وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشكلة الأمن في تونس

تونس
احد المصابين يتم تحويله الى مستشفى تشارس نيكول بعد الهجوم المسلح على متحف باردو في تونس 18 مارس 2015, Photo Adel Xinhua / eyevine

ركز الهجوم المميت على متحف باردو في 18 مارس 2015 الاهتمام الدولي على تزايد انعدام الأمن في تونس، حيث ما تزال البلاد تكافح الإرهاب منذ الثمانينات. وبرزت أهمية المشكلة خلال الحرب العالمية على الإرهاب التي أطلقها الرئيس جورج  بوش رداً على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 على نيويورك وواشنطن، بل اكتسبت أهمية أكبر منذ اندلاع الثورات التي أشعلت الربيع العربي في ديسمبر 2010. وعلى الرغم من أن التهديدات لم تصل إلى حدّة تهديدات الدول الأخرى قط، مثل الجزائر في التسعينات أو مصر منذ 2013.

وسبق واستهدفت الجماعات الإسلامية المتطرفة المنشآت السياحية في أوخر الثمانينات. ونفذت عدة هجمات أيضا في الفترة بين عامي 1987 و2011، في عهد الدكتاتور زين العابدين بن علي. وأصبح الحاكم الذي خدم لفترةٍ طويلة بطلاً دولياً في مكافحة الإرهاب (والإسلامية بشكل عام)، حيث استخدمه كذريعة لسحق الحريات المدنية وإنشاء دولة بوليسية فاسدة.

حدثت ثلاثة أحداث رئيسية في تلك الفترة. ففي عام 1995، قتلت جماعة إسلامية في الجزائر (GIA) ستة جنود في مدينة تمغزة في أحد المخيمات على الحدود الجنوبية. وفي عام 2002، فجر أحد عناصر تنظيم القاعدة نفسه في كنيس غريبة اليهودي في جزيرة جربة، مما أسفر عن مقتل 16 سائحا أوروبيا وثلاثة تونسيين. وفي عام 2007، خلفت غارة على مجموعة من الشباب السلفيين الذي كانوا يتدربون على هجوم مسلح في ضاحية سليمان في تونس 12 قتيلاً من المسلحين واثنين من رجال الشرطة بالرصاص. كما ازداد عدد المقاتلين التونسيين في العراق أيضاً بالمئات على أساس سنوي منذ عام 2001.

أهلمت هذه القضايا إلى حدٍ كبير من قِبل وسائل الإعلام أثناء فترة حكم بن علي. ولم تناقش الصحف والإذاعات التونسية السائدة تلك القضايا، إذ كانت التوجيهات العامة أثناء فترة حكم الديكتاتور بتصوير تونس دوماً بطريقة إيجابية. أما المجتمع الدولي، فقد غض الطرف عما يحدث داخل تونس ما دام بن علي جندي مخلص في الحرب العالمية على الإرهاب. وبالمثل، لم تُلقي وسائل الإعلام الدولية اهتماماً كبيراً لتغطية ما يحدث في تونس، إلا باعتبارها وجهة سياحية رخيصة.

وبعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في يناير 2011، حدثت التغييرات بطريقتين. على المستوى المؤسسي حيث مهد إضعاف الدولة البوليسية والحريات الجديدة التي حصلت عليها البلاد الطريق أمام المتطرفين للتطور والتوسع على حد سواء. فقد بدأ العديد منهم بالتدرب على الفنون القتالية أو كمال الأجسام، وباتوا يرتدون زياً عسكرياً ويتحدثون عن الجهاد علانية في الأماكن العامة والمؤتمرات. فيما فضّل البعض الآخر منهم السفر إلى مناطق النزاع مثل سوريا وليبيا عابرين حدوداً يصعُب السيطرة عليها.

أما على مستوى وسائل الأعلام، بدأت الأضواء تسلط على تونس. وباعتبارها مهد الربيع العربي، جذبت اهتماماً متزايداً من قِبل وسائل الإعلام الدولية. ومع رفع الرقابة، أصبح الصحفيون المحليون قادرون على تغطية الأحداث التي يريدون، وكان موضوع الإرهاب الأكثر جذباً للأنظار. كما تم أيضاً تضخيم القضايا الأمنية من قِبل وسائل الإعلام المؤثرة التابعة للنظام السابق، التي ربطتها بالديمقراطية. وبالتالي، وصفت الأخيرة بأنها تجلب الفوضى وعدم الاستقرار للبلاد، وتشرّع الأبواب أمام الإرهابيين والفوضويين.

