وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السوريون في تركيا: ورقة انتخابية وكبش تعلّق عليه الإخفاقات الاقتصادية

السوريون في تركيا
لاجئون سوريون ينتظرون الباص في إسطنبول حيث سيقومون بالتوجه إلى القرى الحدودية في محافظة أدرنة يوم ٢٠ فبراير ٢٠٢٠. وكانت تركيا قد أعلنت حينها عن نيتها بعدم إغلاق البوابات الحدودية بعد ذلك الوقت أمام اللاجئين الراغبين الذهاب إلى أوروبا، بحسب ما صرّح به مسوؤل رفيع لوكالة الأنباء الفرنسية يوم ٢٨ فبراير. وجاء ذلك في أعقاب مقتل ٣٣ جندياً تركيا في ضربة جوية في شمال سوريا. المصدر: STRINGER/ AFP.

آلاء عامر

يعيش اللاجئون السوريون في تركيا في وضعٍ دقيق وسط تأزّم علاقتهم بطيفٍ واسع من الأتراك الذين يواصلون استخدام الوجود السوري في بلادهم كورقة انتخابية وكشمّاعة لتعليق الإخفاقات الاقتصادية عليها.

وشهدت العاصمة التركية أنقرة في الثاني عشر من أغسطس ٢٠٢١ اندلاع أحداث عنف ضد السوريين المقيمين في حي “التن داغ”، على خلفية شجار نشب بين شباب سوريين وأتراك تسبب في مقتل شاب تركي، فصبَّ المتظاهرون الأتراك جام غضبهم على السوريين المقيمين في الحي مهاجمين منازلهم وسياراتهم ومصادر رزقهم.

وغرّد مدير الهلال الأحمر التركي د.كريم كينيك على تويتر، بتعزية لأهل الشاب التركي التي فقد حياته بسبب الشجار، وإلى جانبها صورة لطفل سوري تعرض للإصابة خلال الأحداث العنصرية معلقاً “دعونا نخمد هذا الحريق، فهو لن يعود بالنفع على أحد”، كما نشر مدير الهلال الأحمر التركي على حسابه مقطع فيديو يظهر شباب أتراك يرمون الحجارة على منازل السوريين، متسائلاً: “أي من تقاليدنا تدعو إلى رمي منازل الناس بالحجارة خلال الليل؟ الكثير من اللاجئين تواصلوا معنا وقالوا إنهم يخشون على حياة أطفالهم”.

ورقة انتخابية

يتعجب السوريون من قدرة الأتراك على الوقوف بصبر وهم مبتسمون في الطوابير التي يصطفون بها أمام أبواب المترو وحافلات النقل العامة أو أمام صناديق الدفع في السوبر ماركت، مقارنين تمدّن الأتراك بفوضى طوابير السوريين التي تتحول فيها المزاحمة إلى شطارة. لكن عددا من هؤلاء الأتراك أنفسهم تحولوا مدعومين بقوة “الجمهور” إلى حشود غاضبة تحرق محال السوريين وبضاعتهم وتقذف نوافذهم بالحجارة، وتحطّم سياراتهم.

وفي هذا السياق، يقول المؤرخ والطبيب الفرنسي غوستاف لوبون حول سيكولوجيا الجمهور: “إذا انضم الإنسان لجماعة يصبح منوماً مغناطيسياً فيتحمس لأفكار بسيطة نتيجة التّحريض والعدوى بالعواطف، ما قد يدفعه لفعل أمور ما كان سيجرؤ على فعلها لو كان وحيدا، كالتّحطيم والتخريب والاعتداء”، فأحداث أنقرة سبقتها ولحقتها سلسلة من خطب الكراهية التي نفثها بعض السياسيين والمسؤولين الأتراك الذين حوّلوا اللاجئين السوريين إلى كبش فداء علّقوا في عنقه فشل كلَّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يشتكي منها الأتراك في السنوات الأخيرة. هؤلاء حوّلوا ترحيل السوريين إلى وعد انتخابي، واهمين الشارع التركي بأن رحيل السوريين سيقضي على جميع مشاكل تركيا الاقتصادية!

