وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حمامان من الدم وتعديلٌ أمني: هل تخسر مصر حربها على الإرهاب؟

Egypt- Rawda mosque in Egypt
مصريون يمشون بين جثث القتلى في أعقاب هجومٍ بالقنابل أعقبه هجوم مسلح على مسجد الروضة في سيناء. Photo AFP

هز أسوأ هجومٍ إرهابي في تاريخ مصر الحديث، الذي جاء بعد شهرٍ من كمينٍ تسبب بمقتل عددٍ من قوات الشرطة في الصحراء الغربية، البلاد وأثار المزيد من التساؤلات حول استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب.

ففي 24 نوفمبر 2017، قتل مسلحون 305 مدني أثناء أدائهم صلاة الجمعة في أحد المساجد في شمال سيناء، في ما يبدو تحولاً أوسع نطاقاً نحو الطائفية في المنطقة. وعلى الرغم من عدم إعلان إي جهةٍ مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أنّ التنظيم التابع لتنظيم الدولة الإسلامية ينشط في المنطقة، كما يرتاد المسجد في الغالب صوفيون، وهم أتباع المذهب الصوفي الإسلامي الذين يعتبره المسلحون الإسلاميون شكلاً من أشكال الشعوذة. فقد سبق وأقدم مسلحون، في نوفمبر 2016، على قطع رأس إثنين من الدعاة الصوفيين متهمين إياهم بالسحر. وعليه، كتب الصحفي إتش إيه هيلير في صحيفة ذا أتلانتك “تروج الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية لفكرة أن الصوفية من بدع الإسلام، ليتجهوا بعدها إلى إعلان الصوفيين أهدافاً مشروعة.”

ويقول المحللون إن تنظيم الدولة الإسلامية لن يعلن مسؤوليته عن الهجوم، ذلك أن قتل جماعةٍ من المسلمين داخل مسجدٍ خلال صلاة الجمعة عملٌ بغيض حتى بالنسبة للإسلاميين المتشددين الذي يمكن أن يتعاطفوا مع الجماعة. فعلى سبيل المثال، أدان جند الإسلام، وهي جماعة معروفة إلى حدٍ ما في شمال سيناء وتتبع تنظيم القاعدة، الهجوم.

وقبل شهر، في 20 أكتوبر 2017 بالتحديد، تعرضت وحدة للشرطة كانت في طريقها لشن هجومٍ على مخبأ للمسلحين في الصحراء الغربية، لكمينٍ في منطقة الواحات البحرية، على بعد حوالي 135 كيلومتراً جنوب غرب القاهرة. قُتل في العملية حوالي 54 شرطي، وفقاً لما ذكرته مصادر أمنية اشترطت عدم الكشف عن هويتها ذلك أنهم غير مخولين بالتصريح لوسائل الإعلام.

وبعد أكثر من 24 ساعة أكد وزير الداخلية مقتل 16 شرطياً ووصف التقارير الإعلامية بأنها غير دقيقة. وعلى وجه التحديد، اتهمت الهيئة العامة المصرية للاستعلامات كلاً من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ووكالة أنباء رويترز بارتكاب “أخطاء مهنية جسيمة،” و”التلاعب” ببيان الوزارة بوصفهم منفذي الهجوم بـ”المسلحين” بدلاً من “الإرهابيين.” وأعلنت جماعة أنصار الإسلام، غير المعروفة نسبياً، مسؤوليتها عن الكمين، والتي يُقال أنها ترتبط بشكلٍ عام بتنظيم القاعدة بقيادة الضابط السابق في الجيش، والذي تحوّل إلى جهادي، هشام العشماوي.

وفي أعقاب الكمين، تمت إقالة العديد من ضباط الأمن من مناصبهم. اشتملت هذه التعديلات على إقالة الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب الجيش المصري، و11 من الجنرالات في الشرطة ورئيس جهاز الأمن القومي، قسم استخبارات الشرطة. وعلى الرغم من أن التصريحات الرسمية التي أعلنت عن هذا التحرك لم تقدم سبباً محدداً لإجراء هذا التعديل، إلا أنه يعتقد على نطاقٍ واسع أن الهجوم الذي وقع في الصحراء الغربية السبب وراء ذلك.

وقالت أليسون ماكمانوس، مديرة الباحثين في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، لفَنَك عبر البريد الإلكتروني “جاء هذا بالتأكيد كرد فعلٍ على هجوم الواحات، ذلك أنه يأتي في أعقاب فشلٍ في التجهيز للعمليات والعلاقات العامة.” وأضافت “خدم التعديل هدفين: تحمّل المسؤولية بعد هذه المأساة، وإرسال رسالة إلى القيادة الأمنية ورتبها حول ثمن الفشل والمعارضة.” وتابعت القول إنّ “إقالة حجازي عقابٌ للانتقادات الشعبية من قِبل الشخصيات العسكرية بعد الهجوم.”

