وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الممارسات التركية تعكس تنامي خصومتها مع إيران

erdogan rohani
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (يمين) مصافحاً نظيره الإيراني حسن روحاني على هامش لقاء استثنائي عقدته منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول يوم ١٨ مايو ٢٠١٨. المصدر: Kayhan OZER/ POOL/ AFP

جايمس م. دورسي

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة على مدونته سلّط فيها الضوء على تنامي الدوري التركي في منطقة جنوب القوقاز وما يعنيه هذا الأمر من تصعيد حالة التوتر مع إيران. ويتناول دورسي، وهو باحث كبير في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، في مقالته تلافيف التنافس القائم أنقرة وإيران، معرّجًا في الوقت نفسه على ما تشهده المنطقة في الوقت الراهن من تقلب للمواقف السياسية تأكيد انتخاب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية.

وتستغل تركيا دعمها الناجح لحرب أذربيجان الأخيرة ضد أرمينيا لمجابهة النفوذ الإيراني في منطقة القوقاز وتتحدى روسيا تدريجياً في منطقة وسط آسيا، التي تعتبرها موسكو فنائها الخلفي.

وأثارت الخطوات التركية ردود أفعال مختلفة من كل من روسيا وإيران، وهما دولتان تعتبرهما تركيا شريكتان ومنافستان في نفس الوقت.

ويحرص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على عدم تعريض مكانته الجديدة، كلاعب في جنوب القوقاز معترف به من قبل روسيا، للخطر.

وعلى النقيض، يبدو إردوغان عازماً على استفزاز إيران عبر تصريحاته، وما تبثه الشبكات التلفزيونية والإذاعية الحكومية التركية، التي تطرح أسئلة تشكك بها في وحدة أراضي الجمهورية الإسلامية.

ويرى دورسي أن ما يقوم به الرئيس التركي يغذي أعمق المخاوف لدى إيران. ولطالما اعتقدت طهران، وهناك أسباب تدفعها لهذا الاعتقاد، أن الولايات المتحدة والسعودية عازمتان على تأجيج الاضطرابات العرقية في محاولة لإجبارها على تغيير سياساتها، ما لم يكن هدفهما الأكبر هو الإطاحة بالنظام الإيراني نفسه.

وقال محمود أحمدي بيغش، نائب وعضو لجنة السياسية الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني: “اتخذ رئيس تركيا المريض خطوات لتفكيك إيران. ويطبق إردوغان، بمفرده، سياسات الغرب القذرة في المنطقة”.

وبحسب دورسي، فإن إردوغان يتبنى هذا الموقف الاستفزازي في الوقت الذي يتحرك فيه لاستغلال فرص جيوسياسية جديدة في قطاع النقل، ما نتج عنه عقد صفقة برعاية روسية، علمًا بأن هذه الصفقة جاءت تتويجاً لانتصار أذربيجان على أرمينيا في حرب القوقاز الأخيرة.

وتفتح الصفقة ممراً يربط أذربيجان بناخيتشيفان، وهو إقليم أذري موجود في أرمينيا، يمتد على طول الحدود مع تركيا. وسيؤدي افتتاح هذا الممر إلى تعزيز الجهود التركية الرامية إلى توسيع نطاق روابط حركة النقل مع القوقاز، ووسط آسيا، ومبادرة “طريق واحد حزام واحد” الصينية، التي تسعى إلى ربط أوراسيا بالصين.

وسرعان ما أعلن وزير النقل التركي، عادل قرايسمايل أوغلو، أن مكتبه أوشك على الانتهاء من دراسة تهدف إلى بناء خط سكة جديد عبر الممر، ضمن مشروع أكبر يبلغ قيمته 5.7 مليار دولار أمريكي، ويهدف إلى ربط محطات النقل والموانئ التركية، والأذرية، والجورجية.

وكان تركيا قد أرسلت هذا الشهر أول قطار شحن يصل إلى الصين، حيث انطلق هذا القطار على خط سكة حديد تم افتتاحه حديثاً، ابتداءً من مدينة كارس التركية ووصولاً إلى العاصمة الأذرية باكو عبر مدينة تبليسي في جورجيا. وبعد ذلك يمتد الخط عبر كازاخستان وصولاً إلى مدينة شيان في الصين.

لم يشمل اتفاق وقف إطلاق النار في القوقاز على أي بنود أمنية تتعلق باستخدام أرمينيا للممر الجديد، رغم أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ألمحا إلى إمكانية إنشاء خط سكة حديد يربط أرمينيا بإيران.

وتعزز الأفضلية التركية في إقليم ناخيتشيفان من أهمية خط السكة الحديد المفتتح في الأسبوع الماضي، والذي يبلغ طوله 220 كيلومتر ويربط مدينة خواف في إيران بمدينة هرات في أفغانستان.

وتجري إيران وأفغانستان مباحثات مع قيرغيزستان وطاجيكستان للمناقشة حول إمكانية مد خط السكة الحديد إلى الصين.

ويرى دورسي أن تلاعب إردوغان بالألفاظ في حديثه عن تفكك إيران كدولة قومية يمثل أحد أوجه الجهود التركية والإيرانية لتشكيل موقع كل منها في النظام العالمي الناشئ، مثله في ذلك مثل ما تقوم به أنقرة من منافسة على مستوى قطاع السكك الحديدية.

وبفعل هذا، تستغل تركيا وإيران الفراغ الناشئ عن تقلّص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ورؤية الصين تجاه التطورات الجيوسياسية المدفوع بأسباب اقتصادية، ناهيك عن التحديات التي تواجهها الهيمنة الروسية عبر دول الاتحاد السوفيتي السابق على امتداد مساحة شاسعة من الأراضي تبدأ من أفغانستان، وعبر القوقاز، وشرقي البحر المتوسط، ووصولاً إلى شمال أفريقيا.

وجاء تلاعب إردوغان بالكلمات والصور، الذي كان يحتم إثارة امتعاض إيران، في الوقت الذي يتخذ فيه الرئيس التركي خطوات لتحسين علاقاته بخصمي إيران الرئيسيين، إسرائيل والسعودية، حيث تحرص هاتان الدولتان على مداهنة الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن.

وفي هذا الإطار قام الرئيس التركي بتعيين أوفوك أولوتاس كأول سفير تركي في إسرائيل منذ عامين، علماً بأن أولوتاس باحثٌ يبلغ من العمر 40 عاماً ويتحدث العبرية ودرس دراسات الشرق الأوسط لدى الجامعة العبرية في القدس.

وأعلنت تركيا عن هذا التعيّن بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات، كانت متوقعة منذ فترة طويلة، على حليفتها في حلف الناتو، بسبب شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400، وفي أعقاب إجراء أنقرة لاختبارات على هذا النظام.

يأتي ذلك في الوقت الذي ابتعدت فيه تركيا أيضاً عن مواقفها المشتركة مع إيران عبر تخفيض حدة انتقادها اللاذع لإقامة الدولة العربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وفي معرض رده على أن المغرب أصبحت أحدث دولة عربية تعترف رسمياً بإسرائيل، قال وزير الخارجية التركي ،مولود جاويش أوغلو: “لكلّ دولة الحق في إنشاء روابط مع أي دولة أخرى تريدها”.

وفي وقتٍ مبكر، التقى جاويش أوغلو بنظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، على هامش مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في دول النيجر الأفريقية، فيما يعد أول لقاء مباشر يجمع مسؤولين أتراك بمسؤول سعودي بارز منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018.

وكتب جاويش أوغلو تغريدة بعد اللقاء: “إن وجود شراكة سعودية-تركية قوية لا يفيد فقط البلدين، بل المنطقة برمتها”.

جاء هذا اللقاء بعد أيام من اتصال الملك سلمان بإردوغان عشية القمة الافتراضية، التي عقدت الشهر الماضي واستضافتها المملكة السعودية، لمجموعة العشرين، التي تضم أكبر اقتصادات العالم.

Iran BRI AR 1024
المصدر: “The Belt and Road Initiative creates a global infrastructure”, Mercator Institute for China Studies. @Fanack Fanack ©Fanack

وأثار إردوغان المشاحنات مع إيران مؤخراً عندما تلا قصيدة قومية للشاعر الأذري بختيار وهاب زاده خلال استعراض عسكري أثناء زيارته لأذربيجان. وتصور القصيدة زيف الحدود على طول نهر آراس، الذي يفصل أذربيجان عن الأقاليم، ذات العرق الأذري، في إيران. وتلمح إلى أن الأذريين على الجانبين سيتحدون يوماً ما.

ونشرت الخدمة العربية للتلفزيون والراديو التركي الحكومي خلال هذا الأسبوع خريطةً على موقع إنستغرام، تصور فيه محافظة خوزستان الغنية بالنفط، والتي بها تعداد سكاني كبير ينتمي للعرق العربي، منفصلة عن إيران.

ويأتي نشر هذه الخريطة بعد أيام من الإعلان عن اختطاف حبيب شعب، رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، في إسطنبول بواسطة تاجر مخدرات عراقي كردي كبير بالتعاون مع المخابرات الإيرانية، ليتم بعدها نقله إلى إيران. واستدرج شعب إلى إسطنبول في أكتوبر من منفاه في السويد.

وقال مسؤول تركي إن ضباط المخابرات التركية والشرطة احتجزوا 11 رجلاً، كلهم مواطنون أتراك، ووجهت لهؤلاء اتهامات من بينها: “استخدام أسلحة…لحرمان فرد من ممارسة حريته عبر الخداع”.

وتهدف حركة النضال العربي لتحرير الأحواز إلى الحصول على استقلال عرب إيران، الذين لطالما اشتكوا من التمييز والإهمال.

وتتهم إيران حركة النضال العربي لتحرير الأحواز بتنفيذ هجوم 2018 على استعراض عسكري للحرس الثوري الإيراني في خوزستان عاصمة الأحواز، وهو ما تسبب في مقتل 25 شخصاً وجرح أكثر من 50 آخرين.

سعى المسؤولون الأتراك والإيرانيون، إلى حد كبير، إلى التقليل من أهمية هذه الأحداث.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني: “بناء على خبرتي السابقة مع الرئيس إردوغان، فإنّي استبعد تعمّده إهانة وحدة أراضينا. فهو يتلو الشعر دائماً في خطاباته”.

ربما ساعد روحاني في وأد الخلاف المتصاعد بين الدولتين في الوقت الحالي، لكن تصريحات المتظاهرين أمام القنصلية التركية في مدينة تبريز، وهي عاصمة مُحافظة أذربيجان الشرقيَّة، التي نظمتها وكالة أنباء فارس الشبه حكومية، لم تدع مجالاً للشك بشأن المشاعر الإيرانية الحقيقية تجاه الممارسات التركية.

وقال المتظاهرون مخاطبين الرئيس إردوغان مباشرةً: “ينبغي على هؤلاء، الذين ينظرون بطمع إلى الأراضي الواقعة على هذا الجانب من نهر آراس، أن يدرسوا التاريخ أكثر كي يعرفوا أنّ أذربيجان، وخاصة شعب تبريز، تفوقوا دائماً في الدفاع عن إيران. لو لم تساعدك إيران في ليلة الانقلاب، لكان مصيرك مشابهاً لمصير الرئيس المصري السابق محمد مرسي”.

المتظاهرون هنا كانوا يشيرون إلى الانقلاب الفاشل ضد إردوغان في 2016 والإطاحة بمرسي في 2013 من قبل القوات المسلحة المصرية.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذد المقلة بالأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 17 ديسمبر 2020.

user placeholder
written by
Mattia Yaghmai
المزيد Mattia Yaghmai articles