خطب كراهية ووعود عنصرية

سمع السوريون باسم تانجو أوزجان رئيس بلدية ولاية “بولو” بعدما أعلن مؤخرا عن معاداته لوجود اللاجئين السوريين، مقترحاً على مجلس مدينة “بولو” فرض رسوم تزيد بعشرة أضعاف عمّا اعتاد السوريون دفعه لفواتير المياه الخاصة بهم.

وأضاف عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض: “لم يذهبوا عندما قطعنا عنهم المساعدات، ولم يذهبوا عندما توقفنا عن منحهم تصاريح العمل، لذلك قررنا الآن اتخاذ إجراءات جديدة.. فهم تجاوزوا مدة الترحيب الخاصة بهم. لو كانت لدي السلطة، سأرسل مسؤولي البلدية لطردهم بالقوة!”.

ونشر رئيس بلدية الولاية، التي تستضيف حسب البيانات الرسمية لدائرة الهجرة 1500 سوري فقط، تغريدة على حسابه قال فيها: “لقد تجاوزتم أيها السوريين حدودكم.. قد تصبحون كل شيء على هذه الأرض ما عدا أن تصبحوا أتراك”، ساخرا من أنَّ بعض السوريون يعتقدون أنهم أصبحوا أتراكاً بمجرد حصولهم على الجنسية التركية.

السوريون في تركيا
سوريون يصلون يوم ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ إلى بوابة أونجوبينار الحدودية بالقرب من بلدة كيليس وسط المنطقة الجنوبية من تركيا، وذلك بهدف عبور الحدود إلى سوريا بمناسبة عيد الأضحى المبارك. وتتيح السلطات التركية للاجئين السوريين بزيارة بلدهم احتفالاً بعيد الأضحى. المصدر: BULENT KILIC / AFP.

لا يغرد أوزجان بتصريحاته خارج سرب حزب الشعب الجمهوري، فزعيم الحزب المعارض كمال كليتشدارأوغلو، تعهّد في تسجيل مصور بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في إطار ما أسماها “خطة، وعد كليتشدارأوغلو بتنفيذها بنجاح خلال عامين. وأوضح كليتشدارأوغلو أنَّ خطته ستبدأ في التطبيق في عام ٢٠٢٣؛ في حال وصوله إلى كرسي الحكم وستنتهي عام ٢٠٢٥. وعن تفاصيل “خطة الترحيل”، قال كليتشدارأوغلو: “سأحصل على تمويل من دول الاتحاد الأوروبي لبناء مدارس وشركات للسوريين داخل سوريا”.

يأتي ذلك في الوقت الذي انضمت فيه عضوة حزب “الجيد” إلاي أكسوي، ونظيرها السابق أوميت أوزداغ، إلى جوقة السياسيين الكارهين للسوريين والمحرضين على طردهم. وتنادي إلاي أكسوي بضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم محذرة من غزو المنتجات السورية للمحال التركية، مشيرة إلى الأضرار الاقتصادية التي تسبب فيها بالسوريين للتجار الأتراك حسب زعمها.

وخلال زيارته لمدينة أنطاكيا الحدودية مع سوريا، قال علي باباجان  زعيم “حزب الديمقراطية والتقدم” (ديفا): إن الحل السوري في سوريا وليس في تركيا. ولكي يعم السلام والاستقرار يجب أن تكون تركيا جزءا من الحل، في حين أن تركيا اليوم جزء من المشاكل، يجب أن تكون هناك استراتيجية تركية واضحة بشأن سوريا“. وبيّن باباجان أنَّ تركيا “بحاجة إلى التحدث مع جميع الأطراف في سوريا”.

باباجان؛ صديق إردوغان القديم وعدوه الجديد٬ دعا الحكومة التركية الحالية إلى الانسحاب من كونها طرفا في القضايا والمشاكل السورية الداخلية. ويبدو أنَّ باباجان حاول عدم الانخراط في صف المسؤولين الذين أطلقوا في تصريحاتهم بالونات وهم بهدف زيادة شعبيتهم، عندما قال: “لا توجد فرصة لعودة السوريين حتى يتم التوصل إلى السلام. الآن وبينما نذهب إلى الانتخابات، ستخرج بعض الأحزاب وتقول صوّت لنا مقابل أن نرسل السوريين جميعا”.

في المقابل، ردّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على تصريحات رئيس حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض كمال قليجدار أوغلو بخصوص عزمه ترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا في حال اعتلائه السلطة. وفي ختام زيارته الأخيرة لجمهورية قبرص، قال إردوغان: “ما دمنا في السلطة بهذا البلد، فلن نلقي بعباد الله الذين لجأوا إلينا في أحضان القتلة”. وأضاف الرئيس التركي: “أقولها بوضوح، هؤلاء طرقوا أبوابنا واحتموا بنا، ولا نستطيع أن نقول لهم عودوا من حيث أتيتم”، مشيراً أنَّ حكومته ستواصل بناء منازل مؤقتة من الطوب للسوريين في مناطق المخيمات شمالي سوريا. وفي هذا السياق، لفت إردوغان إلى الانتهاء من بناء 50 ألف منزل من أصل 100 ألف من البيوت المنتظر بناؤها.

من جهة أخرى، نقلت وسائل إعلام تركية عن رئيس لجنة الخطة والميزانية (حسين أكرم سيرين) في بلدية بولو أنه تم إيقاف التصويت على اقتراح رئيس البلدية تانجو أوزجان بترحيل السوريين عبر رفع فواتير المياه والكهرباء 10 أضعاف، بسبب عدم كفاية المعلومات وصعوبة إجراء بحث كافٍ عن سجلات المشتركين في المياه أو جنسياتهم. ويواجه أوزجان اليوم تهمة “إساءة استخدام المنصب”، وبث “الكراهية والتمييز”، وذلك بعدما رفعتالرابطة الرسمية لحقوق اللاجئين في تركيا دعوى قضائية ضده بسبب قراراته وتصريحاته “العنصرية”. كذلك فتح مكتب المدعي العام في ولاية “بولو” تحقيقا بحق رئيس البلدية بسبب تصريحاته التحريضية ضد اللاجئين السوريين.

الجنسية التركية ليست متاحة للسوريين

تترافق حملات الكراهية والعنصرية مع إلغاء ملفات تجنيس آلاف السوريين الذين عبّروا على مواقع التواصل الاجتماعي عن صدمتهم إثر إلغاء ملفات تجنيسهم من موقع الحكومة المخصص لمتابعة مراحل الحصول على الجنسية التركية.

وبحسب آخر إحصائية أصدرتها مديرية الهجرة التركية لعدد السوريين المتواجدين في تركيا، فإنّ السوريين يشكلون ٤٪ من مجموع التعداد السكاني، علماً بأنه يوجد ٣ ملايين و٦٧٢ ألف سوري مسجلين بشكل رسمي ضمن الأراضي التركية.

وكانت المديرية العامة لشؤون السكان والجنسية التركية قد طرحت مؤخرا تطبيقاً إلكترونياً يمّكن الراغبين في الحصول على الجنسية التركية من ترشيح أسمائهم عن طريقه، ولكن بعدما أدخل العديد من السوريين المعلومات المطلوبة تبيّن أنّ التطبيق غير متاح للسوريين الراغبين في الحصول على الجنسية التركية سواء أكانت جنسية استثنائية أو كانت الجنسية الناتجة عن إقامة العمل أو الزواج من أتراك أو جنسية النسب إلى الأصول التركية!

ويرجح أنَّ تسعى الحكومة التركية من خلال إيقاف عمليات تجنيس السوريين إلى تحاشي النقد الذي تعرضت له من قبل الأحزاب المعارضة التي ترى أنَّ حزب العدالة والتنمية يهدف من وراء تجنيس السوريين إلى كسب أصواتهم الانتخابية، وأنَّ ذلك يعني التلاعب بشكل غير مباشر بنتيجة الانتخابات. كما أنَّ تجنيس السوريين يؤدي – حسب رأي الأحزاب المعارضة – إلى تغيير الطبيعة الديموغرافية للشعب التركي. لذلك، يُعتقد أنَّ الحظ الذي حالف عدداً كبيراً من السوريين الذين حصلوا خلال سنوات اللجوء الأولى على الجنسية التركية سيجافي البقية التي تلاشى أملها في أن تصبح رسمياً جزءاً من نسيج الشعب التركي بعدما تعلمت لغته وعاداته وتقاليده. فبعدما خسر الحزب الحاكم عدداً من الولايات في جولته الانتخابية الأخيرة، صار أكثر حرصاً على تجنب إثارة الجدل.