وقع أول هجوم في مرحلة ما بعد الدكتاتورية التي يمكن أن وصفه بالإرهاب الإسلامي في مايو 2011، في مدينة الروحية، حيث قتل عقيد وجندي، فضلا ًعن اثنين من المتشددين، إذ كانت هذه بداية لحملة تستهدف قوات الأمن والجيش. ومنذ ذلك الوقت، قُتل حوالي 60 رجل شرطة وجندي حيث راح العديد منهم ضحايا للألغام الأرضية في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر. وفي يوليو 2013، تم نصب كمين لثمانية جنود وقطع رؤوسهم في المنطقة. وفي يوليو 2014، تقريباً في نفس المكان، قُتل 14 جندياً وأصيب 30 آخرون.

وإلى حين شن الهجوم على متحف باردو في العاصمة تونس في مارس 2015، كانت معظم الهجمات تستهدف الشرطة والجيش في الشمال الغربي من البلاد على الحدود الجزائرية. أما محاولات استهداف المناطق المدنية أو السياحية إما فشلت أو أحبطت. ويبقى الهجوم على متحفٍ رائد في تونس، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 20 سائحاً، حالة استثنائية. ومقارنةً بليبيا أو حتى مصر، تُعتبر تونس آمنة نسبياً. أما التغطية الإعلامية التي تضمنت عناوين مثل “نهاية الربيع العربي” و”فشل الديمقراطية” تبالغ في سرد الحقيقة.

ونسبت هذه الهجمات من قبل وزارة الداخلية، فضلاً عن خبراء أمنيين إلى أربع منظمات: تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الشريعة في تونس، ولواء عقبة بن نافع، وفي الآونة الأخيرة، تنظيم الدولة الإسلامية. وتعتبر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المنظمة الأم التي يرجع تأسيسها إلى ما قبل عام 2011. وأسس مقاتلوا القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تنظيم أنصار الشريعة في تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي، ومن ثم ظهر أيضاً الجناح العسكري، لواء عقبة بن نافع. وبحلول عام 2014، كان قادة المجموعة الأخيرة مترددين حول الإنضمام إما للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أم تنظيم الدولة الإسلامية. وعادةً ما يتم تدريب هؤلاء المقاتلين في ليبيا.

مع تفاقم الصراع في ليبيا، والتهديدات المستقبلية وتهريب الأسلحة، لا ينبغي التقليل من شأن هذه الجماعات. فقد كان المسلحون الذين اقتحموا متحف باردو مقاتلين عائدين من ليبيا، حيث خرجت معظم التهديدات على وسائل التواصل الإجتماعي من حسابات لأفراد يقطنون ليبيا. ومن جهة أخرى، هناك جماعة شباب التوحيد، وهي جماعة متطرفة مقرها في شرق ليبيا، وتتألف في معظمها من السلفيين التونسيين الشباب الذين انفصلوا عن أنصار الشريعة في تونس، حيث كانت لديهم وجهات نظر أكثر تطرفاً فيما يتعلق باستخدام الهجمات الإرهابية. فضلاً عن ذلك، يجري تهريب الأسلحة من ليبيا إلى الجزائر عبر تونس، ولكن يتم تخزين البعض، وربما استخدامها أيضاً في تونس. يستخدم المتطرفون التونسيون ليبيا كملاذ آمن ومكان للتدريب، ويُعتقد أن العديد من العائدين من سوريا يعيشون في ليبيا.

ومع ذلك، ما يؤثر على التونسيين أكثر من الإرهاب هو إنعدام الأمن اليومي. وكلما ازداد ضعف الدولة، كلما ازدادت شوكة العصابات واللصوص، كما باتت تنتشر عمليات السطو والإبتزاز. أما فساد الشرطة فقضية أخرى: فقد أصبح أكثر انتشاراً منذ الثورة، إلا أن قلة من الساسة لديهم الشجاعة للتصدي لهذه الظاهرة. فضلاً عن ذلك، لا تكرس وسائل الإعلام التونسية اهتماماً كبيراً لهذه القضايا، وتفضل بدلاً من ذلك تغطية الأحداث التي تحقق مبيعات أكبر مثل الإرهاب وعلى وجه الخصوص الإرهاب في تونس.

و في خطاب تنصيبه في4  فبراير 2015، أعلن رئيس الوزراء حبيب الصيد أن الأمن يتربع على رأس قائمة أولوياته. ولم تتم بعد صياغة أجندته الأمنية، ولكن الهجوم على متحف باردو عزز موقف المدافعين عن الأمن، وعلى وجه الخصوص أولئك من هم من أتباع النظام القديم. ويحتاج المجتمع المدني إلى ضمانات بعدم عودة الدولة البوليسية ومواصلة الدفاع عن الحريات التي اكتسبها منذ عام 2011.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles