وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

علاقات الإمارات وإسرائيل الحميمية تهمش الفلسطينيين

علاقات الإمارات وإسرائيل
رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ يلقي كلمة في قبة الوصل في إكسبو 2020 دبي خلال اليوم الوطني لإسرائيل في الإمارة الخليجية في 31 يناير 2022. كريم صاحب / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

زار الرئيس الإسرائيلي دولة الإمارات العربية المتحدة في  شهر يناير الماضي  في زيارة رسمية التقى فيها ولي عهد أبي ظبي. ويدل هذا اللقاء التاريخي على تنامي التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي بين البلدين اللذين يجمعهما عداء مشترك لخصمهما الإقليمي إيران.

والتقى حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبي ظبي مع إسحاق هرتسوغ الرئيس الإسرائيلي بعد 16 شهرًا من إقامة العلاقات الدبلوماسية بموجب اتفاقيات إبراهيم الموقعة في 15 سبتمبر من عام 2020، لتصبح الإمارات ثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد مصر والأردن.

وقال محمد بن زايد بأن إسرائيل والإمارات يتشاركان “وجهة النظر ذاتها حيال مصادر التهديد للاستقرار والسلام الإقليمي، لا سيما تهديدات الميليشيات والقوى الإرهابية”.

وخلال زيارة هرتسوغ، تلقت الإمارات ثالث هجوم في الشهر نفسه من جماعة الحوثيين اليمنية المتحالفة مع إيران باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة، وأسفر الهجوم الأول في 17 يناير عن مقتل ثلاثة أشخاص. أما الهجوم الثاني، فاعترضته قاعدة الظفرة الجوية الإماراتية بمساعدة أمريكية. وقالت وزارة الدفاع الإماراتية أن غارات قوات التحالف قد دمرت منصات إطلاق صواريخ في اليمن ردًا على تلك الهجمات.

جاءت هذه الضربات بعد سبع سنوات من بداية الحرب الأهلية في اليمن التي دمرتها هجمات التحالف بقيادة السعودية، وقضى في هذه الحرب آلاف اليمنيين جراء المجاعات والأوبئة. ومع اشتداد الحرب في اليمن في الأشهر الأخيرة بعد شن الحوثيون هجمات خارج حدود اليمن على الإمارات والسعودية وردّ التحالف بالغارات الجوية على المدن اليمنية، بدأت الإمارات في تقليص وجودها كما فعلت في عام 2019. وذلك بعد أن اعتبرت أن هذه حرب لا نصر فيها وفقا لموقع سي إن إن. وكانت الإمارات قد قلصت وجودها العسكري في اليمن، لكن ظل نفوذها مهيمنًا على القوات المحلية التي أسستها وسلحتها في بعض المحافظات مثل شبوة ومأرب الغنيتين بالنفط.

وعرضت إسرائيل بعد هذه الهجمات الدعم الاستخباراتي والأمني على الإمارات للتصدي لهجمات الطائرات المسيّرة في المستقبل. وعلاوة على تنامي الصلات الأمنية بين البلدين، فهما يعملان على توثيق الروابط الاقتصادية، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل من البلدين نحو 400 مليار دولار.

ورصدت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية زيادة بمقدار 30% في حركة الاستيراد والتصدير مع الإمارات عما كانت عليه عام 2020، كما يزور نحو 250 ألف إسرائيلي الإمارات كل عام، ما يوفر دعمًا للسياحة في البلاد. بينما لم يزر كثير من الإماراتيين إسرائيل بسبب إجراءات إسرائيل الصارمة لمواجهة فيروس كورونا، لكن ثمة توقعات بازدهار السياحة بين البلدين في مرحلة ما بعد كورونا.

