وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المعارضة السورية: من يُمثل من؟ ومن مع و/أو ضد من؟

سوريا
جنود من الجيش السوري الحر في حلب / Photo Anadolu Agency

منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سوريا والتحول الجذري في الثورة المؤيدة للديمقراطية إلى حرب أهلية شرسة بتداعيات إقليمية ودولية، اختلفت وتنوعت القوى الثورية في البلاد إلى حدٍ كبير، بدءاً من الهيئات الديمقراطية والعلمانية وصولاً إلى الجماعات الإسلامية والإرهابية التي تقاتل إلى جانب أو ضد بعضها البعض وفقاً للأوضاع الراهنة، فضلاً عن بعض العلاقات المشبوهة بين بعض القوى الثورية والنظام السوري.

أدى هذا إلى ظهور العديد من علامات الاستفهام على صعيد العالم العربي والغرب. وباختلاط الحابل بالنابل، أمسى التصور العام هو أن لا وجود “للمعارضة” السورية الآن أو أنّ جميع الثوار إرهابيون، وبخاصة منذ ظهور “الدولة الإسلامية”. وفي حين يلامس هذا التصور بعض الحقيقة، إلى حدٍ ما، إلا أنه لا يعكس تعقيد الوضع على الأرض ولا الفروق الدقيقة لشاكلة كل كيان وطبيعة تحالفاتهم والتحالفات المضادة. وفيما يلي سرد للمنظمات الرئيسية المدرجة على قائمة المعارضة السورية اليوم، إلى جانب أوجه التشابه والاختلاف وصلاتها المختلفة.

الجيش السوري الحر

أسس “الجيش السوري الحر” في يوليو 2011 من قِبل مجموعة منشقة من ضباط وجنود القوات المسلحة السورية، ولطالما نُظر إليهم بكونهم ائتلافاً من أفراد متشابهي التفكير عوضاً عن منظمة مقاتلة موحدة، إذ تفتقر إلى هيكل قيادي واضح. يُنسق “الجيش السوري الحر” عملياته مع المجلس الوطني السوري (الذي أطلق عليه لاحقاً الائتلاف الوطني السوري) وهو الهيئة السياسية التي تم الاعتراف بها منذ ديسمبر 2011، من قِبل أكثر من مائة دولة باعتباره ممثل عن الشعب السوري.

وما بين يوليو 2012 ويوليو 2013، أضعف سوء الانضباط والنزاعات الداخلية “الجيش السوري الحر”، باعتباره الجناح العسكري “للمعارضة المعتدلة”، في حين اجتاحت الجماعات الجهادية شمال البلاد وبسطت سيطرتها.

في الواقع، اعترت العديد من افراد “الجيش السوري الحر” خيبة أمل كبيرة مع نمو “جبهة النصرة”، المتحالف مع تنظيم القاعدة، وغيرها من الجماعات الإسلامية خلال النصف الأول من عام 2013، حيث باتوا يشعرون أنّ ثورتهم ضد النظام سرقت منهم أمام أعينهم. ومع ذلك، تواصل وهن “الجيش السوري الحر” في عام 2014 إلى أنّ أصاب الشلل التام قيادته العسكرية في الأشهر الأخيرة من السنة، قبل أن يُنعش التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة آمال “الجيس السوري الحر” بالعودة إلى الواجهة.

وفي 25 سبتمبر 2014، عقد ائتلاف القوى الثورية من المسلمين المعتدلين تحت مسمى “المجلس العسكري الأعلى في سوريا”، والذي يتضمن “الجيش السوري الحر”، اتفاقيةً مع ائتلاف ثوري آخر بأغلبية مسيحية يدعى “المجلس العسكري السرياني السوري”، لتوحيد الجهود ضد كل من حكومة الأسد وما يُسمى اليوم “تنظيم الدولة” أو “داعش”.

الدولة الإسلامية في العراق والشام

نشأ تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بوصفه جماعة التوحيد والجهاد عام 1999، حيث تعدّ هذه الجماعة باكورة قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، والمعروف باسم تنظيم القاعدة في العراق والتي أسسها أبو مصعب الزرقاوي عام 2004. انضمت القاعدة في العراق إلى جماعات سنية مسلحة أخرى لتشّكل معاً مجلس شورى المجاهدين الذي تأصل أكثر في “الدولة الإسلامية في العراق” بعد ذلك بوقتٍ قصير. تمثّل هدف الجماعة الأساسي بإقامة دولة إسلامية في المناطق ذات الاغلبية السنية في العراق. وبعد تورطها بالحرب الأهلية السورية، بعد إعادة تسمية التنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو “داعش” توّسع طموح التنظيم ليشمل ايضاً السيطرة على المناطق ذات الأغلبية السنية في سوريا.

بعد سقوط الموصل في أوائل يونيو 2014، والسيطرة المستمرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، حيث يُسيطر التنظيم تقريباً على كامل محافظات الرقة ودير الزور، اعلنت الخلافة ونصّب أبو بكر البغدادي نفسه خليفةً للمسلمين، وفي نفس الوقت أصبحت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “الدولة الإسلامية”. يمتد نفوذ التنظيم حالياً على طول 90,000 كيلومتر مربع، من غرب سوريا إلى شرق العراق، أي ما يُقارب حجم البرتغال.

في أغسطس 2014 ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ارتفع عدد مقاتلي التنظيم في سوريا إلى أكثر من 50 ألف، في حين قدرت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي آيه) أعداد المقاتلين في سبتمبر 2014 بين 20,000 و31,500 مقاتل في سوريا والعراق، فضلاً على أنّ آلاف المقاتلين هم من الأجانب. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، في سبتمبر 2014 كان هناك أكثر من 2000 أوروبي و100 أمريكي من بين مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين تُقدّر أعدادهم بـ15 ألف مقاتل أجنبي.

جبهة النصرة

تعدّ “جبهة النصرة” الفرع السوري للقاعدة، ويحمل زعيمها الذي ولى نفسه الإمارة، اسم أبو محمد الجولاني. وفي أول تصريح علني لها في يناير 2012، دعت “النصرة” إلى الكفاح المسلح ضد النظام السوري. تختلف هيكلية هذه الجماعة في مختلف مناطق سوريا، فعلى سبيل المثال، تُحيط “النصرة” عملياتها في دمشق بتكتمٍ شديد وتعتمد نظام الخلايا السرية، في حين تتبع “النصرة” في حلب نهجاً منظماً ذو خطوط عسكرية شبه تقليدية، وذلك بتقسيم قواتها إلى ألوية وكتائب وفصائل. يُقدر عددهم بنحو 6000 مقاتل.

جماعة خرسان

في حين اتجهت أنظار العالم بأكمله إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش” أو كما تُطلق على نفسها اليوم “الدولة الإسلامية” باعتبارها المنظمة الجهادية الأخطر في العالم، إلا أن الأمور تعقدّت مؤخراً بإعلان مسؤولون استخباراتيون وأمنيون في المخابرات الأمريكية مزاعم وجود خلية مقرّبة من القاعدة أرسلها أيمن الظواهري بنفسه لمؤازرة مسلحيّ “النصرة” داخل سوريا، إلا أنّ هذه الخلية لا تهدف لمحاربة نظام بشار الأسد، بل تسعى إلى تنفيذ هجمات توقع خسائر جسيمة في أرواح المدنيين في الغرب.

هذه الخلية التي يُطلق عليها اسم “جماعة خراسان”، تشّكل وفقاً لواشنطن تهديداً أوسع للغرب من “داعش”، إلا أنّ العديد من المحللين يشككون بوجود مثل هذه الجماعة المنفصلة ويعتقدون أنها جزء من “النصرة”.

أحرار الشام

“أحرار الشام” جماعة من الثوار السلفيين تأسست في المراحل الأولى من الصراع السوري، ومن ضمن قياداتها سجناء إسلاميون تم إطلاق سراحهم في عام 2011 من قبل السلطات السورية، إلى جانب مسلحين سابقين في تنظيم القاعدة، أمثال القيادي البارز أبو خالد السوري، الذي كان آنذاك ممثل تنظيم القاعدة في سوريا. تستسقي هذه الجماعة دعمها، من بين آخرين، من قِبل شخصيات دينية كويتية بارزة، أمثال الشيخ حجاج العجمي والشيخ شافي العجمي، إلى جانب سياسيين ذوي نفوذ أمثال النائب السابق وليد الطبطبائي.

في أوج نفوذها في يوليو 2013، ضمت “أحرار الشام” في صفوفها ما بين 10,000 إلى 20,000 مقاتل، مما جعلها أقوى جماعة تحارب نظام الأسد تحت مظلة “الجبهة الإسلامية” (أنظر أدناه).
ولم يسبق إدراج “أحرار الشام” على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة الامريكية، على عكس “جبهة النصرة”، ولطالما اعتبرت جسراً يربط بين القوى الثورية العلمانية والمتطرفين. وفي 9 سبتمبر 2014، تسبب هجوم إنتحاري خلال اجتماعٍ للقادة في محافظة إدلب بمقتل حسن عبود، زعيم المجموعة، وأكثر من أربعين فرداً من كبار القادة.

الجبهة الإسلامية

“الجبهة الإسلامية”، التي أبصرت النور في نوفمبر 2013، تحالف او اتحاد يضم سبع قوى ثورية تشارك في الحرب الاهلية السورية، من بينهم “صقور الشام” و”لواء التوحيد” و”جيش الإسلام” وأحرار الشام”.

في أوائل 2014 أدانت “الجبهة الإسلامية” تصرفات “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش”، في حين قامت بعض الفصائل ضمن التحالف بالهجوم على التنظيم. كما أسست عدة ألوية في “الجبهة الإسلامية”، بما في ذلك “صقور الشام” و”أحرار الشام” فرقاً داخلية تتمثل مهمتها في تحديد كيفية، أو حتى مناقشة شرعية مواجهة “داعش”.

قد يكون لهذه الفرق صلة بالهجوم الانتحاري الذي استهدف اجتماع قادة بارزين في “النصرة” حيث أعلن عن مقتلهم أوائل سبتمبر الماضي.

الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة: ما هي أوجه الاختلاف؟

كان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش” يرتبط بعلاقة وطيدة مع “جبهة النصرة” حتى شهر فبراير لعام 2014، عندما قطعت “النصرة”، بعد صراعٍ طويل على السلطة استمر ثمانية أشهر، جميع صلاتها بتنظيم “داعش”. في الحقيقة، قادت “جبهة النصرة” عمليات عسكرية مختلفة إلى جانب كل من “داعش” والجماعة السلفية “أحرار الشام”، قبل قرارها العزف المنفرد بعد محاولة “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش” قيادة المجموعة في أبريل 2013. هذا وقد جدد أبو محمد الجولاني، زعيم “النصرة”، ولائه لزعيم القاعدة أيمن الظواهري بعد أنّ أعلن أمير “الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش”، أبو بكر البغدادي، في ابريل 2013 إدراج “النصرة” تحت جناح “الدولة”.

يتمثل الفرق الأساسي بين الفصيلين بالنهج المتبع مقابل الأهداف العقائدية أو الاهداف طويلة الأمد، إذ تسعى “النصرة” إلى الحفاظ على علاقاتٍ طيبة مع القوى الثورية الأخرى والجهات الفاعلة المحلية، في حين أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يسعى إلى تأجيج الصراع بينهم. وعلى سبيل المثال، وبشكلٍ مخالف لما قام به تنظيم “الدولة الإسلامية” بقطع رؤوس صحفيين أمريكيين بارزين وموظف الإغاثة البريطاني، حررت “النصرة” في اغسطس الماضي الصحفي الأمريكي، بيتر كورتيس، الذي بقيّ أسيراً لديها لما يقارب العامين. وفي أوائل سبتمبر، حررت “النصرة” مجموعة من 45 عنصراً من قوات حفظ السلام الفيجية المحتجزين لديها كرهائن في مرتفعات الجولان السورية. وفي لبنان، قطع تنظيم “الدولة الإسلامية” رأس جنديين لبنانيين اعتقلوا في الاشتباكات الاخيرة مع الجيش اللبناني في بلدة عرسال الحدودية، في حين أفرجت “النصرة” عن خمسة أسرى تم اعتقالهم أثناء ذات المعركة، على الرغم من قتلها أحد الجنود آنذاك رمياً بالرصاص والتهديد بقتل جندي آخر.

