وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حركة “ماك” الأمازيغية: منظمة إرهابية أم حركة استقلال؟

حركة "ماك" الأمازيغية
صورة تم التقاطها يوم ٨ أغسطس في بلدة كورت بكورسيكا لفرحات مهني، رئيس حركة استقلال القبائل “الماك”، وهو يقدّم عرضاً عن حركته. وفي يوم ٢ يونيو ٢٠١٠، قام مهني وحركته التي تطالب باستقلال منطقة القبائل الجزائرية بالإعلان عن تشكيل حكومة في المنفى بفرنسا لتحدي القيادات الوطنية في الجزائر. المصدر: STEPHAN AGOSTINI / FILES / AFP.

يوسف شرقاوي

شهدت الآونة الأخيرة تصاعد الأخبار الواردة عن حركة ماك الأمازيغية التي تسعى إلى تأمين استقلال منطقة القبائل في الجزائر. ففي شهر أغسطس ٢٠٢١، أصدر القضاء الجزائري مذكرة توقيف دولية بحق زعيم الحركة فرحات مهني، وذلك على خلفية توجيه الاتهام له ولحركته بإشعال الحرائق التي دمرت مساحات شاسعة من هذه المنطقة الجبلية.

ووفقاً للقضاء الجزائري، فإنّ مهني متورط أيضاً في حرق المغنّي جمال بن إسماعيل الذي تطوّع لإخماد الحرائق في منطقة ناث إيراثن وقتله أبناء المنطقة الأمازيغ للاشتباه في ضلوعه بإشعال الحرائق. وبحسب الاتهام الموجه لمهني، فإن التحقيقات تؤكد تنفيذها بدعمٍ مالي أجنبي. كما أفاد النائب العام سيد أحمد مراد خلال مؤتمر صحفي، أنّ التحقيق كشف عن وجود تدبير مسبق وممنهج لحركة (الماك) خلال الواقعة، ناهيك عن توجيه اتهامات بالتعاون مع قوى أجنبية. كما لفت مراد إلى صدور مذكرات توقيف دولية بحق ٢٨ شخصاً إلى مهني الذي يعيش في المنفى بفرنسا منذ عدة سنوات.

هذه هي المرة الأولى التي تصدر الجزائر فيها مذكرة توقيف ضد مهني، إذ سبق للحكومة الجزائرية توجيه الاتهامات له بشكل غير مباشر بالتعاون مع “قوى أجنبية معادية للجزائر”. أما مهني، فقد أنكر ضلوعه في الاتهامات الموجهة له. وكتب مهني على حسابه على فيسبوك: “على أي أساس أصدرت الجزائر مذكرة توقيف في حقي؟ هذا أمر جنوني. نحن مناضلون سياسيون سلميون. لا نطالب إلا بحقّ العيش كباقي شعوب العالم”. وأضاف: “طلبت من منظمة “محامون بلا حدود” أن يدافعوا عن حقوقي. فإذا وجدوا أدنى دليل يثبت تورطي في مقتل الشاب جمال بن إسماعيل أو في إشعال الحرائق في منطقة القبائل، فأنا مستعد أن أسلّم نفسي للسلطات الجزائرية”.

أما حكومة القبائل المؤقتة التي أنشأتها حركة “ماك”، فقد قال الناطق الرسمي باسمها أكسل أمزيان لوكالة فرانس برس: “نطالب بتحقيق دولي حول الشاب الذي قتل حرقا وحول الحرائق التي تجتاح منطقة القبائل في شمال الجزائر”. وأضاف أمزيان: “كتبنا إلى الأمم المتحدة، واتصلنا بمجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وهناك اتصالاتٌ جارية مع منظمة العفو الدولية”. فيما أكّد أنّ الحركة “تواصل دحض هذه المزاعم”، مشدّداً على سلمية الحركة وأن الدولة الجزائرية تعتبرها إرهابية” لأنها تنتقد تصرفات النظام”.

هوية أمازيغية

تُعد حركة “ماك” من بين أشهر التنظيمات السياسية المعارضة للنظام الجزائري منذ بداية الألفية الثالثة، وهي حركة أمازيغية تُطالب بتقرير المصير في منطقة القبائل، واستقلال المنطقة عن الجمهورية الجزائرية، الأمر الذي جعل النظام والإعلام الجزائري يصفها بالحركة الانفصالية.