كما يرى الخبير الاستراتيجي المصرى صفوت الزيات وجود صلةٍ واضحة بين هجوم الصحراء الغربية والتعديل الأمني، إذ قال لفَنًك: “تم ارتكاب بعض الأخطاء الكبيرة.” وأضاف “لا يوجد تنسيق مناسب بين الجيش والشرطة. كيف يمكن للشرطة تنفيذ مهمة من هذا القبيل على بعد 140 كيلومتراً في الصحراء دون غطاء جوي من الجيش؟”

وتعتقد مكمانوس أن “عدم وجود تنسيق بين الجيش وقوات الشرطة […] لعب دوراً بالتأكيد في هذه المأساة،” إلا أنها لا ترى في هذا بالضرورة مؤشراً لمشكلةٍ أوسع في التنسيق بين الأجهزة الأمنية. وأضافت “من النادر جداً أن تنفذ الشرطة مثل هذه المهمة بمفردها.”

وترى إيمان رجب، وهي باحثة متخصصة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، في إعادة التنظيم “خطوةً إيجابية.” وذكرت لفَنَك أنه بعد وقوع حادثٍ إرهابي في أي بلد، من المتوقع حدوث مثل هذه التغييرات في المؤسسات التي تتعامل مع الإرهاب. وأضافت “يدل ذلك على أن الحكومة لا تحرص فحسب على تطوير سياسات مكافحة الإرهاب، وإنما تُعيد أيضاً تقييم أداء المسؤولين المعنيين.”

في حين كان الزيات أكثر انتقاداً، إذ قال “لن يُحدث التعديل تغييراً حاداً وملحوظاً في تكتيكات مكافحة الإرهاب،” وتابع قوله “كان هذا عاماً سيئاً شهدنا فيه العديد من الهجمات الإرهابية، وقد حان الوقت لاتخاذ خطواتٍ جادة.”

وفي حين ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات أنّ الهجوم على المسجد أظهر “ضعف ويأس وانهيار” الجماعات الإرهابية، أعرب آخرون عن قلقهم إزاء قدرات تنظيم الدولة الإسلامية بالرغم من سنواتٍ من العمليات العسكرية المكثفة في المنطقة.

وقال مهند صبري، الخبير في شؤون سيناء، لصحيفة ذي اندبندنت “ضرب الهجوم منطقة جغرافية يدعي الجيش السيطرة عليها، مما يثبت أن [تنظيم الدولة الإسلامية] لا يزال يحتفظ ببعض قدراته لحشد الأسلحة والمتفجرات والمقاتلين بالرغم من سنواتٍ من الحرب مع واحدٍ من أكبر وأقوى الجيوش في الشرق الأوسط.”

ووفقاً لزيات “كان هناك توقعات ووعود كبيرة بعد الاستيلاء العسكري في عام 2013 بأنه سيتم القضاء على الإرهاب في سيناء في غضون أسابيع. مضت أربع سنوات إلى الآن، ولا يزال الإرهاب قائماً بشكلٍ يومي تقريباً.” وأضاف أن المفتاح لحل مشكلة التهديد الإرهابي في مصر لا يكمن في إقالة بعض القيادات البارزة، بل باستراتيجيةٍ أفضل، والتي ينبغي أن تعتمد على كسب “قلوب وعقول” السكان في المناطق التي يحصل فيها الإرهاب. وكما يقول “عليك أن تضمن ولاء الناس لك. إذا ما عاقبتهم، يبدأون بالإنفصال عن الدولة. سيؤيد بعضهم الإرهاب، بينما سيتردد البعض الآخر في تقديم أي معلوماتٍ قيمة.”

وكان الزيات يُشير إلى الوضع في شمال سيناء، حيث تم إخلاء وتجريف قرى بأكملها لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع غزة، مما أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص، إذ قال في هذا الشأن “علينا تغيير طريقة تعاملنا مع المدنيين.” وتعتبر هذه مهمة تشوبها الصعاب، ففي مقابلةٍ له مع صحيفة ذي اندبندنت، قال مصدرٌ عسكري إن الجيش “يبذل قصارى جهده،” إلا أن “الإرهابيين يختبئون بين المدنيين.”

وفي تقريرٍ مفصل عن هجوم الواحات، أشار معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط إلى العلاقة بين الدولة والمدنيين: “ستواصل الجماعات الإرهابية تشكيل تهديدٍ، وبخاصة في المناطق غير الخاضعة لأي سلطة حكومية وحيث تآكل العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة.”

وقالت مكمانوس “من الواضح أن مصير السكان المدنيين مسألة هامشية، وعموماً، يُنظر للسكان في شمال سيناء بعين الريبة، وباعتبارهم إرهابيين محتملين.” بيد أنها قالت إن هناك “شائعات” بأن العلاقة بين المدنيين وأفراد الأمن تتغير “ببطء ولكن بثبات.”

وفي أفضل الأحوال، سيخلق الهجوم المروع على المسجد رد فعلٍ عنيف ضد تنظيم الدولة، الأمر الذي يمكن للدولة أن تستفيد منه بتحسين العلاقات مع المدنيين وضمان الدعم المحلي. فقد كان أول المؤشرات في هذا الاتجاه بيانا صادرا عن مجموعة من القبائل البدوية رداً على الهجوم، حيث تعهدوا بالقضاء على تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء.

ومع ذلك، حمل خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 29 نوفمبر 2017 نبرةً أقل تفاؤلاً. فقد منح محمد فريد حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المعيّن حديثاً، ثلاثة أشهر لضمان أمن واستقرار شمال سيناء، إذ قال “يمكنك استخدام كل القوة الغاشمة الضرورية.”