها”.

وفي الوقت الذي أكد فيه القناطري سعي المجلس للابتعاد عن المشاريع غير الواضحة، فإنه شدّد على ضرورة الاستناد إلى البعد الوطني والاستقلال في تحركات الملف السوري. وهذه أهم خطوات كسب الثقة في المجتمع السوري حسب خطة المجلس استناداً إلى ما يتم طرحه على المستوى الشعبي السوري.

ورغم ما ذهب إليه القناطري، لا توجد معطيات واقعية تسمح بلعب المجلس العسكري لدورٍ فاعل في حل الأزمة السورية. وبكلماتٍ أخرى، فإنّ وجود مثل هكذا مجلس غير ممكن وسط ما يعيشه الشأن السوري من تعقيداتٍ داخلية وتضارب مصالح القوى الدولية والإقليمية الفاعلة حوله.