تأسست حركة “ماك” على يد فرحات مهني الملقب بفرحات إيمازيغن إيمولا، وهو مغنٍّ وشاعر وسياسي ومعارض أمازيغي جزائري، ولد في منطقة القبائل، تحديداً في إيلولة أمالو في دائرة بوزغن ولاية تيزي وزو، شرقي العاصمة الجزائر. وانبثقت الحركة إلى الوجود سنة ٢٠٠١، وهي الفترة التي اندلعت فيها داخل منطقة القبائل مشادات عنيفة بين قوات الأمن الجزائرية والمتظاهرين، واستمرت لمدة سنة، وكان حصيلتها ضحايا كثيرين.

فرحات نصّب نفسه رئيساً لـ “دولة القبائل” وتبرّأ من الجزائر، فجُرّد من جنسيتها، ثم عيّن 9 وزراء في حكومته، وأنشأ عملة دولة القبائل وجواز سفر خاصاً بالمنطقة، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها.

ومنذ تأسيسها بداية الألفية الثالثة، نشطت حركة “ماك” في فرنسا، فوجدت فيها الملاذ الآمن للهروب من المطاردات الأمنية. واستقر أغلب نشطائها في باريس، حيث يقطن أيضاً رئيسها فرحات مهني، لا سيما أنّ وكالة الأنباء الفرنسية وصفتها في مايو ٢٠٢١ بـ “المنظمة المؤهلة والمؤيدة للديمقراطية”.

ويعود أصل عدد كبير من زعماء حركة الاستقلال إلى منطقة القبائل التي يتحدث سكانها اللغة البربرية، فطالب البعض بالاعتراف بكافة التقاليد الثقافية المختلفة في المجتمع الجزائري، ثم طالبوا باستقلال المنطقة.

نشاط الحركة محظور تماماً في الجزائر حيث تتهمها الحكومة بأنها “حركة انفصالية وعنصرية” ضد العرب، خاصة وأن مسألة منطقة “القبائل” هي قضية وحدة ولا تعرف الجزائر قضايا انفصال بل هناك تعدد عرقي وثقافي. أما بالنسبة لدعاة الحكم الذاتي من الناشطين الأمازيغيين، مثل كمال الدين فخار، فإن الحكومة هي “متواطئة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل العرب السنة ضد الأمازيغ”، وقد قال ذلك بعد اعتقال السلطات الجزائرية لـ ٢٥ شخصاً في ٢٠١٥، وحاكمت العديد من نشطاء حقوق الأقليات بتهم الإرهاب رغم ضعف الأدلة.

 

دوافع تصعيد الحكومة الجزائرية ضد الحركة

حركة "ماك" الأمازيغية
صورة تم التقاطها يوم ١١ أغسطس ٢٠٢١ لتلال حراجية في منطقة القبائل شرقي العاصمة الجزائرية الجزائر ويظهر فيها تصاعد الدخان الكثيف جرّاء الحرائق التي اندلعت في تلك المنطقة. وارتفع عدد القتلى إلى ما لا يقل عن ٦٩ شخصاً، في الوقت الذي يكافح فيه رجال الأطفاء والجنود والمتطوعون المدنيون حرائق الغابات شمال الجزائر اليوم، وذلك في أحدث سلسلة من الحرائق تصيب منطقة البحر المتوسط. المصدر: Ryad KRAMDI / AFP.

بدأت الحكومة الجزائرية في عام ٢٠٢١ إجراءات المجابهة الشاملة ضد حركة “ماك” الانفصالية، وذلك بعد إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، كما كثّفت الحملات الأمنية ضدها. وثمة تفسيرات مختلفة وراء هذا التوجّه، منها مثلاً تبني الحركة للعمل المسلح. ففي عام ٢٠١٨، دعا مهني أبناء القبائل لتشكيل “قوة حماية شعبية في المنطقة تحل محل الأجهزة الأمنية الجزائرية” التي وصفها بـ “المحتلة”. وبرّر مهني ذلك في مؤتمر عقده في لندن بقوله: “لماذا أطلب منكم ذلك؟ لأنه من دون قوة لن نكون إلا شُعراء نتغنى بآمالنا. نحن الآن كذلك، أنا الآن كذلك. لن نتحكم في واقعنا، لن نتمكن من حماية أبنائنا من الأمن الجزائري الذي يعتدي عليهم بالقوة كلما أرادوا الاحتجاج”.

