وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مساعٍ تركية لرأب صدع العلاقات مع مصر والسعودية

تركيا مصر
نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا (في الخلفية) يلتقي بنظيره التركي سادات أونال (في المقدمة) في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة المصرية القاهرة، 5 مايو 2021 (تصوير Khaled DESOUKI / AFP)

مات ناشد

تحاول تركيا كسر عزلتها الإقليمية من خلال إصلاح العلاقات مع السعودية ومصر. فخلال الربيع العربي، فقدت تركيا حظوتها لدى البلدين لدعمها للقوى الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

آنذاك، كان هناك تقاربٌ جليّ بين تركيا وقطر في ظل اعتقادهما الأيديولوجي المشترك بأن الإسلام السياسي يمكن أن ينقذ المنطقة من عقودٍ من الاضطرابات والفساد والإفلات من العقاب. ومع انتشار الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي، رأى العديد من الشخصيات البارزة في جماعة الإخوان المسلمين بزعيم تركيا، رجب طيب أردوغان، رائداً في تأمين السلطة من خلال صناديق الاقتراع.

بيد أن نجاحه هذا لم يشهد مثيلاً له في العالم العربي، فقد كانت مصر أول دولةٍ تعرضت فيها جماعة الإخوان لضربة قاضية، ففي يونيو 2013، تمت الإطاحة بأول رئيسٍ منتخب ديمقراطياً في البلاد والشخصية الرئيسية في جماعة الإخوان، محمد مرسي، ليتربع القائد العسكري الجديد في مصر، عبد الفتاح السيسي، على عرش السلطة بدعمٍ من السعودية والإمارات، حيث اعتبر النظامان الخليجيان جماعة الإخوان تهديداً لبقائهما ونفوذهما في المنطقة.

اشتعلت أنقرة غضباً من الانقلاب في مصر، مما أرسى علاقاتٍ عدائية بين السيسي وأردوغان. وعليه، طرد الزعيمان سفراء بعضهما البعض، فيما فر أعضاء جماعة الإخوان المصريين إلى تركيا خوفاً من القتل أو السجن. والآن وبعد ثماني سنوات، تتطلع تركيا إلى إصلاح العلاقات مع مصر لرفع مكانتها الجيوسياسية وتأمين أصولها الإقليمية.

ولبناء جسور الثقة مع القاهرة، أمرت أنقرة وسائل الإعلام العربية التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها بالتخفيف من حدة انتقاداتها للسيسي، وبحسب ما ورد رحبت الحكومة المصرية بهذه الخطوة قبل إجراء المحادثات الثنائية في أوائل مايو 2021. ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن القاهرة ستستخدم نفوذها الكامل لتأمين تنازلاتٍ كبيرة من تركيا قبل الموافقة على إعادة العلاقات.

فقد أوضحت مصر مطالبها؛ انسحاب المرتزقة السوريين والجنود الأتراك من ليبيا، حيث يدعم البلدان طرفي نقيض رغم تعهدهما بدعم حكومة الوحدة الوطنية الجديدة. علاوةً على ذلك، تتعرض السلطات التركية لضغوطٍ لتسليم قادة الإخوان البارزين المطلوبين في مصر بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب.

من جهتها، لن تخسر مصر الكثير بعرض هذه المطالب، ذلك أن علاقاتها المشحونة مع تركيا لم تؤثر على التجارة الثنائية حيث ما تزال مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية، إذ بلغت قيمة الأعمال التجارية بين البلدين 4,86 مليار دولار العام الماضي.

أما القبول بشروط مصر فسيكون غاية في الصعوبة بالنسبة لتركيا، ففي ليبيا، تخشى أنقرة من أن يؤدي سحب قواتها ومرتزقتها إلى الإضرار بنفوذها في المطالبة بالسيادة الإقليمية في شرق البحر المتوسط.

ففي نوفمبر 2019، وقعت تركيا اتفاقيةً بحرية مع حكومة الوفاق الوطني السابقة في طرابلس، وفي المقابل، نشرت تركيا قواتٍ وطائرات مسيرة ومرتزقة لإنقاذ العاصمة من اللواء المارق خليفة حفتر المدعوم من مصر.

وفي هذا الصدد، قالت حكومة الوحدة الوطني إنها ستحترم الصفقة البحرية، التي ستُمّكن تركيا من التنقيب عن اكتشافات الغاز في منطقة اقتصادية خاصة. ومع ذلك، قد تكون أنقرة مستعدة لتقليل أو حتى سحب جميع مرتزقتها من ليبيا إذا ما ألغت مصر اتفاقاً بحرياً وقعته مع اليونان في أغسطس 2020. وهنا، يأمل أردوغان أن يُفضل السيسي إبرام صفقةٍ مع تركيا للوصول إلى ولاية بحرية أوسع.

وفي حين أن هذا ليس ضرباً من الخيال، بيد أنه من غير المرجح أن تفعل مصر ذلك، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أقام السيسي علاقاتٍ قوية مع اليونان وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، إذ قد يؤدي التحالف مع تركيا إلى إحداث شرخٍ في ذلك التحالف الإقليمي.

وعلى نحوٍ مماثل، سيكون من الصعب على تركيا تسليم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى مصر، إذ أن من شأن هذا التنازل أن يقضي على صورة أردوغان باعتباره حامي حمى المسلمين وبطلاً للإسلام السياسي في المنطقة.

وعلى صعيدٍ آخر، سيكون انتقاد المملكة العربية السعودية أيضاً أمراً صعباً. فقد التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بنظيره الأمير فيصل بن فرحان في مكة يوم 11 مايو، حيث كانت الزيارة خطوة إيجابية في التغلب على الخلاف الكبير بين أنقرة والرياض، والذي نتج عن اغتيال الأخيرة للصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول قبل عامين.

هدف تركيا واضح؛ فأولويتهم الأولى هي إقناع المملكة العربية السعودية بإنهاء مقاطعتها غير الرسمية للبضائع التركية، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 90% في الصادرات التركية إلى المملكة. وبحسب الرأي السائد هنا، يمكن لتركيا إصلاح العلاقات بسرعة إلى حدٍ ما إذا ما تدخلت لإنهاء محاكمة 20 سعودياً مشتبه بهم غيابياً، وجميعهم متهمون بالت

تركيا مصر
أصدقاء الصحفي السعودي الذي تم قتله جمال خاشقجي يحملون ملصقاتٍ عليها صورته أثناء حضورهم فعالية بمناسبة الذكرى الثانية لاغتياله أمام قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول، في 2 أكتوبر 2020.(تصوير Ozan KOSE / AFP)

دبير أو تنفيذ قتل خاشقجي. ومع ذلك، صرح مسؤولون أتراك لموقع ميدل إيست أي أن هذا الأمر غير وارد، إذ أصر أحد المسؤولين على أن “العدالة ستنتصر.”

ومع ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، إن أنقرة تحترم حكم المملكة العربية السعودية بشأن مقتل خاشقجي، حيث حُكِم على ثمانية أشخاص بالسجن ما بين سبعة إلى عشرين عاماً.

وعلى حد تعبيره لوكالة رويترز في 25 أبريل “لدى السعودية محكمة أجرت محاكمات… اتخذوا قراراً وبالتالي فنحن نحترم ذلك القرار.”

من جهتها، انتقدت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان الحكم لتضحيته بصغار المسؤولين ككبش فداء في عملية الاغتيال التي أمر بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وعلى الرغم من موقف تركيا اللين بشأن مقتل خاشقجي، يبدو أن الرياض مترددة في التقارب من أنقرة. وحتى الآن، لم يصدر وزير الخارجية السعودي بياناً بعد اجتماعه مع نظيره التركي، بل إن الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أن المملكة العربية السعودية مضت قدماً في إغلاق ثماني مدارس تركية في المملكة بعد وقتٍ قصير من المحادثات.

مع ذلك، تدرك المملكة العربية السعودية مزايا المصالحة مع تركيا، إذ سبق وقال أردوغان إن المملكة أبدت اهتمامها بشراء طائرات مسيرة مسلحة متطورة تركية تم نشرها بنجاح كبير في ناغورني- قرة باغ وليبيا.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي التقليل من أهمية أي ميزةٍ عسكرية تحصل عليها الرياض من أنقرة، إذ ما يزال محمد بن سلمان يتملكه القلق من الهيمنة الإيرانية، الأمر الذي قد يدفعه إلى مد جسور التقارب من أنقرة لموازنة نفوذ طهران في العالم العربي.

بيد أن هذا لا يعني أن الانقسامات الإقليمية ستتلاشى، إذ ما يزال تكتل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر على خلافٍ كبير مع تركيا وقطر. ومع ذلك، تبعث البراغماتية المشتركة الأمل في مزيدٍ من التعاون على المدى القصير والمتوسط.

في النهاية، ينبغي على المجتمع الدولي تشجيع المملكة العربية السعودية ومصر على إعادة العلاقات مع تركيا. فهذا وحده ما يمكن أن يحبط الصراع المسلح بين وكلائهم من خلال فتح قنواتٍ للدبلوماسية.