وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النزاع الإقليمي يوقف بث الدراما التركية

المسلسل التركي
المسلسل التركي “حريم السلطان”. Photo ShahidLive

قرر تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي) التابع للمملكة العربية السعودية في الأول من مارس 2018 إيقاف بث المسلسلات التركية، التي جذبت جمهوراً واسع النطاق من العالم العربي لأكثر من عقدٍ من الزمان. فقد عزز نجاح المسلسلات التركية في الشرق الأوسط السياحة في البلاد، فضلاً عن صورتها في المنطقة، محققةً تصنيفاتٍ تجاوزت جميع البلاد ما عدا أمريكا.

ففي عام 2014، وصل إجمالي إيرادات أكبر 10 شركات إنتاج في تركيا 152 مليون دولار. فقد تم عرض مسلسلين، حريم السلطان ويبقى الحب، في أكثر من 45 بلداً في جميع أنحاء العالم، حيث يشكل العالم العربي جزءاً كبيراً من هذا الجمهور.

وعليه، صُدم المتابعون المخلصون بقرار الإم بي سي، الذي جاء بعد أيامٍ فحسب من إطلاق سراح مالك المجموعة، وليد الإبراهيم، من قِبل السلطات السعودية. فقد احتجز الإبراهيم في نوفمبر 2017 في فندق ريتز كارلتون في العاصمة الرياض ضمن الحملة التي شنتها السلطات لتطهير المملكة من الفساد. ولم ترد الكثير من التفاصيل حول شروط إطلاق سراح الإبراهيم، باستثناء بيانٍ صادر عن الحكومة السعودية أفاد أن العديد من المحتجزين أطلق سراحهم بعد تخليهم عن المليارات من الأصول.

فقد قال زكريا كورسن، رئيس أورداف، وهي مؤسسة فكرية تركية تركز على شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، للموقع الإخباري ميديل إيست أي، أن المؤسسة الدينية في المملكة لطالما مارست ضغوطاً ضد جهود محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، تحرير المملكة.

إذ قال كورسن، “أغضب محمد بن سلمان رجال الدين في المملكة عندما خفف من القوانين المتعلقة بفتح دور السينما وإقامة الحفلات. ومن المرجح جداً أن [وقف بث المسلسلات التركية] ما هي إلا خطوة لتهدئة رجال الدين هؤلاء إلى حدٍ ما.”

وعلى الرغم من السياسة المحافظة لأردوغان، إلا أن المسلسلات التركية غالباً ما تعرض مؤامراتٍ تقودها النساء والتي تتضمن الخيانة الزوجية واحتساء الكحول. ففي عام 2008، وصل الحد برجل دين سعودي إلى وصف مسلسل نور بالفاسد وغير الأخلاقي. كما أصدر رجل دين سعودي آخر فتوى تسمح بقتل مالكي القنوات الفضائية الذين يبثون محتوى يدنس المقدسات.

ولا بد أن رجال الدين هؤلاء راضين عن إيقاف بث المسلسلات التركية على الإم بي سي، بالرغم من أن كورسن يعتقد أن هذه الخطوة لن تؤثر على اقتصاد تركيا بشكلٍ كبير، إذ أوضح أن شبكات التلفزيون التركية غالباً ما تغطي ميزانياتها قبل بدء الإنتاج. وأضاف أن الدراما التركية تحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، إذ يتم بثها لجماهير في أوروبا الشرقية، بل وتصل إلى أمريكا اللاتينية أيضاً.

واليوم، مع وجود شاغر في البث الرئيسي لإم بي سي يصل إلى ست ساعات، تأمل الدول العربية الأخرى بأن يتم سد هذه الفجوة بمسلسلاتهم. فقد سبق وصرح الحايك لوكالة فرانس برس أن الدراما التركية ستستبدل ببرامج عربية تروج للقيم المشتركة في المنطقة، إلا أنه لم يتوسع بذكر تفاصيل هذه القيم.

وتشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى أن المملكة العربية السعودية تتطلع إلى عرض أعمالها الدرامية كطريقة لتوسيع قوتها الناعمة. وذكرت صحيفة “ديلي صباح،” وهي صحيفة مؤيدة للحكومة في تركيا، أن مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي)، الذي يتخذ من دبي مقراً له، يعمل بالفعل على مسلسلٍ جديد حول السلالة الحاكمة في المملكة العربية السعودية.

ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا المسلسل سيستقطب المتعصبين للدراما التركية. وبالرغم من ذلك، أشادت شخصيات إعلامية عربية بارزة، مثل المذيع المصري عمر أديب، بقرار الإم بي سي وطالب الفضائيات المصرية بأن تحذو حذوها.

وعبر عن حزنه في برنامجه الحواري الذي يبث ليلاً بقوله “وصلت مشاهدات آخر حلقة من أحد المسلسلات التركية الشهيرة إلى أكثر من 25 مليون، حيث حققوا أرباحاً ضخمة من ذلك.” وأضاف “لا تدعم تركيا مصر أو المملكة العربية السعودية، إذاً لماذا ندعمها نحن؟”

وعلى عكس أديب، لا يهتم الكثير من محبي الدراما التركية بالسياسة الإقليمية عندما يتعلق الأمر ببرامجهم المفضلة. فقد قالت هدى، وهي لبنانية تعيش في بيروت لفَنَك، أن أياً من المسلسلات العربية ترتقي لنظيرتها التركية. وبالرغم من أنها تعتبر المسلسلات المصرية أفضل من الإنتاج اللبناني، إلا أن أياً منهما يرتقي إلى القيمة الترفيهية لخطوط الحبكة في المسلسلات التركية.

فقد أخبرتنا عبر الهاتف “أحب مشاهدة الدراما التركية لاحتوائها على نساء ورجال وسيمين… أفضلها على المسلسلات العربية لأنه على الرغم من تشابه الثقافة، إلا أن البرامج التركية تمتلك أسلوباً أفضل بكثير من العربية.”

بيد أنه لربما هناك أخبارٌ جيدة بانتظار هدى وغيرها من المعجبين. فقد صرح رئيس غرفة تجارة إسطنبول، والمسؤول عن ترويج المسلسلات التركية للخارج أوزتورك أوران، للصحافة التركية أن تركيا تخطط لإطلاق قناةٍ تبث أعمالها الدرامية باللغة العربية. وإذا ما حصل هذا، سيكون تأثير قرار إم بي سي بالكاد يُذكر على استهلاك البرامج التركية.

وعلاوة على ذلك، فإن أقراص الفيديو الرقمية (DVD)، متاحة على نطاقٍ واسعٍ أيضاً، والتي تعد من الخيارات التي تأخذها هدى بعين الاعتبار. إلا أنها قالت أنها تفضل مشاهدة المسلسلات التركية على شاشة التلفاز، لتتجنب إغراء مشاهدة جميع الحلقات في غضون أمسياتٍ قليلة.

فقد قالت “من الصعب على أم بي سي وقف بث المسلسلات التركية في الوقت الذي ارتبط بها العديد من المشاهدين. أود رؤية عودة المسلسلات التركية على شاشة إم بي سي. فقد أصبحت مشاهدة المسلسل من الساعة الـ9 إلى الساعة الـ10 إحدى عاداتي كل مساء. أصبحت المسلسلات التركية شيء أدمن عليه.”