وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التلويح بالقوة أهم من استخدام القوة في تونس

التلويح بالقوة في تونس
صورة تم التقاطها يوم ٢٦ يوليو ٢٠٢١ لقوات الجيش التونسي وهي تحرس المنطقة المحيطة بمبنى البرلمان في العاصمة تونس، وذلك في أعقاب الاحتجاجات التي جاءت رداً على قرار الرئيس التونسي بتعليق البرلمان وإقالة رئيس الوزراء. المصدر: FETHI BELAID/ AFP.

حكيم مرزوقي

“إفزاع الذئب وترهيبه أفضل بكثير من قتله”: قاعدة ذهبيّة يعرفها كل الرعاة ممّن فجعوا في قطعانهم التي كانت آمنة قبل ظهور الذئب.

ولأنّ التلويح بالقوّة أهمّ من القوّة نفسها في أحيان كثيرة، فقد استنبط البشر هذه القاعدة في حروبهم ووظّفوها لسياساتهم قصد ربح الأوراق دون استنزاف القوّة الماديّة والمغامرة بمواجهة لا أحد يعرف موعد نهايتها.

قد يغفل عن أذهاننا أنّ الذئب عدو الراعي قبل أن يكون عدوّ الأغنام، ذلك أنّ الخرفان تعلم علم اليقين أنّ مصيرها واحد: سوف تؤكل شوياً على النار أو نهشاً بين مخالب الذئاب، بعيداً عن مجتمعها القطيعي، بل وقد يحبّذ بعضها أن يسكت جوع بني جنسه الحيواني وينتهي في بطن من هو أحقّ بأكله… ودون أن تمسّه نار أو يعرض على موائد السادة اللاّحمين.

أمّا الشاة الهزيلة والمريضة والهرمة وغير الولود، فلا يضرّها سلخها أو ذبحها… بل غالباً ما يسرّها مباغتة الذئب لراعيها حتى لا يقدّمها الأخير هبة، أي “خوّة” و”كفّ بلاء” – بلغة الفتوّة – بدل افتراسه للخرفان اللبنيّة الصغيرة ذات اللحم الطريّ…. ثمّ أنها تعيش وتصيح مع قطيعها في الوقت بدل الضائع.

نسينا أن نذكّر بأنّ الرعاة ليسوا كلهم مسؤولين عن “رعيتهم” بالضرورة، فمنهم الغرّ والمتقاعس والمتواكل والمستهتر وحتى المتآمر مع الذئب بقصد “التقليل من جسامة المسؤولية ” وإراحة الدماغ من التفكير في شؤون “الجماعة”.

إنّ توفير المرعى الخصيب وضمان المورد الآمن وتوفير المكان الظليل، ليس بالأمر السهل على أولئك الذين أخلصوا لعصا الرعاية وأحبّوا مواشيهم فساروا بها نحو مواطن الكلأ آمنة مطمئنّة البال والجانب وقد اشرأبّت أعناقها طربا لمزمار سيّدها.

ولأنّ مهنة الرعي قد التصقت بحياة الرسل والأنبياء لما تتّصف به من صدق وأمانة وتوحّد مع الطبيعة المسبّحة باسم خالقها، فإنّ الأمر قد التبس على “الأستاذ” راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية التي كانت حاكمة بأمرها في تونس، وهو الذي خطب في أنصاره ذات ليلة رمضانية في ساحة “القصبة” قائلاً: إنّ تجمّعكم هذا هو بمثابة فتح مكّة التي طهّرها النبي عليه السلام من الرجس والأزلام.

نعم، هكذا… ومن دون مواربة بلاغيّة أو استعارة بيانيّة، يشبّه الغنوشي نفسه بالنبي محمد وأنصاره بـ “الأنصار”…. فمن هو المسكوت عنه يا ترى في هذه الحادثة السابقة التي صفعت الناس وهزّت كيان المواطن التونسي المؤمن البسيط، آنذاك؟

إذا كان ما حدث في نظر الغنوشي يوازي “فتح مكّة” فترة ظهور الإسلام، فمن هم “مشركو قريش”؟

لماذا يعلنون “الحرب المقدسة” إن خسروا الحكم عن طريق الانتخاب أو وفق الدستور، ويعتبرون حكمهم مقدسا إن هم وصلوا إلى السلطة؟!

من هو الراعي ومن هو الذئب؟… أمّا عن الرعيّة، فإنّنا ننزّهها عن القطيع احتراماً لإنسانيتها ومراعاة لخصوصيتها في ضرورة التفريق بين الحملان والنعاج والأكباش وما قد يحمل بعضها من تميّز في اللون والصوت وطريقة الاحتجاج والتفرّد ومواجهة الذئب.

مَن الذئب الذي يقضّ مضاجعنا فترة ما قبل 25 يوليو، أي قبل قرارات قيس سعيد التي يسميها الإسلاميون انقلابا على الدستور؟ هو حتماً مسمّيات كثيرة لخطر واحد، أولها الأوضاع المعيشيّة المتردّية وآخرها الانفلات الأمني وانعدام السلم الاجتماعي.

صفوة القول: تأديب ذئاب الخراب وردعها أفضل بكثير من قتلها أو سجنها.. هذا ما ينصح به جميع الحقوقيين الرئيس التونسي قبل أن يصبح الإسلاميون أبطالا، وينزلق هو نحو الدكتاتورية التي يدفعونه نحوها دفعا أمام الرأي العام الدولي كما يفعلون دائما.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.