وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التونسيون لا يتذكرون لكنهم يحنّون

التونسيون لا يتذكرون
صورة تم التقاطها يوم ١٠ أكتوبر ٢٠٢١ لتونسيين وهم يرفعون أعلام بلادهم في تظاهرة مناوئة لرئيس بلادهم في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس. وبحسب مراقبين، فقد خرج في ذلك اليوم ما يزيد عن خمسة آلاف شخص إلى شارع الحبيب بورقيبة للتظاهر استجابة لنداء العديد من الأحزاب التي تعارض الرئيس قيس سعيد، ومن هذه الأحزاب حزب النهضة الإسلامي. وسبق لسعيد أن قام يوم ٢٥ يوليو ٢٠٢١ بتعليق الحياة التشريعية وإقالة الحكومة بالتزامن مع الهيمنة على السلطة القضائية ليحكم البلاد وفقاً لما يصدره من مراسيم. المصدر: FETHI BELAID / AFP.

حكيم مرزوقي

يمكن تقسيم الشعوب العربية – ممن حيث قوة الذاكرة أو ضعفها – إلى فيلة وأسماك أي بين مجتمعات لا تقوى على النسيان، وأخرى غير قادرة على التذكّر.

التونسيون يصنفون من الشعوب التي سرعان ما تنسى قسوة حكامها وظلم فاسديها لمجرد استماعهم إلى خطاب ليّن من طغاة الأمس القريب.

في يناير عام 1984، خرج التونسيون بكافة فئاتهم العمرية إلى الشارع مزمجرين ومتوعدين نظام الزعيم الحبيب بورقيبة فيما يُعرف بثورة الخبز حين رفعت الحكومة الدعم عن أسعار المعجنات.. وما أدراك ما المعجنات في الغذاء اليومي للمواطن التونسي.

قطعوا الطرقات آنذاك. أحرقوا المتاجر. نهبوا المحلات وشلوا البلاد.. وحين خرج بورقيبة على شاشة التلفزيون ويعتذر مطلقا عبارته الشهيرة “نرجع كما كنا”، خرج التونسيون رافعين صوره، يقبلونه وينادون به رئيسا أبديا للبلاد.

طبعا، بورقيبة ضحى، وقتها، ببعض الذين كانوا قد نصحوه باتخاذ قرار رفع الدعم عن الخبز وباقي مشتقات القمح، وعاد زعيما في نظر شعبه الذي كان ينعته بأبشع الصفات قبل دقيقة من اتخاذه قرار التراجع.

هذه النزعة المزاجية تكررت في تاريخ تونس السياسي الحديث منذ استقلالها عام 1956، وظل الشعب التونسي يرفع شعارات انتقامية ضد حكامه الطغاة ثم يدير ظهره لنفس الشعارات بذات الحماسة، لمجرد تغير الأقوال قبل الأحوال.

ناصروا انقلاب بن علي ضد بورقيبة عام 1987، ثم عادوا لينقلبوا على تلك المناصرة بعد سنوات قليلة إلى أن نجحوا في الثورة عليه في 14يناير 2011.

انتخب الكثير منهم الإسلاميين أثناء حكم الترويكا، لا لشيء إلا لأنهم كانوا في المنافي والمعتقلات، ثم عادوا لينددوا بفسادهم ويترحموا على حكم بن علي. ووجد الكثير منهم ضالته في النائبة وزعيمة حزب الدستوري الحر، عبير موسى، التي تمثل توليفة غريبة بين بورقيبة وبن علي ضمن نوع من الحنين إلى الماضي.. ولا شيء غير الحنين – وليس التذكّر، لأن التونسيين “يحنّون ولا يتذكرون”.

القدرة على النسيان لدى التونسيين، لها أسباب كثيرة متداخلة تتعلق بطبيعتهم العاطفية وتنتهي عند التركيبة الاجتماعية التي لم تعرف الانقسامات المذهبية والدينية كما هو الحال في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن تونس لم تعرف في تاريخها “دكتاتورية دموية” بل كان الأمر لا يتعدى نظاما بوليسيا شديد الانضباط، قليل التجاوزات، مقارنة بجيرانه في المنطقة.

ربما تصنيف تونس في خانة “الشعوب الأسماك” من حيث ضعف الذاكرة، يجعل شعبها قليل الأحقاد وقادرا على تجاوز جراح الماضي، على عكس ” الشعوب الأفيال”.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.