ومع ذلك، لا يوجد فرقٌ كبير بينهما من ناحية عقائدية، إذ أنّ “النصرة” جزءٌ من القاعدة، ويسعى تنظيم القاعدة، تماماً كحال “الدولة الإسلامية” إلى إقامة الخلافة. ترفض “النصرة” الاعتراف بشرعية إعلان الخلافة، إلا أنّ أهدافهما تتقاطع في عدة نواحي.

جبهة النصرة والجيش السوري الحر

بينما يتهم البعض في “الجيش السوري الحر” “جبهة النصرة” وغيرها من التنظيمات بسلب الثورة السورية السلمية التي انطلقت شرارتها باعتبارها انتفاضة سلمية تطالب بنظام ديمقراطي، إلى جانب القلق المتزايد حول الأيديولوجية الدينية “للنصرة” والخطط لمستقبل سوريا، يعتبر البعض الآخر المتطرفين الأجانب حافزاً في المعركة ضد نظام الأسد، بالنظر إلى تجاربهم في كلٍ من العراق وأفغانستان.

دعا معاذ الخطيب، قيادي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية‎ آنذاك، في شتاء 2012- 2013 الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في قرارها إدراج “جبهة النصرة” على قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية، معللاً ذلك بأنّ بنادق جميع القوى الثورية تهدف إلى “إسقاط النظام” بغض النظر عن اختلافها ولا بد من تركها وشأنها.

واعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2012 “جبهة النصرة”، التي شكلّت عوناً كبيراً للثوار السوريين في معركة حلب بداية الصراع ضد النظام ، منظمةً إرهابية.

الدولة الإسلامية في العراق والشام والنصرة والنظام السوري

في يناير 2014، نشرت صحيفة الديلي تلغراف أنّ مصادر استخباراتية غربية تعتقد أنّ الحكومة السورية عقدت صفقات نفط سرية مع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” حيث أوردت أن المسلحين يمولون حملتهم من بيع النفط الخام لنظام الأسد من حقول النفط التي تخضع لسيطرتهم.

فضلاً عن ذلك، اتهمت السلطات السورية، قبل انخراطها في المواجه مع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، بالاتفاق الضمني مع الجماعات المتطرفة لإضعاف قوى المعارضة الأخرى إلى جانب القوى الكردية.

وحتى ربيع عام 2014، لم يتم، في الغالب، المساس بقواعد تنظيم “الدولة” من قِبل الجيش السوري أو حتى القوات الجوية السورية.

الدولة الإسلامية في العراق والشام والجيش الحر

على الرغم من الخلافات والصراعات بين الفصيلين، يُعتقد انّ العديد من القوى الثورية المعتدلة يتم استيعابها من قِبل الجماعات الإسلامية. في اغسطس 2014، صرّح قائد رفيع المستوى في تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أنه لم يعد هناك أي وجود “للجيش السوري الحر” في شمال سوريا، مدعياً انضمام جميع جنود الجيش الحر إلى صفوف تنظيم “الدولة”. يدعم هذا الإدعاء وثائق المرصد السوري لحقوق الإنسان التي تذكر تجنيد أكثر من 6300 مقاتل في شهر يوليو 2014 وحده، وأنّ العديد منهم من “الجيش السوري الحر”.

الجيش السوري الحر وأحرار الشام

في شهر مايو 2013، كشف سليم إدريس، قائد “الجيش السوري الحر” النقاب عن عمليات مشتركة “للحر” مع الجماعة الإسلامية “أحرار الشام”، إلا أنه في الوقت نفسه نفى أي تعاون مع “جبهة النصرة” الإسلامية.