ثم رفض مهني الاتهامات الموجهة إليه بتحريض القبائل على الانتفاضة المسلحة، وقال إنه طالب المؤيدين لفكرة استقلال هذه المنطقة الأمازيغية عن الجزائر بـ “حماية أنفسهم” فقط. وفي سياق الدفاع عن طرحه، أكد مهني أن “مناضلي الحركة التي يترأسها، يتعرضون لجميع أشكال الاضطهاد، ويُعتقلون، تعسفاً، من طرف قوات الأمن الجزائرية، سواء جماعات، خلال الاحتجاجات، أو فرادى، داخل مقرات سكناهم، وحتى من الجامعات. لذلك، يجب أن تكون لدينا قوة نحتمي بها، وهو حقنا الشرعي”.

ثمة تفسيرات أخرى لتصعيدات الحكومة ضد الحركة، بينها استقواء الحركة بالخارج، مثل طلب الدعم الأوروبي والأمريكي لقضيتها، وتنسيقها مع دول الجوار مثل المغرب. وكان مندوب المغرب الدائم في الأمم المتحدة، عمر هلال، قد دعا في يوليو 2021، إلى “حق تقرير المصير” لسكان منطقة القبائل الجزائرية. ومن أنشطة الحركة الخارجية التواصل مع إسرائيل. وألقى مهني كلمة في الكنيست عام ٢٠١٢، مما أثار استنكاراً سياسياً واسعاً في الجزائر خاصة أنه أعلن دعمه إقامة سفارة إسرائيلية في منطقة القبائل.

تداعيات التصعيد

زادت العزلة السياسية لمنطقة القبائل مع مقاطعة المنطقة للانتخابات العامة في الجزائر. وشهدت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت في مطلع يونيو 2021 حالة من العنف، تزامنت مع إغلاق العديد من مقار الاقتراع. ولم تتجاوز نسب المشاركة في منطقة القبائل حاجز 0.85% وهي نسبةٌ متدنية للغاية. وتُمثل مقاطعة أبناء منطقة القبائل للانتخابات العامة تهديداً بعزل هذه المنطقة عن الجزائر، خاصة بعد انعدام مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور. ومع ذلك، تبذل الحكومة الجزائرية جهوداً كبيرة لمحاولة احتواء غضب منطقة القبائل مثل دسترة اللغة الأمازيغية في تعديلات عام 2016 الدستورية، وهو ما مهّد للاعتراف بالحقوق الثقافية للأمازيغ.

أيضاً، كان لهذا التصعيد تداعيات دولية كقطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وتدهور علاقتها مع فرنسا. وعلى الرغم من إصدار الجزائر مذكرة توقيف دولية بحق مهني، فإن باريس ما تزال تماطل في تسليمه، وهو ما أدى إلى زيادة التوتر في العلاقات الجزائرية – الفرنسية، خاصة بعد إصدار السفير الجزائري لدى باريس، محمد عنتر داود، بيان استنكار بحق “وكالة الأنباء الفرنسية” التي وصفت حركة “ماك” “بالمؤهلة والقابلة للديمقراطية”.

على الطرف الآخر، فإن تصعيد الحكومة لا يعدو عن كونه محاولة لدحر حركة الاحتجاج كلها بحسب ما يراه مناصرون لهذه الحركة. وسبق لإميلي هاوثورن، وهي محللة مختصة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز ستراتفور لتبادل المعلومات الجيوسياسية الواقع في أمريكا، التأكيد على أن هذه الحملة “ما هي إلا استراتيجية لتقسيم ودحر حركة الاحتجاج بأكملها”.

يبدو واضحاً أن هنالك تغيُّراً في سياسة الحكومة تجاه الحركة الانفصالية منذ نشأتها حتى اليوم، وتوجُّهاً في زيادة وتيرة القمع ضد الحركة المتَّهمة بـ«الإرهاب». ويمهد للسلطة في ذلك الغضب الشعبي من جرَّاء حادثة اغتيال جمال بن إسماعيل بطريقة وحشية، وما خلَّفه من امتعاض كبير واتهام للتنظيم الانفصالي بالوقوف وراءه، كما تستعمل السلطة الخوف من هذه الحركة – بالإضافة إلى حركة «رشاد» الإسلامية – لاتهام مسيرات الحراك بالاختراق، وتقديمها ذريعةً للتعامل الأمني مع الحراك. وعلى ذلك، يبدو أن حالة التوتّر التي تعيشها منطقة القبائل ستستمر وسط عدم وجود حلول وسط بين الحكومة الجزائرية وأبناء المنطقة الأمازيغ الراغبين بالحصول على مساحة أكبر للتعبير عن هويتهم الثقافية والسياسية.