وقال هرتسوغ في زيارته لجناح إسرائيلي في معرض إكسبو دبي 2020: “لم يمض كثير من الوقت منذ إعلان اتفاقيات إبراهيم حتى تجاوزت تجارتنا المشتركة مليار شيكل (نحو 315 مليون دولار أو 280 مليون يورو) كما وقّعنا ما يزيد عن 120 اتفاق”. وأضاف أن البلدين قد اتفقا على إنشاء صندوق للبحث العلمي والتنمية بملايين الدولارات، وقد استغل الرئيس الإسرائيلي، وهو المنصب الشرفي في البلاد، فرصة معرض إكسبو للقاء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وزيارة المجتمع اليهودي في الإمارات الذي وإن كان صغيرًا، فإنه في تزايد مستمر.

كما يُتوقع أن تتعاون الإمارات وإسرائيل في عدد من الملفات الأخرى مثل الاستدامة والمناخ والزراعة والبحث العلمي والتنمية والتكنولوجيا الطبية والمالية.

وكذلك، قد تؤدي زيارة هرتسوغ إلى توسيع اتفاقيات إبراهيم كما أشار يائير لابيد وزيرالخارجية الإسرائيلي في يناير الماضي. إذ تبع اتفاقيات إبراهيم مع الإمارات والبحرين اتفاقي سلام مع السودان والمغرب، وتتطلع إسرائيل الآن إلى ضم كبار الفاعلين الإقليميين.

وقال لابيد: “إذا سألتني عن أهم الدول التي نتطلع إلى التطبيع معها، فسوف أقول بأن إندونيسيا واحدة منها، والسعودية أيضًا بلا شك، لكن هذه الأمور تحتاج إلى بعض الوقت”.

وحافظت السعودية وإسرائيل على علاقات غير رسمية لسنوات من خلال عدة محادثات غير رسمية بين محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. لكن الملك سلمان بن عبد العزيز لا يتصور تطبيعًا للعلاقات مع إسرائيل، خصوصًا في ظل وجود دوائر معارضة لإسرائيل داخل المملكة أكثر من جيرانها. ومع ذلك سمحت الرياض بعبور طائرة هرتسوغ إلى الإمارات عبر الأجواء السعودية.

وعلى مدار عقود، التزمت الجامعة العربية بإجماع مبدأ عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون اتفاق سلام يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. لكن اتفاقيات إبراهيم همشت الفلسطينيين، ولم يأت ذكرهم منذ إعلان الاتفاقيات إلا في إشارات عابرة.

وأصدرت حركة حماس التي تحكم قطاع غزة وتعارض التطبيع مع إسرائيل بيانًا قالت فيه إن زيارات مثل زيارة هرتسوغ “تشجع الاحتلال على مواصلة وتصعيد عدوانه على الشعب الفلسطيني وتنكره لحقوقه”.

ويعيش الفلسطينيون في إسرائيل في ظل ما تراه منظمة العفو الدولية “نظام هيمنة قاسٍ وجريمة ضد الإنسانية” وأصدرت بيانًا في يناير الماضي اعتبرت فيه هذا النظام “نظام فصل عنصري”. لكن الدول العربية لا تكترث بهذه البيانات المنددة أو بلغة حقوق الإنسان عامة.

ومما يدل على الطبيعة المعادية للديمقراطية في الإمارات أن السلطات لم تدع وسائل الإعلام إلى أي اجتماعات ولم تنظم أي مؤتمر صحفي، ووحدها وسائل إعلام الدولة من تنشر بيانات مكتوبة بحرص بالغ عن زيارة هرتسوغ الذي لم تصاحبه أي وسيلة إعلام إسرائيلية.

على مدار سنوات، قدّمت الدول العربية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم الاحتلال دعمًا بالقول دون الفعل. وأظهرت الجولة الأخيرة من التطبيع وإبرام اتفاقيات إبراهيم ما كان يجري في الخفاء قبل ذلك، والحقيقة هي أن نظامًا استبداديًا مثل النظام الإماراتي لن يلتفت لحقوق الفلسطينيين، فهو لا يكترث أصلًا بحقوق من يعيشون تحت حكمه.

وما دام النظام القمعي يحكم الإمارات ويعادي القوى الديمقراطية، فعلى الباحثين عن حقوقهم في المنطقة، لا سيما أهل فلسطين أن يبحثوا عن الدعم في بلاد أخرى.