وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا منذ انتخابات 2018

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يحضر اجتماعاً خلال قمة بريكس العاشرة (تجمع أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في 27 يوليو 2018 في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. Photo AFP

تم في يونيو 2018 ، انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان لمنصب رئيس تركيا الجديد بصلاحياتٍ أوسع، حيث حاز على أقل من 53% من إجمالي عدد الأصوات. فبعد عدة سنواتٍ مضطربة من سنوات حكمه البالغة 15 عاماً اليوم في تركيا، يتوق الكثيرون لرؤية ما يعنيه إعادة إنتخابه للمنصب الرئاسي، وبخاصة أن المنصب يمنحه اليوم سلطاتٍ أكبر من أي زعيم تركي سابق منذ أيام مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك. فقد تم إلغاء مكتب رئيس الوزراء، على غرار النمط السياسي الأمريكي. واليوم، يستطيع الرئيس تعيين نوابه وقضاته، الأمر الذي يمنحه، في بلدٍ يفتقر في الوقت الراهن إلى ضوابط وتوازنات موثوقة، سيطرةً لا مثيل لها على تركيا. لكن ما الذي تغير بالفعل؟

سيادة القانون الجديد

منذ محاولة الانقلاب في عام 2016، عاشت تركيا في ظل حالة الطوارىء التي منحت الرئيس سلطاتٍ شبه تنفيذية. في الواقع، صُممت حالة الطوارىء لاستخدامها لمدة 3 أشهر، إلا أن حكومة أردوغان جددتها 7 مرات. والآن، بعد أن مُنح الرئيس أردوغان سلطاتٍ تنفيذية على غرار الولايات المتحدة في أعقاب إعادة انتخابه، تم إلغاء حالة الطوارىء أخيراً، مما يُظهر أن هذا الإجراء قد تم من أجل الاستيلاء على السلطة.

وعوضاً عن ذلك، تم إقرار قانونٍ جديد، إذ يمنح قانون مكافحة الإرهاب الجديد السلطات الحق في احتجاز المشتبه بهم بالإرهاب (وهو مصطلحٌ يُطبق على مجموعة واسعة من المحتجزين في تركيا) دون توجيه أي تهمٍ لهم لمدة تصل إلى 4 أيام. كما يسمح القانون الجديد بتقييد حركة الأشخاص المشتبه فيهم وإقالة الموظفين العموميين إذا ما اشتبه في أنهم ينتمون إلى جماعاتٍ إرهابية. وعلى الورق، تبدو الإجراءات مشابهة لبعض القوانين الغربية. ومع ذلك، فإن إساءة استخدام النظام القضائي التركي لمحاولة تطهير المجتمع التركي من أي شخصٍ أو منظمة حتى وإن كانت تربطها علاقاتٍ عن بعد بمنظمة غولن، التي يُلقى عليها باللوم في محاولة الانقلاب في عام 2016، تثير المخاوف حول كيفية استخدام هذه التشريعات. كما يسمح القانون لولاة المحافظات بتقييد حق التجمع للمواطنين. وقد أكدت المحكمة الدستورية للبلاد أن جميع المراسيم الصادرة خلال فترة حكم الطوارىء تعتبر دائمة. ويتضمن هذا قوانين ذات روابط مشكوك فيها بالتشريعات الطارئة، مثل القانون الذي يجبر السائقين على استخدام إطارات الشتاء.

وفي 8 يوليو، أي قبل يومٍ واحدٍ من تنصيبه رئيساً للبلاد، قام أردوغان بإقالة حوالي 18 ألفاً من موظفي الدولة كجزءٍ من حملة التطهير المستمرة منذ عامين للمشتبه في تعاطفهم مع حركة الإنقلاب في تركيا. فقد اشتملت قوائم الجولة الأخيرة من حملات الإقالة الجماعية على جنود وأكاديميين وضباط شرطة. وإلى جانب هذه الإقالات الجماعية الضخمة، تم إغلاق قناة تلفزيونية وثلاث صحف. ويعدّ هذا آخر هجومٍ على وسائل الإعلام، التي لا تنسجم مع حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، في تركيا.

التدخل بالمال

في أواخر يوليو، رفض البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة، على الرغم من ضغوط المجتمع الدولي للقيام بذلك للتخفيف من ارتفاع التضخم. وقبل الانتخابات، وعد أردوغان مراراً وتكراراً بفرض سيطرةٍ أكبر على سياسة البنك المركزي، وبالتالي أثار الفشل في رفع معدلات الفائدة مخاوف من أن أردوغان يعمل على الإيفاء بوعده. بل وصف أسعار الفائدة بـ”أصل الشرور.” وعليه، خسرت الليرة التركية، على الفور، 3% من قيمتها أمام الدولار، الأمر الذي أسفر عن رد فعلٍ في الأسواق مشابه تماماً لما حصل بعد إعلان إعادة إنتخابه. فالاقتصاد التركي يعتمد على المستثمرين الأجانب وتحركاتٍ كهذه، التي تحمل في طياتها مناشدة قومية وطنية محددة، تنفّر الأموال الأجنبية وتثير المخاوف حول مستقبل الاقتصاد التركي.

وجوه غير صديقة

كان تعيين صهر أردوغان، بيرات البيرق، في منصب وزير المالية، واحداً من أكثر اللحظات التي تصدرت عناوين الصحف في فترة ما بعد الإنتخابات. ففي حين يتمتع البيرق بخبرةٍ وزارية سابقة، بعد أن شغل منصب وزير الطاقة قبل الانتخابات، إلا أنه يبدو أن هذه الخطوة تؤكد نظرية أردوغان في ترسيخ نمط السلالات بشكلٍ أكبر للحكم. واليوم، يتربع البيرق في قلب السلطة في تركيا ومن الواضح أن أردوغان يثق به إلى حدٍ كبير لمنحه سلطاتٍ كبيرة. ومن منظور المستثمرين الخارجيين، كان من المأمول بأن يجلب البيرق نهجاً أكثر عقلانية وأقل سياسة للسياسة المالية. ولكن بعد الإعلان الأخير عن أسعار الفائدة، تبدو هذه الآمال ساذجة. ويبدو أنه سيكون تليذاً مخلصاً لوالد زوجته في الحكومة.

ومع ذلك، لم تقتصر المخاوف على محاباة الأقارب فحسب. فقد تم عرض مناصب وزارية على مجموعة من الصقور داخل حزب العدالة والتنمية، مما أثار قلق بعض المراقبين في المجتمع الكردي في تركيا من أن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلامٍ مع حزب العمال الكردستاني، باتت ضئيلة. فقد بدا أن أردوغان على وشك إبرام إتفاق سلامٍ مع المتمردين الأكراد في مرحلةٍ ما خلال فترة حكمه، إلا أن قضية السلام لطالما كانت بمثابة كبش فداءٍ لطموحه الخاص، إذ كان على استعدادٍ للتخلي عن السلام في خضم سعيه وراء الهيمنة الانتخابية. فقد أعقبت خسارة حزب العدالة والتنمية للأغلبية في انتخابات يونيو 2015 تصاعداً في العنف في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، تلاه استعادة حزب العدالة والتنمية للأغلبية في نوفمبر 2015. ومع هذا الاختيار من المستشارين الذين يشكلون اليوم السياسة الكردية في تركيا، يبدو من غير المحتمل أن يتم التوصل إلى حلٍ للتمرد والتوترات العرقية في جنوب شرق تركيا، التي لطالما كان الأكراد يتوقون لها على جدول أعمال أردوغان.

خلافات قديمة

فيما اعتبر أقوى انتخاباتٍ تجري منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، إلا أن العلاقات ما بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، محفوفة بالمخاطر. فقد جدد أردوغان هجماته على حزب الشعب الجمهوري بفرض حظرٍ على السياسيين المعارضين الذين يحضرون جنازات الجنود القتلى بسبب العلاقات المفترضة للحزب المعارض مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني.

وفي غضون ذلك، تزايدت الدعوات لمرشح الانتخابات الرئاسية، محرم إنجه، الذي وحد آمال الأشخاص الذين لا يؤيدون حزب العدالة والتنمية، لإزاحة أردوغان من منصبه، ليتحدى قيادة حزب الشعب الجمهوري. فمنذ عام 2010، يقود الحزب كمال كيليتشدار أوغلو، الذي، على الرغم من موقفه المتشدد ضد عمليات التطهير الجماعي التي يقوم بها أردوغان بعد محاولة الانقلاب في عام 2016، فشل في تحقيق تأثير يشبه، ولو قليلاً، الدعم الشعبي الذي حظي به إنجه، إذ نجح الأخير حتى الآن في التحدي. ومع ذلك، من غير المرجح أن تحول هذه الشائعات دون تحفيز الدعم له لمواصلة المقاومة ضد الحكم الاستبدادي المتزايد لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس أردوغان.

وفي هذه الأثناء، لا يزال الزعماء السابقون لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، فيغين يوكسيكداغ وصلاح الدين دميرطاش، في السجن بتهمة الإرهاب. فقد اتُهموا بارتباطهم بعلاقاتٍ مع المقاتلين الأكراد واعتقلوا في عام 2016. وأثناء وجوده في السجن، خاض دميرطاش الإنتخابات الرئاسية التي أقيمت في يونيو الماضي كمرشحٍ عن حزب الشعوب الديمقراطي.

ثقة متجددة

مؤخراً، تجدد الخلاف الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن إطلاق سراح أندرو برونسون، وهو قسٌ أمريكي سجن في تركيا بتهم تتعلق بالإرهاب. فقد كانت إدارة ترامب تضغط من أجل إطلاق سراحه إلى جانب إبرام إتفاقٍ مع إسرائيل للإفراج عن مواطنة تركية، التي تم التفاوض بشأنها لضمان إطلاق سراح برونسون. ومع ذلك، أخلت تركيا سبيله ووضعته تحت الإقامة الجبرية، الأمر الذي أثار غضب الأمريكيين في الوقت الذي يُعيد فيه مجلس الشيوخ الأمريكي النظر أيضاً في حظر بيع مقاتلات إف-35 لتركيا. كان رد أردوغان على الغضب الأمريكي واضحاً لا لبس فيه، في أعقاب جملته: “حماية استقلال القضاء في تركيا” من خلال عدم التدخل في عقوبته.