وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى مسارها مجدداً بعد المصالحة

العلاقات الحكم تركيا إسرائيل
القنصل العام التركي في القدس يُلقي خطاباً مع وصول أول شحنة من المساعدات الإنسانية إلى غزة في أعقاب الاتفاق بين تركيا واسرائيل، في غزة، فلسطين، 4 يوليو 2016.

المتابع للعلاقات التركية – الإسرائيلية على مدى العقود الماضية، يعرف جيداً أنّ المصالحة التي تمت في يونيو 2016 طال انتظارها، سيما في ضوء العلاقات الاقتصادية والعسكرية الوثيقة السابقة التي كانت تربط بين البلدين.

فقد بدأت العلاقات بالتعثر في ظل رئيس الوزراء التركي الإسلامي ( الرئيس الحالي ) رجب طيب أردوغان، إلا أنها توترت على وجه الخصوص في عام 2010 بعد الغارة الإسرائيلية على سفينة المساعدات التركية، مافي مرمرة، والتي أسفرت عن مقتل تسعة نشطاء أتراك. وفي سبتمبر 2011، ومع عدم حسم المسألة، طردت تركيا السفير الاسرائيلي من أنقرة. كما تدهورت العلاقات بشكلٍ أكبر خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، عندما انتقدت تركيا علناً تصرفات إسرائيل في القطاع.  

وعلى الرغم من هذه التوترات، إلا أنّ حجم التجارة بين البلدين إرتفع إلى 5,6 مليار دولار عام 2015، في إشارةٍ إلى أنّ كلا الجانبين كانا على أتم الاستعداد لعزل المصالح الاقتصادية عن السياسية. وتمثل هذه المصالحة تتويجاً لسنوات من المحادثات والجهود غير الرسمية من قبل المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما في ذلك وزير الخارجية جون كيري والرئيس أوباما.

ولكن، لمَ تم هذا الإتفاق ولمَ الآن، وبخاصة في ظل معارضة الرأي العام الإسرائيلي؟ يتشارك كلا البلدين بذات المخاوف الأمنية، وكل منهما يتأهب للإستفادة من الصفقات الاقتصادية وصفقات الطاقة، إذ تأمل إسرائيل بأنّ تكون موّرداً للغاز الطبيعي إلى تركيا في المستقبل القريب. وعلى الرغم من أنه لا يزال ينبغي إنشاء خط أنابيب أو محطة لنقل الغاز، إلا أن دبلوماسية الطاقة لعبت دوراً حاسماً في تسهيل المصالحة.  

وبموجب شروط الإتفاق، ستدفع إسرائيل إلى تركيا 20 مليون دولار تعويضاً لضحايا حادثة سفينة مرمرة، إلا أنها لن ترفع الحصار البحري عن غزة.

وفي الوقت نفسه، ستشرّع تركيا قانوناً   يوفر الحماية للجنود الاسرائيليين من دعاوى قضائية ويلغي الإجراءات القانونية بحقهم فيما يتعلق بالحادثة. كما وعدت أيضاً بالحد من أنشطة حماس على الأراضي التركية لتقتصر فقط على السياسية منها فحسب، كما سيتم شحن المساعدات إلى غزة عبر ميناء أسدود الإسرائيلي الجنوبي، وليس من جانبٍ واحد كما طالبت في البداية.  

إنّ الدعم التركي لحل مشكلة نقص الماء والكهرباء في غزة إلى جانب مشاريع البُنية التحتية المربحة، مثل الإسكان والمشاريع الطبية، ستساعد حماس على البقاء في السُلطة. ومن خلال تركيا، ستحصل إسرائيل على قناة للوساطة مع حماس، فإسرائيل تفضل حكم حماس بدلاً من الفوضى طالما يتم احتواء حماس. فضلاً عن ذلك، فإن الحكومة الاسرائيلية حريصة أيضاً على الحفاظ على الانقسام السياسي بين حماس في غزة وفتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس في الضفة الغربية، ذلك أن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تعزز القضية الفلسطينية في الخارج، سيشكل ضغطاً إضافياً على تل أبيب.  

أما بالنسبة لتركيا، فالمصالحة في إسرائيل لا تأتي فقط في ظل تفكك المنطقة، بل أيضاً بسبب توتر علاقات أنقرة مع حلفائها الآخرين، سيما روسيا. وبالنسبة لإسرائيل، فقد اكتسب رأب الصدع مع تركيا طابعاً ملّحاً مع استمرار تفاقم الأزمة السورية سوءاً؛ وذلك في ظل مشاركة تركيا لحدودها مع سوريا، إذ يمكن لتوثيق العلاقات بين تركيا واسرائيل التقليل من تداعيات الحرب الأهلية. ولكن قبل كل شيء، فمن المرجح أن يكون للمصالحة آثارٌ إيجابية على كلا البلدين، وتوفير منصة، بعيداً عن الجدل، للمزيد من التواصل بينهما في السنوات المقبلة.